رامي عياش: لماذا أسحب هويتي كفنان لأصبح ناشطاً سياسياً؟

أطلق مبادرات لتعليم الأطفال والتوعية بالصحة النفسية

النجم اللبناني رامي عياش
النجم اللبناني رامي عياش
TT

رامي عياش: لماذا أسحب هويتي كفنان لأصبح ناشطاً سياسياً؟

النجم اللبناني رامي عياش
النجم اللبناني رامي عياش

النجم الحقيقي روحٌ نبيلة ويدٌ تمتد حين تتقطّع الأوصال، فتفتح كفّها للخير. نجومية رامي عياش من شقّين: الغناء الأمين على القيمة، وجمال العطاء. ليست جمعية «عياش الطفولة» بصمة فحسب في مسيرته، بل الهدف الأسمى الذي يفضّله إذا خُيّر بين الفن والعمل الإنساني. كانت حلماً بعيداً وصارت هدفاً يومياً يكبُر معها وبها: «أنا وعائلتي موظفون لدى (عياش الطفولة) وأطفالها»، يقول بحُب. يفتح قلبه لـ«الشرق الأوسط» بعد إطلاق الجمعية مبادرة «على عاتقي» للتكفل بتعليم طفل. يذهب بنا الحديث إلى الفن والتمثيل، وإلى رامي الأب وهواء القرية. التمثيل بالنسبة إليه رسالة وليس هواية: «لطالما كان حاضراً في أجندتي». نسأله، ماذا لو خطفته الكاميرا من فنه؟ لا يتخيل نفسه مستقيلاً من الغناء، فيجيب: «أحبّ خوض التجارب المناسبة، لكن ليس على حساب مهنتي الأولى. أنا فنان، عملي الغناء وإسعاد الناس. لماذا أتخلى عن الفن وأستطيع حمل المجالين معاً؟ هل الخيار إلزامي؟. لا، خصوصاً لمن يتعب ليصل».
يتحدث عن «عياش الطفولة»، فخر العمر: «همّنا الوقوف إلى جانب أهلنا لتخفيف ثقل الأزمة». التعليم ركيزة الجمعية، فتقترح مبادرات تسهّل فرصه وتساعد التلامذة بالمِنح. ومع كل المبادرات، يشعر «البوب ستار» بضرورة بذل مزيد من الجهد خارج عمل الجمعية الأساسي، أي التكفّل بتعليم 2000 طفل من كل لبنان. من هنا، ولدت فكرة «تحدي التعلّم» للمشاركة مع مشاهير في إنقاذ مصير العام الدراسي. لفته تفاعل الناس واهتمام الصحافيين لبنانياً وعربياً. وتلقى أصداء مبهجة من بعض المشاهير؛ أوّلهم تجاوباً وتلبية، المنتج صادق الصبّاح: «نمرّ بظرف عصيب ونحن بحاجة للتكاتف».
يشكر الله لقدرة الجمعية على الاستمرار، والوضع الاقتصادي مُنهك: «لدينا الكثير من الخطط والمشاريع الخاصة بالأطفال، ليس من الناحية التربوية - التعليمية فقط، بل كل ما يتعلق بقضايا الطفولة». برغم الأزمة، قدمت الجمعية مشاريع بالغة الأهمية، كمشروع الدعم النفسي للأطفال والذين يعانون صعوبات تعلّمية، فكان إنجازها الأكبر في نهاية العام الدراسي، حيث ساعدت 500 تلميذ على اجتياز الامتحانات الرسمية.
يستفيد 2000 طفل لبناني و4000 طفل مغربي من تقديمات «عياش الطفولة» كمنحة مجانية كاملة، فما مصدر التمويل؟ يردّ رامي عياش: «تمويل الجمعية من حفلاتي، فأخصّص أرباح الحفلات لدعم مشاريعها والتكفّل بمستلزمات الأطفال. إلا أنه في السنة الأخيرة، ولضيق الحال، فتحنا باباً للتعاون مع كاريتاس والأمم المتحدة. الحمل أصبح كبيراً». نستعيد مبادرة «نفسية ولادنا أولوية ببلادنا» لدعم الصحة النفسية جراء فداحة الأذى الذي تتكبده الطفولة بعد «الكوفيد» والانفجار والانهيار. يضع رامي عياش الصحة النفسية بمرتبة الصحة الجسدية، ويعنيه مع زوجته داليدا البقاء على مسافة قريبة نفسياً من ولديهما ومراقبة أي تغيّرات قد تطرأ على سلوكهما. وفي الجمعية، يخبرنا عن قسم يُعنى بالجانب النفسي للأطفال، يتابعه اختصاصيون ومشرفون، مع العمل على تأمين أي علاج أو استشارات طبية لازمة.
عافاكم الله، فلنعد الآن إلى مسلسل «عشرين عشرين» (رمضان الماضي)، حين أطل في حلقتين كان أثرهما كبيراً. شخصية «الرائد جبران عقل» ناضجة، واثقة، وحقيقية. يُشهد لصاحبها أنه ممن يصقلون الذات ويتقدّمون، فأي صفحة درامية يفتحها الدور؟ تسعده التجربة وتعني له الكثير: «تهمني الرسالة التي حملها استشهاده ورمزية رجل الدولة وابن المؤسسات». لم يتوقّع ضخامة الأصداء، خصوصاً أنه ظهر في حلقتين فقط: «محبة الناس أغلى إنجاز». ماذا يحضّر رامي الممثل؟ يكشف لـ«الشرق الأوسط»: «نجاح جبران حفّزني أكثر لخوض معترك التمثيل، وتلقيتُ رسائل تشجيع من كبار النجوم. لي تعاون قريب مع شركة (الصبّاح أخوان)، والعمل يتحضّر منذ مدة وقبل قبولي دور جبران كضيف شرف».
اعتاد تكرار سفره إلى مصر بظلّ استحالة إحياء الحفلات والمهرجانات في لبنان. يحب أمّ الدنيا: «بلدي الثاني الحاضن». ركّز على حفلات الأعراس، «والحمد لله، تزيدني محبة الناس إصراراً لمشاركتهم أفراحهم». ورامي الفنان، لِمَ يعتكف عن جديد الإصدارات؟ إنه شقاء الأوطان، «فسبق أن أرجأتُ إصدار أغنية كانت مخصّصة للصيف بسبب الظرف، لكنني دائماً في مرحلة تحضير لجديد فني، وأعمل ساعات على التأليف الموسيقي».
يسكن في الجبل بين الطبيعة والنسمات والأشجار والزقزقة. تفصله بضعة كيلومترات عن بيروت الموجوعة. فأي حزن يحمل في قلبه تجاه المصير اللبناني المريع؟ يتمسك بالأمل لاستعادة الوطن، «إذا مش كرمالنا كرمال ولادنا». بيروت في قلبه، فيصبح طعم الفرح ناقصاً وسط المعاناة الجماعية. تزيده الحياة في الطبيعة تصالحاً مع المشاعر وتُقرّبه من الجذور والانتماء، «لكننا نحمل همّ أهلنا وأطفالنا وكل الأحبة، وعواقب المرحلة تنعكس علينا ولو بنسب متفاوتة». الاستقرار دائم في بعقلين الجبلية؟ «هذا القرار متعلّق بانفجار المرفأ. فزوجتي داليدا لم تتأقلم مع البقاء في بيتنا البيروتي، لأنها لم تتجاوز الصدمة نهائياً». يزور بيروت بشكل يومي لإكمال ضرورات العمل، ويلمح ضوءاً منبثقاً من الرجاء: «نحن أشخاص مؤمنون، قوّتنا الوحيدة هي إيماننا. به نتخطى الأوجاع».
الأبوّة أصدق لحظة يعيشها الرجل مع كائن آخر هو جزء من روحه. تحمّل رامي عياش المسؤولية في سن صغيرة. لا يستهين بواجبات الأبوّة، فقد غيّرت طموحاته، وصار يسعى كل يوم ليكون قدوة لولديه آرام وأيانا. يكنّ الوفاء لأهله ويرى في تجربة والده «أبو شادي» إضاءات تلهمه كأب، فيزداد تمسكاً بالقيم والتربية التي غرسها فيه وإخوته مع أمه الراحلة، لصونها مع عائلته، المحور الأهم في حياته: «هكذا أربّي طفلَي».
يميل للاعتدال، ولم يرقه يوماً التطرف بالمواقف والأحكام. نسأله، هل هو قرار شخصي البقاء على مسافة من السياسة اللبنانية الملتهبة؟ رامي عياش فنان أيضاً في وضع النقاط على الحروف: «مواقفي السياسية حاضرة، أفصح عنها في وقتها ومكانها. أنا فنان، والفنان ملك الجميع بفنه. لماذا أسحب هويتي كفنان لأصبح ناشطاً سياسياً وأوجّه الآخرين؟ الناس لا تحتاج إلى التأثير بآرائها، بقدر ما تحتاج إلى التأثير بسلوكها والتمسّك بالأسس المشتركة لنا كلبنانيين. علاقتي مع المأساة في العمق. لا نستطيع أن نكون بخير إن لم يكن لبنان بخير. لكل إنسان في مهنته رسالة عليه خدمة وطنه ومجتمعه من خلالها. كفنان، هذا ما أحاول الحفاظ عليه».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».