اجتماع أميركي ـ إسرائيلي يناقش التقييمات الاستخباراتية لقدرات إيران النووية

واشنطن تدرس طرقاً أخرى إذا فشلت الدبلوماسية مع طهران

محطة بوشهر النووية الإيرانية (فارس)
محطة بوشهر النووية الإيرانية (فارس)
TT

اجتماع أميركي ـ إسرائيلي يناقش التقييمات الاستخباراتية لقدرات إيران النووية

محطة بوشهر النووية الإيرانية (فارس)
محطة بوشهر النووية الإيرانية (فارس)

تعهدت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، ببحث طرق أخرى للتعامل مع الملف النووي الإيراني، إذا فشل المسار الدبلوماسي والمحادثات غير المباشرة بين طهران والقوى العالمية في فيينا، بعد قلق أميركي وإسرائيلي من تطوير طهران قدراتها لجمع ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلة نووية، وتقليص المدى الزمني لحصولها على القنبلة النووية إلى بضعة أشهر.
وكان الملف النووي الإيراني أبرز الملفات التي ناقشها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان مع نظيره الإسرائيلي إيال هولتا في البيت الأبيض أمس (الثلاثاء)، خلال الاجتماع الأول للمنتدى الثنائي الذي تم إنشاؤه لمواجهة التهديد النووي الإيراني.
ووفقاً لمسؤولي البيت الأبيض، شهد الاجتماع نقاشات حول أفضل الطرق لوضع حد لتخصيب اليورانيوم، ووضع قيود على المخزونات التي تمتلكها إيران من اليورانيوم المخصب، ومناقشة تقييم استخباراتي من الجانبين حول مدى تقدم البرنامج النووي، وأين يتجه، وما نوع علامات الاختراق التي ستكون مثيرة للقلق، والجداول الزمنية. وقال مسؤول أميركي كبير: «سيكون من الصعب للغاية إيقاف المسار الإيراني إذا كانت طهران على عتبه الاختراق».
وعقد سوليفان وهولتا جلسة منفصلة لمناقشة القضايا الأخرى المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والمساعدة الأمنية الأميركية لإسرائيل، إلى جانب تعزيز وتوسيع اتفاقيات إبراهيم.
وشهد اللقاء بين سوليفان وهولتا اجتماع المجموعة الاستشارية الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل (SRG)، وهو منتدى ثنائي مشترك بين الوكالات تم إنشاؤه في مارس (آذار) لمناقشة إيران، وقضايا أمنية إقليمية أخرى، ويضم ممثلين عن الأوساط العسكرية والدبلوماسية والاستخباراتية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. وأتاح اللقاء -وفق مسؤولين- تبادل معلومات استخباراتية حول البرنامج النووي الإيراني للتوافق على تقييم لمدى تطور البرنامج.
وقال مسؤول أميركي كبير للصحافيين، مساء الاثنين، إن المنتدى عقد اجتماعات عدة مرات في الأشهر الأخيرة، لكن جلسة الثلاثاء الصباحية هي المرة الأولى التي يُعقد فيها شخصياً، ويأتي في أعقاب نقاشات الرئيس بايدن ورئيس الوزراء نفتالي بينت في أواخر أغسطس (آب) في البيت الأبيض. وخلال النقاشات، أكد بايدن لبينت أنه لن يسمح لإيران أبداً بامتلاك سلاح نووي، وأنه بينما تواصل إدارته الجهود الدبلوماسية للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن الإدارة الأميركية ستكون مستعدة لبحث طرق أخرى، إذا فشلت الدبلوماسية. وقال المسؤول الأميركي للصحافيين: «ما زلنا نعتقد بقوة أن الطريق الدبلوماسي يظل أفضل طريق لحل هذه القضية. ومنذ دخولنا، لم نرفع أي عقوبات؛ لن ندفع مقدماً، وقد أوضحنا ذلك تماماً».
وأضاف المسؤول: «لقد انخرطنا في اتصالات منتظمة مع إدارة بينت بشأن التهديدات الكثيرة التي تشكلها إيران، بما في ذلك برنامجها النووي، وأنشطتها الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وبرنامج الصواريخ الباليستية، ودعم الإرهاب، وشبكة الطائرات من دون طيار المدعومة من إيران». وتابع: «هناك قدر كبير من التوافق حول كيفية رؤيتنا للتحديات التي تمثلها إيران، وكيفية ضمان أننا نستخدم بشكل فعال مجموعة كاملة من الأدوات المتاحة لنا».
وعن الإجراءات التي تجري دراستها، وما إذا كانت تشمل خيارات عسكرية، قال المسؤول: «سنكون على استعداد لاتخاذ الإجراءات اللازمة».
وأضاف أن إيران «ترسل إشارات إلى عدد من الأطراف بأنها تستعد للعودة إلى فيينا»، حيث أجرت الولايات المتحدة وإيران محادثات غير مباشرة في وقت سابق هذا العام، لكنها توقفت. وأوضح: «لقد قمنا بجهود دبلوماسية بقيادة روب مالي، ونعتقد أننا شاركنا بشكل بناء بشأن الشكل الذي ستبدو عليه العودة إلى الامتثال من جانبنا، وحددنا أيضاً كيف ستبدو العودة إلى الامتثال من جانب إيران، ونعتقد أن العبء الآن يقع على عاتق الإيرانيين»
- تل أبيب
وفي تل أبيب، قالت مصادر إن الجانب الإسرائيلي يحمل ملفاً يحتوي على معلومات مستحدثة عن تقدم المشروع النووي، ورزمة اقتراحات حول الخطة التي ينبغي اتباعها، في حال فشل الجهود الدبلوماسية.
وأكدت المصادر أن أحد الأمور التي سيقولها رئيس وأعضاء الوفد الإسرائيلي لمضيفيهم أن ثمة حاجة ملحة لتنفيذ خطوات حازمة علنية ضد طهران، وأنه «من دون خطوات كهذه، لا يوجد أي احتمال للأميركيين لإملاء تنازلات في المحادثات النووية على الإيرانيين».
وكان مسؤول أميركي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، قد صرح في مقابلة هاتفية مع الصحافيين، بأن واشنطن ستبلغ الوفد الإسرائيلي بأنها «تأمل أن تتمكن من العودة إلى فيينا بسرعة إلى حد ما، حتى ترى نوايا الوفد الإيراني»، وأن «واشنطن ملتزمة بالدبلوماسية مع إيران فيما يتعلق بالمفاوضات النووية، لكنها ستسلك سبلاً أخرى، إذا فشلت هذه المحادثات».
وأفاد مسؤول أميركي آخر، فإن واشنطن تشعر بالقلق بشكل خاص من تكديس إيران لليورانيوم المخصب. وفي إشارة إلى الوقت الذي ستستغرقه نظرياً طهران للحصول على المواد اللازمة لصنع قنبلة نووية، قدّر أن تكون تلك الفترة تقلصت بشكل كبير من «اثني عشر شهراً إلى بضعة أشهر فقط، وهو أمر مقلق جداً».
وأضاف المسؤول الأميركي أن الولايات المتحدة ما زالت تعطي فرصاً للدبلوماسية في تعاطيها مع إيران، إلا أن هذا الأمر لن يطول، وستبحث إدارته أيضاً خطة بديلة عن الدبلوماسية الهادئة، في حال فشل التوصل إلى اتفاق.
وعد الإسرائيليون هذه التصريحات التي صدرت عشية لقاء سوليفان مع نظيره الإسرائيلي هولتا رسالة ذات دلالة تؤكد صحة قرار الحكومة الإسرائيلية الجديدة، بقيادة نفتالي بنيت، تغيير التوجه الإسرائيلي الذي قاده رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والتنسيق مع البيت الأبيض، بدلاً من المواجهة ضده.
يذكر أن أوساطاً إسرائيلية قد دعت الحكومة الإسرائيلية إلى تعلم الدروس من السياسة الأميركية المتعقلة التي لا تغلق باب الدبلوماسية. ونقل المحلل العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عن هذه الأوساط، أمس، انتقاداً للحكومة والقيادات العسكرية على ما تسمعه من تهديدات لإيران من دون فتح أي باب للحوار.
وقال إن «التصريحات الإسرائيلية المتكررة حول هجمات ضد أهداف إيرانية، والتباهي بها، تستدرج إيران إلى تنفيذ هجمات مضادة ضد أهداف إسرائيلية. وقد برزت هذه التهديدات، أمس وأول من أمس، على خلفية الادعاءات بأن إيران تحاول اغتيال رجال أعمال إسرائيليين في قبرص.
وكتب هرئيل أن «السلوك الإسرائيلي يقود إلى دفع خطط انتقامية إيرانية. وبالإمكان تبرير جزء كبير من الخطوات الهجومية الإسرائيلية، في محاولة لعرقلة تقدم البرنامج النووي، وتقليص المساعدات الإيرانية لأنشطة إرهابية في أنحاء المنطقة، ولكن ما الحاجة إلى التباهي بهذه الأفعال (الإسرائيلية) في أي مناسبة إلى درجة الاستفزاز المتعمد لإيران؟ وما الحكمة في النشر عن استهداف ناقلات النفط الإيرانية أو التسريبات المتكررة حول تفاصيل عمليات ضد البرنامج النووي؟».
ورأى أن «طوفان التقارير هذا يكاد يرغم إيران على الرد، ومشكلة إسرائيل هي عدم وجود أي طريقة لنشر مظلة حماية على جميع الأهداف الإسرائيلية، ولو جزئياً، في خارج البلاد، من السفن حتى رجال الأعمال».
وعد هرئيل أن هذه التصريحات بمثابة «ثرثرة إسرائيلية باتت تقليدية، فبدأت في عهد بنيامين نتنياهو، ولكن خلفه، رئيس الحكومة نفتالي بنيت، لا يتورع عن تكرارها»، وحذر من أن «الخطوات الإسرائيلية تواجه رئيساً جديداً (صقرياً) في طهران، وليس صدفة أن حكومة إبراهيم رئيسي أعلنت في الأسبوع الماضي عن مناورة عسكرية كبيرة عند الحدود مع أذربيجان، يبدو أن غايتها ردع الأخيرة، على خلفية علاقاتها الوثيقة مع إسرائيل».


مقالات ذات صلة

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

الولايات المتحدة​ البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: لا نرى «أيّ سبب» لتعديل العقيدة النووية الأميركية

أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض اليوم الخميس أن الولايات المتحدة لا ترى «أيّ سبب» لتعديل عقيدتها النووية بعد ما قامت به روسيا في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن اجتمع مع الرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (ا.ف.ب)

بايدن وشي يحذران من «مخاطر» سيطرة الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية

أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس الصيني شي جين بينغ، على ضرورة الحفاظ على السيطرة البشرية على قرار استخدام الأسلحة النووية.

«الشرق الأوسط» (ليما)
شؤون إقليمية صورة التقطها قمر «بلانت لابس» لحفريات تحت جبل قرب منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم وسط إيران في 14 أبريل 2023 (أ.ب)

تقرير: إسرائيل دمّرت منشأة إيرانية سرية لأبحاث الأسلحة النووية

كشف موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم الجمعة، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين، أن إسرائيل نفذت هجوماً استهدف منشأة سرية إيرانية في منطقة بارشين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا جانب من التجارب الروسية على إطلاق صواريخ لمحاكاة رد نووي هائل (رويترز)

روسيا تُجري تجارب إطلاق صواريخ في محاكاة لرد على هجوم نووي

أجرت روسيا، الثلاثاء، تجارب إطلاق صواريخ على مسافات تصل إلى آلاف الأميال لمحاكاة رد نووي «هائل» على ضربة أولى للعدوّ.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
آسيا كيم جونغ أون يراقب إحدى التجارب الصاروخية (أرشيفية - رويترز)

هل يدفع الاستعراض النووي لزعيم كوريا الشمالية واشنطن لإعادة حساباتها؟

هناك إجماع مزداد بين المتخصصين في السياسات بواشنطن، حول ضرورة أن تعيد الإدارة الأميركية المقبلة التفكير في أهدافها الأساسية بشأن كوريا الشمالية

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».