لبنان وصندوق النقد... مفاوضات شاقة تتطلّب تحديد الخسائر وتوحيد سعر الصرف

دولارات أميركية وليرات لبنانية في محل للصيرفة ببيروت (رويترز)
دولارات أميركية وليرات لبنانية في محل للصيرفة ببيروت (رويترز)
TT

لبنان وصندوق النقد... مفاوضات شاقة تتطلّب تحديد الخسائر وتوحيد سعر الصرف

دولارات أميركية وليرات لبنانية في محل للصيرفة ببيروت (رويترز)
دولارات أميركية وليرات لبنانية في محل للصيرفة ببيروت (رويترز)

بعد مخاض طويل ومؤلم استمر أكثر من سنة ولدت حكومة جديدة في لبنان تبدو مهمتها واضحة بغض النظر عما أدرجته في بيانها الوزاري: لجم الانهيار للتمكن من إجراء انتخابات نيابية في ربيع 2022.
ومن المقوّمات الأساسية لوقف الانهيار العودة إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وذلك بعدما كانت الجولات السبع عشرة السابقة من المفاوضات بين الصندوق وحكومة حسان دياب قد توقفت (بسبب عدم اتفاق الجهات الرسمية اللبنانية على رقم موحّد لحجم الخسائر!) فيما كان لبنان يغرق أكثر في أزمته.
والآن تنطلق حكومة نجيب ميقاتي في المفاوضات من نقطة صعبة جدا في ظل توقف شبه تام لدورة الإنتاج، وانهيار كبير لليرة، وضبابية سياسية تدور في فضاء نظام سياسي لا ينتج إلا أزمات.
وضمن الوقت الضيّق المتاح، تحاول حكومة ميقاتي إعادة صياغة خطة التعافي الاقتصادي بالتعاون مع شركة «لازارد» للاستشارات المالية، من دون وضع إطار زمني لذلك. والمستغرب هو عدم وجود أي أسس للتعامل مع الدين العام الذي فاق 100 مليار دولار، تعود بمعظمها إلى دائنين محليين (المصارف بشكل أساسي) وبعض الدائنين الأجانب (حملة اليوروبوندز).
وبعدما شكلت الحكومة لجنة موسعة للتفاوض مع صندوق النقد، طلب منها الثاني إنجاز خطة للتعافي تبيّن الخطوات المطلوبة بهدف البناء عليها. وفي هذا الصدد، نقلت مصادر عن الصندوق أن الخطة التي وضعتها حكومة حسان دياب جيدة، إلا أن أرقامها تحتاج إلى تحديث، خصوصاً أن سعر صرف الليرة مقابل الدولار تدهور كثيراً منذ ذلك الحين. لذلك طلبت السلطات اللبنانية من شركة «لازارد» المساعدة في تحديث الخطة.
والأبعد من ذلك، يرى خبراء اقتصاديون لطالما أبدوا معارضتهم للنموذج الاقتصادي الذي اتبع في لبنان على مدى العقود الثلاثة الماضية، انه من دون إعادة النظر في أساسيات الاقتصاد لا يمكن تحقيق تعافٍ حقيقي. وهم يتخوفون في هذا المجال من دخول لبنان في دوامة التفاوض مع صندوق النقد على طريقة الأرجنتين التي لم تستطع الخروج من «لازمة» إعادة جدولة ديونها منذ أكثر من ربع قرن.
*أصل المشكلة
في السياق، انشغل قسم من الرأي العام اللبناني وعدد من الاقتصاديين في الايام الأخيرة في قراءة دراسة طويلة بعنوان «أصل الأزمة في القطاع المصرفي اللبناني» وضعها باللغة الإنجليزية المدير العام السابق لوزارة المال اللبنانية آلان بيفاني (تولى المنصب من العام 2000 إلى العام 2020)، ونشرها معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد الأميركية على موقع الجامعة. وقد شرح بيفاني بإسهاب أسباب الأزمة عائداً إلى تركيبة النظام التي نشأت بعد توقف الحرب عام 1990.
ومما يقوله بيفاني أن النظام الجديد الذي أعقب انتهاء الحرب بدأ فعليا عام 1992، مع تولي الثنائي رفيق الحريري – نبيه بري إدارة دفّة البلاد، الأول عبر رئاسة الحكومة والثاني رئاسة مجلس النواب، متحالفَين مع عدد كبير من السياسيين.
ويعتبر بيفاني أن من أسباب استشراء الفساد أن مجلس النواب تخلى عن دور مراقبة السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة ليتحوّل إلى شريك لها، متهماً بري والرئيس الراحل رفيق الحريري بالشراكة مع آخرين بشلّ السلطة القضائية من خلال تعيين أشخاص محسوبين على الزعماء أو فاسدين في مناصب حساسة، وإبقاء مناصب رقابية أساسية شاغرة.
ويضيف واضع الدراسة أن القوى السياسية المختلفة سعت إلى أخذ حصص من الغنائم ضمن هذه التركيبة فتحولت المعارضة من دور محاسبة الحكومة إلى دور الساعي إلى مكاسب.
ويرى بيفاني أن الفساد السياسي وإيهام الناس أن القطاع المصرفي متين وقوي، ومخالفة حاكم مصرف لبنان القوانين في أكثر من مجال وتوزيعه مليارات الدولارات من الأموال العامة على المصارف تحت عنوان الهندسة المالية، أدت إلى تجويف هيكل الاقتصاد من أهم مقوّماته فانهار على رؤوس الجميع.
ويسهب بيفاني في الحديث عن مصرف لبنان وتدخله من دون قانون أو إذن لإنقاذ بعض المصارف الخاصة من الإفلاس، وربطه سعر الليرة بالدولار من دون أي أساس علمي، وإعطاء الفوائد المرتفعة لجذب الودائع الدولارية من الخارج في غياب أي رؤية لتوفير القدرة على مواصلة سداد الفوائد لمستحقيها...

*المهمة الصعبة
في ظل هذا الواقع الاقتصادي المأزوم وتعطّل وسائل الإنتاج وقضم ودائع الناس في المصارف عبر تحديد سعر لصرف الدولار يقل بنسبة 75 إلى 80% عن سعر السوق الموازية وإفلاس عدد كبير من المؤسسات، سيبدأ لبنان التفاوض الجدي مع صندوق النقد الدولي باعتباره الحل الوحيد الممكن للشروع في الخروج من الأزمة.
ويتفق جميع الخبراء على أن الشرط الأول للصندوق سيكون توحيد سعر صرف الليرة، والثاني ضرورة الاعتراف بالحجم الحقيقي للخسائر التي تكّبدتها المالية العامة. فمن دون هذين المعطيين لا يمكن رسم الملامح الحقيقية للمشكلة بهدف وضع الأسس الضرورية والسليمة للحلّ.
تحقيق الشرط الثاني يتطلب جواباً موحّداً من وزارة المال ومصرف لبنان وجمعية المصارف التي يعتبرها البعض «الحزب» الأقوى لبنان. وهذا ما لم يحصل في جولات تفاوض الحكومة السابقة مع الصندوق فتوقف البحث، وتكبد اللبنانيون مزيداً من الخسائر التي كانوا في غنى عنها. ولعل خطورة الوضع الآن تقنع المعنيين بالاعتراف بالحجم الحقيقي للخسائر من دون أي محاولة تلطيفية أو تجميلية، لأن إخفاء حقيقة المرض سيمنع الطبيب من تقديم العلاج الناجع.
أما الشرط الأول فتحقيقه صعب جداً، خصوصاً أن أيادي خفية تتلاعب بسعر الدولار يوميا عبر منصات تسعير لا أحد يعلم أمكنة وجودها ولا من يديرها، بالإضافة طبعاً إلى الضعف البنيوي للاقتصاد اللبناني.
يبقى القول إن المفاوضات مع صندوق النقد ستفضي – إذا نجحت – إلى أمرين أكيدين: حفظ حقوق الدائنين الأجانب عبر إعادة جدولة دفع سندات اليوروبوندز المستحقة، وتحمّل جهة ما القسط الأكبر من الخسارة... وهنا يأمل اللبنانيون ألا تكون عامة الشعب الخاسر الأكبر، علماً أن المواطنين هم من يدفعون الأثمان الباهظة منذ سنتين.



ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
TT

ارتفاع مؤشر نشاط الأعمال الأميركي لأعلى مستوى خلال 31 شهراً

يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)
يتجه المتسوقون إلى المتاجر في «وودبيري كومون بريميوم أوتليتس» في سنترال فالي، نيويورك (رويترز)

ارتفع مؤشر نشاط الأعمال في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى خلال 31 شهراً في نوفمبر (تشرين الثاني)، مدعوماً بالتوقعات بانخفاض أسعار الفائدة وتطبيق سياسات أكثر ملاءمة للأعمال من إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب في العام المقبل.

وقالت «ستاندرد آند بورز غلوبال»، يوم الجمعة، إن القراءة الأولية لمؤشر مديري المشتريات المركب في الولايات المتحدة، الذي يتتبع قطاعي التصنيع والخدمات، ارتفعت إلى 55.3 هذا الشهر. وكان هذا أعلى مستوى منذ أبريل (نيسان) 2022، مقارنة بـ54.1 نقطة في أكتوبر (تشرين الأول)، وفق «رويترز».

ويشير الرقم الذي يتجاوز 50 إلى التوسع في القطاع الخاص. ويعني هذا الرقم أن النمو الاقتصادي ربما تسارع في الربع الرابع. ومع ذلك، تشير البيانات الاقتصادية «الصعبة» مثل مبيعات التجزئة إلى أن الاقتصاد حافظ على وتيرة نمو قوية هذا الربع، مع استمرار ضعف في قطاع الإسكان وتصنيع ضعيف.

ونما الاقتصاد بمعدل نمو سنوي قدره 2.8 في المائة في الربع من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول). ويقدّر الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا حالياً أن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع سيرتفع بمعدل 2.6 في المائة.

وقال كبير خبراء الاقتصاد في شركة «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس»، كريس ويليامسون: «يشير مؤشر مديري المشتريات الأولي إلى تسارع النمو الاقتصادي في الربع الرابع. وقد أدت التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة والإدارة الأكثر ملاءمة للأعمال إلى تعزيز التفاؤل، مما ساعد على دفع الإنتاج وتدفقات الطلبات إلى الارتفاع في نوفمبر».

وكان قطاع الخدمات مسؤولاً عن معظم الارتفاع في مؤشر مديري المشتريات، على الرغم من توقف التراجع في قطاع التصنيع.

وارتفع مقياس المسح للطلبات الجديدة التي تلقتها الشركات الخاصة إلى 54.9 نقطة من 52.8 نقطة في أكتوبر. كما تباطأت زيادات الأسعار بشكل أكبر، إذ انخفض مقياس متوسط ​​الأسعار التي تدفعها الشركات مقابل مستلزمات الإنتاج إلى 56.7 من 58.2 في الشهر الماضي.

كما أن الشركات لم تدفع لزيادة الأسعار بشكل كبير في ظل ازدياد مقاومة المستهلكين.

وانخفض مقياس الأسعار التي فرضتها الشركات على سلعها وخدماتها إلى 50.8، وهو أدنى مستوى منذ مايو (أيار) 2020، من 52.1 في أكتوبر.

ويعطي هذا الأمل في أن يستأنف التضخم اتجاهه التنازلي بعد تعثر التقدم في الأشهر الأخيرة، وهو ما قد يسمح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة خفض أسعار الفائدة. وبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي دورة تخفيف السياسة النقدية في سبتمبر (أيلول) بخفض غير عادي بلغ نصف نقطة مئوية في أسعار الفائدة.

وأجرى بنك الاحتياطي الفيدرالي خفضاً آخر بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، وخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نطاق يتراوح بين 4.50 و4.75 في المائة.

ومع ذلك، أظهرت الشركات تردداً في زيادة قوى العمل رغم أنها الأكثر تفاؤلاً في سنتين ونصف السنة.

وظل مقياس التوظيف في المسح دون تغيير تقريباً عند 49. وواصل التوظيف في قطاع الخدمات التراجع، لكن قطاع التصنيع تعافى.

وارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي السريع إلى 48.8 من 48.5 في الشهر السابق. وجاءت النتائج متوافقة مع توقعات الاقتصاديين. وارتفع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات إلى 57 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ مارس (آذار) 2022، مقارنة بـ55 نقطة في أكتوبر، وهذا يفوق بكثير توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى قراءة تبلغ 55.2.