«لو غريل»... أيقونة المطاعم في مونتي كارلو

في تلك الصالة احتفلت الأميرة غريس كيلي بعيد زواجها العشرين

TT

«لو غريل»... أيقونة المطاعم في مونتي كارلو

من الأسئلة التي تطرح عليّ، بحكم عملي وشغفي بالأكل وتقييمه: «ما هو مطعمك المفضل؟»، والجواب الدائم: «الإجابة صعبة لأنه لا يمكن أن أختصر مسيرتي في مطعم واحد»، ولكن لا أخفي سراً إذا قلت إن هناك مطاعم أو أماكن أو حتى معالم تبقى عالقة في مخيلتي لأسباب مختلفة.
السفر واختبار كل ما هو جديد يعتمد على القدرة على اكتشاف أسرار المدينة في أقل مدة ممكنة، والتنظيم والتخطيط يلعبان دوراً مهماً في نجاح أي رحلة أو زيارة، ولكن تبقى هناك أماكن تفرض نفسها على ذاكرتك، فتراها مترسخة فيها لا يمكن أن تنساها، وأحدث مثال على ذلك زيارتي الأخيرة لمطعم «لو غريل» (Le Grill) الواقع في الطابق الأخير من فندق (Hotel De Paris) في مونتي كارلو.
ومع كثرة وجود المطاعم الراقية في إمارة موناكو، يصبح مشهد الطعام المميز أمراً عادياً، لكن ذلك تغير بدخولي إلى مطعم «لو غريل» الذي لم أكن مهيأة نفسياً ولا فكرياً له لأنني لم أقرأ عنه، ولم أعرف أي شيء يخصه غير أنه يقع في ذلك الفندق.
المفاجأة كانت فعلاً غير متوقعة! فبمجرد الدخول إليه، تشعر برهبة، وتحس أنك تطير فوق غيوم الإمارة. تدخل إلى الغرفة التي احتفلت فيها الأميرة غريس كيلي بعيد زواجها العشرين من الأمير رونيه، ومنها ترى مونتي كارلو في قبضة يدك؛ لا أبالغ إذا قلت إن الشرفة المفتوحة المطلة على المتوسط تجعلك مسحوراً بالروعة المحيطة بك من كل صوب، إن كان من ناحية الديكور الجديد للمكان، حيث أضيفت عناصر أكثر عصرية على المطعم بعدما خضع الفندق بكامله لعملية تجديد، وإضافة صالة «وينستون تشرشل» الخاصة الجديدة، أو التراس الذي يلف الطابق العاشر من جميع زواياه.
ويشرف على المطعم الشيف التنفيذي فرانك شيروتي الذي يختصر المطعم بعبارة: «البحر المتوسط»؛ وبالفعل التعبير صحيح لأن الديكورات تحاكي المتوسط بتدرج ألوانها الزرقاء.
وقد أضيفت مشواة تعمل على الحطب تتصدر القاعة يطهى عليها الدجاج صغير الحجم، أو ما يعرف بـ(Poussin)، ويتم تقديمه على الطاولة وهو معلق على قاعدة حديدية. وبعدها، يقوم النادل بتقطيعه بطريقة منمقة، وتضاف الصلصلة الخاصة إليه. وفي حال لم تكن من أرباب أكل الدجاج، يمكنك اختيار أي نوع من الأسماك المتوفرة التي تقدم مشوية، مع إضافة صلصة يدخل فيها المانغو والخضراوات وتعطيها نكهة غير عادية.
الخدمة في «لو غريل» تتفوق على نفسها، والسبب هو أن هذا المطعم يعتبر معلماً بحد ذاته، ولا يقصده الزائرون للأكل فقط إنما لاختبار المدينة لأنه يلخص رقيها ويترجم خاصيتها. وطاقم العمل مهني إلى أقصى الحدود، والزبائن من طبقات اجتماعية راقية جداً، والأجواء راقية بكل حذافيرها، والجلسة في الخارج رائعة لأنها تطل على ساحل الريفييرا، حيث يمكنك تناول الغداء أو العشاء، ولكني يبقى سحر الليل أجمل وهو يغازل الأنوار المنبثقة من القبب واليخوت والقصر.
زيارة مطعم «لو غريل» هي بمثابة تجربة فريدة لا يمكن أن تنسى، وإذا حالفك الحظ وقمت بزيارة المطعم، لا بد أن تجرب «السوفليه»؛ الكل يعرف أني لست من أنصار الحلوى والسكريات، وعندما قلت للنادل إني لا أنوي طلب طبق محلي في نهاية العشاء، نظر إلى بطريقة غريبة، قائلاً: «لا بد أن تجربي (السوفليه)؛ الذواقة يأتون من أبعد أصقاع العالم لتجربتها... جربيها لن تندمي»، وحذرني بأن تحضيرها سوف يستغرق نحو عشرين دقيقة لأنها تحضر طازجة ومن الصفر؛ كيف لي أن أمانع وأعترض والدقائق تمر كالثواني من روعة الإطلالة والمكان.
وجاءت «السوفليه»، ويا لها من حلوى! إنها بالفعل ألذ «سوفليه» تذوقته في حياتي، وقد جربت نوعين: «السوفليه» السادة و«السوفليه» بالفستق الحلبي؛ النكهة كانت رائعة جداً، وخفيفة أيضاً، والشيف المسؤول عن وصفة «السوفليه» المميزة هو طاهي الحلوى أوليفييه بيرجيه الذي جاء من باريس وفي جعبته خبرة من علامة «ألين دوكاس»، أضاف إليها لمسته الخاصة من خلال إضافة الفستق والفانيلا والفاكهة الحمراء.
باختصار، تبقى هناك مطاعم للأكل فقط، وأخرى تتحول إلى ذكرى رائعة لا يمكن أن تمحى من الخاطر ومن حاسة الشم، فعندما أتذكر هذا المطعم سوف يخطر على بالي المنظر الرائع المطل على البحر، والعلو الشاهق لدرجة أنك تشعر أنك في طائرة تعانق النجوم، ورائحة الطعام، لا سيما الطبق الأشهر في المطعم الذي يأتيك إلى الطاولة، وتنبثق منه رائحة أشبه بالعطر والعود والبخور. وتبقى «السوفليه» تجربة فريدة جداً، من دون أن ننسى الأطباق الأخرى التي تتخلل العشاء المؤلف من 4 أطباق، بسعر 134 يورو.


مقالات ذات صلة

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

مذاقات «عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف البريطاني هيستون بلومنتال (الشرق الأوسط)

9 نصائح من الشيف هيستون بلومنتال لوجبة الكريسماس المثالية

تعد الخضراوات غير المطبوخة بشكل جيد والديك الرومي المحروق من أكثر كوارث عيد الميلاد المحتملة للطهاة في وقت يقومون فيه بتحضير الوجبة الأكثر أهمية في العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.