قتلى في اشتباكات بين قوات وزارتي الدفاع والداخلية بطرابلس

ترحيب أممي وأميركي باتفاق اللجنة العسكرية الليبية على سحب القوات الأجنبية

عناصر أمنية تابعة لحكومة الوحدة في طرابلس (رويترز)
عناصر أمنية تابعة لحكومة الوحدة في طرابلس (رويترز)
TT

قتلى في اشتباكات بين قوات وزارتي الدفاع والداخلية بطرابلس

عناصر أمنية تابعة لحكومة الوحدة في طرابلس (رويترز)
عناصر أمنية تابعة لحكومة الوحدة في طرابلس (رويترز)

عاشت العاصمة الليبية طرابلس كابوساً أمنياً على نحو مفاجئ، مساء أول من أمس، بعدما اندلعت اشتباكات عنيفة في طريق مطار طرابلس بين مجموعات مسلحة، تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية بحكومة «الوحدة» الوطنية، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، ما أسفر عن سقوط عدد غير معلوم من القتلى والجرحى.
ووقعت الاشتباكات بالأسلحة المتوسطة والخفيفة في طريق المطار بالعاصمة بين «كتيبة 301»، التابعة لمدينة مصراتة ووزارة الدفاع بحكومة «الوحدة الوطنية»، وقوات أخرى محسوبة على وزارة الداخلية ومديرية أمن طرابلس.
وفيما التزمت السلطة الانتقالية في ليبيا الصمت، قالت قوة دعم المديريات بالمناطق التابعة لوزارة الداخلية، إن مقرها تعرض في وقت متأخر من مساء أول من أمس، لهجوم، في محاولة لإطلاق سراح عصابة مُسلحة تتكون من 4 أشخاص من بينهم امرأة، أعلنت القوة اعتقالها في وقت سابق.
وأوضحت «قوة دعم المديريات» أن مجموعة مسلحة اشتبكت مع عناصرها، وحاولت اقتحام مقرها الرئيسي، ما أدى إلى مصرع بعض عناصر «القوة»، من بينهم ضابط برتبة نقيب.
وكانت «قوة دعم المديريات» قد أعلنت إحالة أربعة أشخاص مسلحين إلى النيابة العامة، بعدما تم اعتقالهم خلال محاولة ترويج وبيع الخمور داخل منطقة طريق المطار.
في غضون ذلك، وفيما دعا مجلس النواب أعضاءه لحضور جلسة رسمية غداً (الاثنين)، بمقره في مدينة طبرق (شرق)، لمناقشة جدول الأعمال المطروح، نفت المفوضية العليا للانتخابات اتهام رئيسها، عماد السائح، لبعض الأحزاب والتيارات السياسية بالتشويش على العملية الانتخابية ومحاولة عرقل سيرها، واعتبرت أن ما أوردته بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي في هذا الشأن «مجرد مغالطات».
من جهة ثانية، أشادت أميركا على لسان مبعوثها الخاص وسفيرها لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، بالنتائج التي توصلت إليها اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) بجنيف، والتي توجت بإقرار خطة عمل لإخراج جميع «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب، والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية.
واعتبر نورلاند في بيان مقتضب، أمس، أن التقدم الذي أحرزه القادة العسكريون في اللجنة «يمكن أن يكون نموذجاً للقادة السياسيين» في التوصل إلى اتفاق بشأن الانتخابات في ليبيا.
من جانبه، رحب رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يان كوبيش، بتوقيع اللجنة العسكرية على خطة العمل لعملية انسحاب «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية، بشكل تدريجي ومتوازن ومتزامن، واصفاً ذلك «بأنه إنجاز آخر من إنجازات اللجنة المشتركة».
واعتبر كوبيش أن هذا الاتفاق «يستجيب لمطلب الأغلبية الساحقة للشعب الليبي، ويخلق زخماً إيجابياً ينبغي البناء عليه للمضي قدماً نحو مرحلة يسودها الاستقرار والديمقراطية، بما في ذلك من خلال إجراء انتخابات وطنية حرة وشفافة، وتتمتع بالمصداقية في 24 ديسمبر (كانون الأول)، ويقبل بنتائجها الجميع».
وأوضح كوبيش أنه إلى جانب خطة العمل، وضعت اللجنة آلية للتنفيذ «تدعو إلى مغادرة جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية، على نحو تدريجي ومتوازن ومتزامن. والقصد من هذه الآلية هو التشاور مع الشركاء الدوليين المعنيين، بما في ذلك دول جوار ليبيا، والسعي للحصول على دعمهم وتعاونهم».
وشجعت البعثة أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة على اغتنام هذه الفرصة لتعزيز التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك من خلال نشر مراقبي وقف إطلاق النار، التابعين للأمم المتحدة، والذي من المفترض أن يتم قريباً.
كما دعت الأمم المتحدة الدول الأعضاء إلى دعم اللجنة والسلطات الليبية في تنفيذ خطة العمل هذه، مشيرة إلى أنها تقف على أهبة الاستعداد لدعم الجهود الليبية في تنفيذها، وكذلك في توحيد المؤسسة العسكرية، وبدء عمليات نزع السلاح والتسريح، وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني في ليبيا، موضحة أن خطة العمل الشاملة تمثل حجر الزاوية لعملية انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية بشكل تدريجي ومتوازن ومتزامن، وتعد وثيقة صاغتها، وتقود زمامها لجنة وطنية، باعتباره عاملاً جوهرياً في دعم الليبيين في استعادة سيادة بلادهم، وسلامة أرضهم وصون السلم والاستقرار والأمن فيها.
في شأن مختلف، بدأ موظفو الشركة الليبية للمناولة بمطار بنينا الدولي، شرق ليبيا، اعتصاماً للمطالبة بالمرتبات، ما أدى إلى إيقاف جميع الرحلات، وفقاً لما أعلنه لطفي الطبيب مدير المطار.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.