السودان: اتساع المخاوف من {انقلاب أبيض} يهدد الانتقال الديمقراطي

TT

السودان: اتساع المخاوف من {انقلاب أبيض} يهدد الانتقال الديمقراطي

أثار قرار المحكمة العليا السودانية إبطال قرارات لجنة «تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (حزيران) 1989، وإزالة التمكين ومحاربة الفساد»، والقاضية بإعادة مسؤولين وعاملين فصلتهم اللجنة لوظائفهم، جدلاً قانونياً وسياسياً واسعين، ومخاوف من إلغاء كل قرارات استرداد ممتلكات من «الإسلاميين» لصالح وزارة المالية وإعادتها لهم وإرجاعهم للحكم مجدداً؛ ما يشكل تهديداً للانتقال المدني الديمقراطي وعودة الشمولية مجدداً.
وتكونت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين ومحاربة الفساد، وفقاً لقانون خاص تمت إجازته من قبل المجلس التشريعي المؤقت؛ إنفاذاً للوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية التي نصّت على تفكيك نظام الإسلاميين. ويرأس اللجنة عضو مجلس السيادة الفريق أول ياسر العطا، وينوب عنه عضو المجلس محمد الفكي سليمان، ومنحت صلاحيات واسعة بملاحقة فساد أتباع النظام المعزول وتفكيك تمكينه.
لكن اللجنة واجهت عثرات عديدة «مصنوعة»، أطلت للمرة الأولى باستقالة رئيسها عضو مجلس السيادة عن المكون العسكري الفريق أول ياسر العطا دون تقديم مبررات معلنة، وبعد أيلولة رئاستها للعضو المدني في مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، شنّت عليها جهات عديدة حملات إعلامية بلغت حد المطالبة بحلها، يقف على رأسها «فلول» النظام المعزول والإسلاميين، وبعض العسكريين في مجلس السيادة.
وتلقى اللجنة تأييداً شعبياً كبيراً، ويعدّها الثوار والنشطاء السياسيون والمدنيون «أهم أدوات الثورة» في تفكيك بِنية التمكين، وجاءت القرارات التي أصدرتها واستردت بموجبها أملاكاً وأموالاً وعقارات تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، حاز عليها رموز النظام المعزول بطرق غير مشروعة، لتزيد من شعبية اللجنة. وبلغت المواجهة بين اللجنة ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أوجها، بعد احتداد التلاسن بينه ورئيس اللجنة المناوب محمد الفكي سليمان، فصدرت قرارات سحب الحراسة القانونية عن اللجنة والممتلكات التي استردتها، وسحب الحراسة الشخصية عن عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، وذلك بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، وهو ما عده نشطاء وثوار توافدوا على مقر اللجنة بعشرات الآلاف لحمايتها، خشية من انقلاب أبيض يقصي المدنيين في الحكومة الانتقالية.
ونصّ قانون لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو على سريان نصوصه عند تقاطعها مع أي قانون آخر، وتكوين لجنة استئنافية لقرارات اللجنة يكوّنها مجلس السيادة، تستأنف قراراتها للمحكمة العليا، لكن مجلس السيادة ظل يماطل في تكوين لجنة الاستئناف؛ ما خلق ثغرات قانونية عديدة تسببت في العديد من التعقيدات لعمل اللجنة، وظل رئيس اللجنة المناوب على الدوام يطالب بتشكيل لجنة الاستئناف دون جدوى.
وعقب صدور قرار دائرة الطعون الإدارية في المحكمة العليا بإلغاء 11 من قرارات اللجنة، أمرت بموجبها إعادة موظفين لوظائفهم، أعلنت اللجنة أنها ستواصل عملها وستواجه أي خطط سياسية ضدها، ووصفت في مؤتمر صحافي ليل الثلاثاء، أن قرار المحكمة العليا «محاولة إجهاض للثورة»، وقال عضو اللجنة وجدي صالح، إن المحكمة رفضت قرارات اللجنة بمبررات غير موضوعية، مهدت له معارضة طرف في السلطة الانتقالية لعمل اللجنة، في إشارة للمكون العسكري وبعض أتباعه من المدنيين.
وشكك صالح في حيادية رئيس الدائرة العدلية التي أصدرت الحكم؛ لكونه يحمل رأياً مسبقاً ضد قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واللجنة، وقال إنهم لهذا السبب طالبوه بالتنحي لكنه لم يفعل، مؤكداً على صدور القرارات دون طلب الحيثيات والملفات من اللجنة، معتبراً ما حدث مخططاً ضد الحكومة الانتقالية بقوله «إننا واعون بكل المُخطّطات، وسنمضي في مشروع التفكيك سياسياً وقانونياً، حتى في الأجهزة العدلية والقضائية التي تُعطِّل مشروع بناء دولة القانون».
وأوضح صالح الذي يعدّ إحدى أيقونات الثورة، بأن لجنته تحترم القضاء وتعمل على إنفاذ القانون، لكنها في الوقت ذاته ضد من أسماهم «الفلول» – يقصد بهم أتباع النظام المعزول، وتعهد مواصلة مسار اللجنة في تفكيك تمكينهم الاقتصادي والسياسي والإداري، بما في ذلك الجهاز القضائي والعدلي.
وأكد صالح انتقاداته لقرار المحكمة وتجاهلها أن القانون حدد طرق التظلم، ونص على استئناف قرارات التفكيك أمام لجنة استئنافية أولاً، وهي لجنة يشكلها اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، وقال «رغم مطالباتنا المتكررة بتشكيل هذه اللجنة حتى لا يتضرر المتظلمون... فإن قرار التشكيل لم يجد أذناً صاغية»، وتساءل «لماذا لم يتم تشكيل لجنة الاستئنافات إلى اليوم».
ونص قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، على استئناف قرارات اللجنة للجنة استئناف يكونها المجلسان – السيادة والوزراء - ويمثلان المجلس التشريعي المؤقت، وأن تستأنف قراراتها الأولية للجنة الاستئناف تلك، ثم تستأنف لدى دائرة قضائية يعينها رئيس القضاء، تقضي بتوافق قرارات اللجنة مع القانوني بحضور المتظلم، بيد أن صالح قال «هذا لم يحدث».
وقال صالح، إن قانون التفكيك نص على سيادة أحكامه على أي قانون آخر حالة التعارض معه، وتابع «مستعدون لمواجهة كل التحديات والمؤامرات التي تحاك ضد الثورة، واللجنة تملك قوائم تحوي كل عضوية الحركة الإسلامية – الإخوان – وحزبهم المؤتمر الوطني وأمنهم الشعبي».
وأصدرت الثلاثاء «دائرة الطعون بالمحكمة العليا» 11 قراراً أعادت بموجبها عاملين وموظفين فصلتهم في وقت سابق اللجنة، نصت على فصل قضاة ومستشارين ووكلاء نيابة وموظفين في السلطة القضائية ووزارة العدل والمعادن وعدد آخر من المؤسسات، وقضت ببطلان قرارات لجنة إزالة التمكين، وكل ما ترتب عليها، ودعت الجهات المعنية بتنفيذ قرارها بإرجاع المفصولين لوظائفهم.
وتفاقمت الأزمة السياسية في السودان، وبعدت الشُّقّة بين مكونات الحكومة الانتقالية، في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة، وتبادل المدنيون والعسكريون الاتهامات وتحميل الفشل كل للآخر، ففي الوقت الذي يتهم فيه المدنيون العسكريين بتدبير انقلاب أبيض ضد الانتقال، وبعدم الرغبة في تنفيذ الوثيقة الدستورية وتسليم الرئاسة للمدنيين، ودعم الانشقاقات في المكون المدني، وتشجيع التوتر القبائلي في أنحاء السودان، ولا سيما في شرقه، حيث يقطع تجمع قبلي الطريق البرية، ويغلق الميناء على البحر منذ أكثر من أسبوعين، يسعى المكون العسكري لتكوين تحالف سياسي بديل يحمل الاسم ذاته «الحرية والتغيير».



اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
TT

اليمن يطالب بتوسيع التدخلات الأممية الإنسانية في مأرب

نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)
نقص التمويل أدى إلى خفض المساعدات وحرمان الملايين منها (إعلام حكومي)

طالبت السلطة المحلية في محافظة مأرب اليمنية (شرق صنعاء) صندوق الأمم المتحدة للسكان بتوسيع تدخلاته في المحافظة مع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي والإنساني للنازحين، وقالت إن المساعدات المقدمة تغطي 30 في المائة فقط من الاحتياجات الأساسية للنازحين والمجتمع المضيف.

وبحسب ما أورده الإعلام الحكومي، استعرض وكيل محافظة مأرب عبد ربه مفتاح، خلال لقائه مدير برنامج الاستجابة الطارئة في صندوق الأمم المتحدة للسكان عدنان عبد السلام، تراجع تدخلات المنظمات الأممية والدولية ونقص التمويل الإنساني.

مسؤول يمني يستقبل في مأرب مسؤولاً أممياً (سبأ)

وطالب مفتاح الصندوق الأممي بتوسيع الاستجابة الطارئة ومضاعفة مستوى تدخلاته لتشمل مجالات التمكين الاقتصادي للمرأة، وبرامج صحة الأم والطفل، وبرامج الصحة النفسية، وغيرها من الاحتياجات الأخرى.

ومع إشادة المسؤول اليمني بالدور الإنساني للصندوق في مأرب خلال الفترة الماضية، وفي مقدمتها استجابته الطارئة لاحتياجات الأسر عقب النزوح، بالإضافة إلى دعم مشاريع المرأة ومشاريع تحسين سبل العيش للفئات الضعيفة والمتضررة، أكد أن هناك احتياجات وتحديات راهنة، وأن تدخلات المنظمات الدولية غالباً ما تصل متأخرة ولا ترقى إلى نسبة 30 في المائة من حجم الاحتياج القائم.

وحمّل وكيل محافظة مأرب هذا النقص المسؤولية عن توسع واستمرار الفجوات الإنسانية، وطالب بمضاعفة المنظمات من تدخلاتها لتفادي وقوع مجاعة محدقة، مع دخول غالبية النازحين والمجتمع المضيف تحت خط الفقر والعوز في ظل انعدام الدخل وانهيار سعر العملة والاقتصاد.

آليات العمل

استعرض مدير برنامج الاستجابة في صندوق الأمم المتحدة للسكان خلال لقائه الوكيل مفتاح آليات عمل البرنامج في حالات الاستجابة الطارئة والسريعة، إلى جانب خطة الأولويات والاحتياجات المرفوعة من القطاعات الوطنية للصندوق للعام المقبل.

وأكد المسؤول الأممي أن الوضع الإنساني الراهن للنازحين في المحافظة يستدعي حشد المزيد من الدعم والمساعدات لانتشال الأسر الأشد ضعفاً وتحسين ظروفهم.

النازحون في مأرب يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة (إعلام محلي)

وكانت الوحدة الحكومية المعنية بإدارة مخيمات النازحين قد ذكرت أن أكثر من 56 ألف أسرة بحاجة ملحة للغذاء، وأكدت أنها ناقشت مع برنامج الغذاء العالمي احتياجات النازحين وتعزيز الشراكة الإنسانية في مواجهة الفجوة الغذائية المتزايدة بالمحافظة، ومراجعة أسماء المستفيدين الذين تم إسقاط أسمائهم من قوائم البرنامج في دورته الأخيرة، وانتظام دورات توزيع الحصص للمستفيدين.

من جهته، أبدى مكتب برنامج الأغذية العالمي في مأرب تفهمه لطبيعة الضغوط والأعباء التي تتحملها السلطة المحلية جراء الأعداد المتزايدة للنازحين والطلب الكبير على الخدمات، وأكد أنه سيعمل على حشد المزيد من الداعمين والتمويلات الكافية، ما يساعد على انتظام توزيع الحصص الغذائية في حال توفرها.

خطط مستقبلية

بحث وكيل محافظة مأرب، عبد ربه مفتاح، في لقاء آخر، مع الرئيس الجديد لبعثة المنظمة الدولية للهجرة في اليمن، عبد الستار يوسف، الوضع الإنساني في المحافظة، وخطط المنظمة المستقبلية للتدخلات الإنسانية خصوصاً في مجال مشاريع التنمية المستدامة والتعافي المجتمعي والحاجة لتوسيع وزيادة حجم المساعدات والخدمات للنازحين واللاجئين والمجتمع المضيف، وتحسين أوضاع المخيمات وتوفير الخدمات الأساسية.

وكيل محافظة مأرب يستقبل رئيس منظمة الهجرة الدولية في اليمن (سبأ)

وطبقاً للإعلام الحكومي، قدّم الوكيل مفتاح شرحاً عن الوضع الإنساني المتردي بالمحافظة التي استقبلت أكثر من 62 في المائة من النازحين في اليمن، وزيادة انزلاقه إلى وضع أسوأ جراء تراجع المساعدات الإنسانية، والانهيار الاقتصادي، والمتغيرات المناخية، واستمرار النزوح إلى المحافظة.

ودعا الوكيل مفتاح، المجتمع الدولي وشركاء العمل الإنساني إلى تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في استمرار دعمهم وتدخلاتهم الإنسانية لمساندة السلطة المحلية في مأرب لمواجهة الأزمة الإنسانية.

وأكد المسؤول اليمني أن السلطة المحلية في مأرب ستظل تقدم جميع التسهيلات لإنجاح مشاريع وتدخلات جميع المنظمات الإنسانية، معرباً عن تطلعه لدور قوي وفاعل للمنظمة الدولية للهجرة، إلى جانب الشركاء الآخرين في العمل الإنساني في عملية حشد المزيد من الموارد.

حريق في مخيم

على صعيد آخر، التهم حريق في محافظة أبين (جنوب) نصف مساكن مخيم «مكلان»، وألحق بسكانه خسائر مادية جسيمة، وشرد العشرات منهم، وفق ما أفاد به مدير وحدة إدارة المخيمات في المحافظة ناصر المنصري، الذي بين أن الحريق نتج عن سقوط سلك كهربائي على المساكن المصنوعة من مواد قابلة للاشتعال، مثل القش والطرابيل البلاستيكية.

مخيم للنازحين في أبين احترق وأصبح نصف سكانه في العراء (إعلام محلي)

وبحسب المسؤول اليمني، فإن نصف سكان المخيم فقدوا مساكنهم وجميع ممتلكاتهم، بما فيها التموينات الغذائية، وأصبحوا يعيشون في العراء في ظل ظروف إنسانية قاسية. وحذر من تدهور الوضع الصحي مع زيادة انتشار الأوبئة وانعدام الخدمات الأساسية.

وطالب المسؤول السلطات والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية بسرعة التدخل لتقديم الدعم اللازم للمتضررين، وفي المقدمة توفير مأوى طارئ ومساعدات غذائية عاجلة، إلى جانب المياه الصالحة للشرب، والأغطية، والأدوية.