مهرجان لندن السينمائي يواصل نجاحاته الكبيرة

دورته الخامسة والستون انطلقت قبل يومين

TT

مهرجان لندن السينمائي يواصل نجاحاته الكبيرة

إذ انطق «لندن فيلم فستيفل» قبل يومين (في السادس من هذا الشهر) ويستمر حتى السابع عشر منه، يتصدر الرقم 65 صفحاته وشاشاته حسب عدد السنوات التي أقيم بها من عام 1956 وحتى الآن.
للوهلة الأولى من العذر أن يصدّق بعضنا أن ستة عقود ونصف مرّت على المهرجان اللندني العتيد. هذا يعني أنه على بعد عقد واحد من بعض أعتى وأقدم مهرجانات العالم مثل «كان» و«فينيسيا» و«برلين» و«لوكارنو».
والواقع أن «لندن» لم يبدأ كبيراً وبل لم ينمُ سريعاً. أخذ وقته الطويل في الانتقال من طور الولادة إلى ما هو عليه الآن من أهمية وحجم. انطلق على شاشة واحدة والآن أصبح متوفراً في عشر مدن (بينها بلفاست وغلاسغو وبريستول ونيوكاسل ومانشستر). انطلق كمجموعة من الأفلام التي كانت عرضت في مهرجانات أخرى وتم تجميعها من هنا وهناك، إلى مهرجان يتمتع بـ21 عرضاً عالمياً أول هذا العام.
مثل سواه، تعرّض في العام الماضي إلى ذلك الزلزال الذي أحدثه وباء «كورونا». عرض خدماته المنزلية كما تفعل محلات السوبر ماركت والمطاعم مع إبقاء شاشاته الفعلية مفتوحة لمن يرغب. لكنه يعود إلى النشاط الكامل هذا العام وبزخم مرتفع النبرة ليؤكد حالتين: حضوره بين مهرجانات العالم السينمائية وحضوره لهواة السينما في ربوع بريطانيا وحيثما هناك شاشة تشارك عرض الأفلام.

- تنوّع كبير
في الواقع لعب وباء «كورونا» دوراً في تشييد دورة قوية هذا العام. كان بمثابة الدافع للإجادة والتقدم. وُلد هذا الدافع على نحو غير متوقع. فلجانب أن إدارته، متمثلة بترشيا تاتل، قررت المضي قُدُماً بإنجاز دورة العام الماضي، وعلى مستويين، عزز حضوره ذلك التصميم على تجاوز الصعاب، كما فعل مهرجان فينيسيا بين كل مهرجانات الصف الأول.
والحال أن الإقبال على الاشتراك بعروض المهرجان المنزلية كان بمثابة توسيع رقعة وعملية دعائية ذكّرت البعض بوجود المهرجان الذي كان، قبل ذلك، يعتمد على عشرات الألوف من زبائنه المخلصين في الصالات المخصصة له. تقول مديرته تاتل إن ما حدث في العام الماضي كان تجاوزاً ناجحاً للتحدي الذي فرضه «كورونا» على المهرجان: «دفعنا للمزيد من العمل والمقاومة لأننا لم نرد أن نرفع راية بيضاء متمنين لجمهورنا ولنا عودة لاحقة هذا العام».
ما يتلمّسه المرء من متابعة محتويات الدورة الجديدة، ذلك التنوّع الكبير في الاختيارات من حيث تصنيف الأفلام المعروضة ومن حيث الجغرافيا (السعودية ومصر ولبنان من بين القلّة العربية الممثلة) ومن حيث ذلك الضم لأساليب عديدة من أساليب الإخراج وكيفيات نقل الأحلام إلى أفلام.
هذا كان حدث في السابق عندما كان مهرجان لندن السينمائي مكتفياً بجلب أفلامه من المهرجانات المختلفة حوله. مثل مهرجان تورونتو في السبعينات، كان لا يزال يحمل شعار «مهرجان المهرجانات» نسبة لاستحواذه على ما وجده أفضل ما سبق لمهرجانات العالم المتقدّمة عليه عرضه. لكن إذ قوي عضد مهرجان لندن منذ سنوات فإنه بات قادراً على ضمان رقعة أوسع من الأفلام وأنواعها والمدارس المختلفة التي تنتمي إليها.
على ذلك هناك معضلة لا يمكن حلّها بسهولة: ما زال على بعد غير يسير من منافسة مهرجانات الصف الأول. هذا يتطلب تغيير خطّة عمل وتطوير إمكانيات واستحداث أسواق وتوزيع جوائز (مما يعني اعتماد لجان تحكيم) وهذا كله ليس متاحاً الآن.

- محو الفوارق
رغم ذلك، ما يتيحه المهرجان من أفلام يشيد بانوراما واسعة ورائعة لجمهور متعطش لأفلام قرأ عنها حين عرضت في بعض المهرجانات الأخرى أو لأفلام من تلك الواحدة والعشرين التي لم تعرض بعد في أي مكان.
أحد هذه الأعمال غير المعروضة سابقاً فيلم الافتتاح The Harder They Fall لجايمس (Jeymes) سامويل: وسترن على أصوله من بطولة إدريس ألبا ورجينا كينغ يعيد البسمة على وجوه عشّاق النوع كما حب الاكتشاف لجيل لم يعاصر هذا النوع شبه المندثر الذي كان (حتى مطلع الستينات) يشكل نسبة تصل إلى 45 في المائة من إنتاجات هوليوود من الأفلام.
هو فيلم من إنتاج «نتفليكس» لكن الجدار السابق الذي نشأ بين ما هو منتج للعروض المنزلية وبين ما هو إنتاج للصالات التجارية بات أقل سماكة وأهمية اليوم مما كان عليه في عهد قريب. والمهرجانات هي واحدة من أسباب محو الفارق، ذلك عائد إلى أن معظمها لم يتوانَ عن استقبال فيلم لـ«نتفليكس» أو «أمازون» إذا ما توفر لهم. في الواقع يقف «كان» وحيداً بين صنف الرافضين لذلك ولسبب آخر لا علاقة له برفض الأفلام غير المصنوعة للسينما، وهو هيمنة شركات الإنتاج والتوزيع الفرنسية على ما يختاره «كان» لعروضه. هذه تريد أن تكون معظم العروض قابلة للصرف على شاشات السينما وكثير منها هو من تمويل فرنسي كامل أو جزئي على أي حال.
إذ يتصدّر «ذا هارد ذاي فول» عروض المهرجان مفتتحاً الدورة الجديدة فإن العرض الختامي هو لفيلم أميركي آخر خاص (وإن سبق وأن تم عرضه في مطلع مهرجان نيويورك قبل أقل من شهر). الفيلم هو «تراجيديا شكسبير» والكثير من الاهتمام يدور حوله لأكثر من سبب في مقدّمتها أنه الجهد الأول لجووَل كووَن بعيداً عن شقيقه ناتان. كيف تم ذلك ولماذا وهل سيعودان للعمل معاً أم لا؟ أسئلة لا جواب عليها قبل المؤتمر الصحافي للمخرج وزوجته فرنسيس مكدورمند بطلة الفيلم.
الفيلم اقتباس آخر جديد للنص الذي وضعه ويليام شكسبير قبل 401 سنة تحت عنوان «ماكبث». تم تداول الفيلم أكثر من 200 مرّة رئيسية من أيام السينما الصامتة، لكن نسخة كووَن تعد بأن تكون مختلفة (هذا لا يعني، إلى أن تُتاح لنا مشاهدة الفيلم، إنها جيدة أو لا).
شكسبير كتب أيضاً «الملك ريتشارد» لكن فيلم رينالدو مرقص غرين «الملك ريتشارد» لا علاقة له بنص شكسبير. هو من بطولة ول سميث الذي يؤدي دور أب يسعى كل طاقته لضم ابنتيه لفريق كرة ناجح.

- أفلام عربية
عربياً نجد «الحارة» للأردني باسل غندور (مع عماد عزي وبركة رحماني في البطولة) ممثلاً أربع دول اشتركت في تمويله هي السعودية ومصر وقطر والأردن. وهناك فيلم مصري (خالص) بعنوان «ما لا نعرفه عن مريم» لمراد مصطفى.
لبنان حاضر في أربعة أفلام هي «صندوق الذاكرة» للثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج: دراما عن توابع الحرب اللبنانية التي تركت تأثيراتها العميقة في شخصيات الفيلم. و«كوستا برافا ليبانون» لمنية عقل وهو حكاية عائلة استقرّت في منعزل جبلي بعيداً عن قاذورات المدينة المتراكمة في أزمة 2018 الشهيرة، لتجد أن الحكومة قررت تحويل أرض ملاصقة كحاضن للنفايات التي هربت العائلة منها.
«البحر أمامكم» فيلم آخر يستدعي الانتباه (أسوة بهذه المجموعة التي تم إنتاجها لبنانياً رغم الظروف العسيرة) حول فتاة (منال عيسى) عادت من باريس فجأة إلى مدينة بيروت حيث تلجأ إلى دار والديها وإلى صديقها الأول (روجيه عازار). هناك سبب خفي لعودتها يبني المخرج إيلي داغر الفيلم عليه.
الفيلم الرابع هو «فلسطين الصغيرة، مفكرة حصار» لعبد الله الخطيب، وهو تسجيلي حول قيام السلطات السورية قبل أعوام بإغلاق الحي الذي يقطنه الفلسطينيون في دمشق.
فيلم تسجيلي آخر، إنما سوري الراية، يتمثل في فيلم هالة عبد الله عنوانه «عمر أميرالاي: أسف، زمن»، وهو عن المخرج السوري الراحل منذ عقود والذي ما زال أهل السينما يتذكرون أعماله التي سبقت سواها في نقد البنية السياسية السورية.


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».