بعد التصعيد... ماكرون يسعى إلى التهدئة مع الجزائر

الرئيس الفرنسي طالب بخفض التوتر مع الجزائر (أ.ب)
الرئيس الفرنسي طالب بخفض التوتر مع الجزائر (أ.ب)
TT
20

بعد التصعيد... ماكرون يسعى إلى التهدئة مع الجزائر

الرئيس الفرنسي طالب بخفض التوتر مع الجزائر (أ.ب)
الرئيس الفرنسي طالب بخفض التوتر مع الجزائر (أ.ب)

السعي للتهدئة بعد التصعيد... هكذا يمكن توصيف العلاقات المتذبذبة بين باريس والجزائر، عقب التصريحات غير المسبوقة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم 30 من سبتمبر (أيلول) الماضي، التي أثارت غضباً رسمياً في الجزائر، واستدعاء السفير المعتمد في باريس، وقرار منع الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق في المجال الجوي الجزائري.
واغتنم ماكرون، أمس، فرصة حديث صحافي صباحي، بمناسبة يوم المرأة الأفغانية، لمحاولة خفض التصعيد المتواصل بين البلدين، لكن دون التراجع عن مضمون تصريحاته النارية السابقة. اللافت، حسب مصادر سياسية في باريس، أن المساعي التي بذلها ماكرون في الأشهر الماضية لمحاولة «تطبيع» العلاقات الفرنسية - الجزائرية، خصوصاً في ملف «تصالح الذاكرتين»، والمبادرات الرمزية التي قام بها، مثل إعادة جماجم مقاومين جزائريين، والاعتراف بأن القوات الفرنسية هي المسؤولة عن مقتل المحامي والمناضل علي بومنجل، وتبنيه العديد من المقترحات التي تضمنها تقرير المؤرخ بنجامين ستورا للتقريب بين الجانبين، قد تكون ذهبت سدى بعد تصريحاته الأخيرة.
كما حاول ماكرون، أمس، خلال حديثه إلى إذاعة «فرانس أنتير»، رأب الصدع أولاً مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الذي قال عنه إنه «رهينة نظام سياسي - عسكري»، وأعرب عن «ثقته» بالرئيس الجزائري قائلاً: «أكن احتراماً كبيراً للشعب الجزائري، وأقيم علاقات ودية حقيقية معه الرئيس تبون».
والإشارة إلى الاحترام الكبير للشعب الجزائري يراد منها محو تساؤلاته عن وجود «أمة جزائرية» عند قيام الاستعمار الفرنسي، الأمر الذي أثار غضب أطياف واسعة في الجزائر، بما فيها داخل أوساط «الحراك».
وبما أن «حرب الذاكرتين» ما زالت قائمة بين باريس والجزائر، وتجعل العلاقات بينهما بالغة الحساسية، فإن ماكرون دعا إلى الاعتراف بهما معاً، وليس بواحدة على حساب الأخرى، والعمل بشكل يتيح تعايشهما. ووفق مقاربته، فإن العمل الذي أنجزته اللجنة التي رأسها المؤرخ الفرنسي، والمقترحات التي قدمتها، كان يفترض أن تصب في هذا الاتجاه. إلا أن غياب «الاعتذار» وطلب «الصفح» عما ارتكبته فرنسا إبان الفترة الاستعمارية، التي دامت 132 عاماً، والتي يصفها الطرف الجزائري بـ«جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية»، جعلت الرد الجزائري الرسمي سلبياً؛ الأمر الذي يفسر اتهام ماكرون بأن التاريخ الرسمي الجزائري «أعيدت كتابته بالكامل»، وأنه «لا يستند إلى حقائق»، وأن النظام يعيش على «ريع الذاكرة». لكن الرئيس الفرنسي اعترف بأن هذه الإشكالية «ليست مسألة سياسية، بل هي في الأساس مشكلة فرنسية - فرنسية»، داعياً إلى مواصلة جهود التصالح «بكثير من التواضع والاحترام».
ثمة استحقاقان قادمان: الأول تحل ذكراه بعد عشرة أيام بمناسبة مرور ستة عقود على القمع الأعمى، الذي مارسته قوى الأمن الفرنسية يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1961 ضد متظاهرين جزائريين نزلوا إلى شوارع العاصمة، بناءً على دعوة من «جبهة التحرير الجزائرية»، وأوقع القمع عشرات الضحايا. والثاني ذكرى مرور 60 عاماً على انتهاء حرب الجزائر، وحصولها على الاستقلال، الذي تحل ذكراه العام المقبل. وكانت ثمة توقعات أن تكون المناسبتان فرصة لمزيد من التقارب بين الطرفين، سواء على صعيد «تصالح الذاكرتين» من خلال العمل على تنفيذ توصيات لجنة بنجامين ستورا، أو دفع علاقات البلدين إلى الأمام.
وحقيقة الأمر فإن علاقات الطرفين بالغة الحساسية، وتعاني منذ وقت ليس بالقصير من توترات، وليست ردة الفعل السلبية إزاء تقرير ستورا إلا إحدى محطاتها. ففي الأسابيع الأخيرة أثارت بادرة ماكرون طلب الصفح من «الحركيين» (مواطنون جزائريون قاتلوا إلى جانب الجيش الفرنسي إبان حرب الجزائر) ردود فعل سيئة. كما أن قرار الحكومة الفرنسية خفض التأشيرات للجزائريين بنسبة النصف، التي اعترف ماكرون لاحقاً بأنها للضغط على الطبقة الحاكمة في الجزائر، أثار تساؤلات كثيرة، واعتبر «غير مفهوم». ثم جاءت أخيراً تصريحات الرئيس الفرنسي لتصب الزيت على النار. وفهم في باريس أن نتائج الاجتماع، الذي عقده وزيرا الخارجية جان إيف لودريان ورمطان لعمامرة في نيويورك الشهر الماضي، كانت سلبية لأن الوزير الجزائري طالب بتسليم ناشطين يعيشون في فرنسا، كما دعا باريس إلى الوقوف على الحياد في النزاع القائم بين الجزائر والمغرب. يضاف إلى ذلك أن باريس فسرت بشكل سلبي قرار إنهاء عقود شركات فرنسية رئيسية في الجزائر.
من هنا، ثمة تساؤلات عن الأثر الذي ستتركه تصريحات ماكرون، وعما إذا كانت كافية لتهدئة روع شركاء فرنسا على الجانب الآخر من المتوسط. بيد أن اقتراب الاستحقاق الرئاسي ربيع العام المقبل، وتركيز اليمين المتطرف على مواضيع الهجرة والإسلام والإرهاب، من شأنها دفع ماكرون إلى التزام مواقف متشددة لمنع اتهامه بالضعف أو الليونة. وثمة من يربط قرار خفض التأشيرات بالاتهامات ضد الحكومة بأنها تعد ولا تفي، وأن السياسة التي تتبعها بخصوص الهجرات ضعيفة للغاية.



العليمي يدعو إلى نهج عالمي جماعي لدعم اليمن اقتصادياً وأمنياً

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيف فاجن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيف فاجن (سبأ)
TT
20

العليمي يدعو إلى نهج عالمي جماعي لدعم اليمن اقتصادياً وأمنياً

العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيف فاجن (سبأ)
العليمي استقبل في الرياض السفير الأميركي ستيف فاجن (سبأ)

أعرب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، عن تطلعه إلى شراكة أوسع مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات التي تواجهها بلاده، داعياً إلى نهج عالمي جماعي لدعم اليمن على الصعد الإنسانية والاقتصادية والأمنية.

تصريحات العليمي جاءت خلال استقباله في الرياض سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاجن، وذلك بعد أيام من دخول تصنيف الجماعة الحوثية «منظمة إرهابية أجنبية» حيز التنفيذ وفرض عقوبات أميركية جديدة على 7 من كبار قادتها، في مقدمهم المتحدث باسمها وزير خارجيتها الفعلي محمد عبد السلام.

وذكر الإعلام الرسمي أن اللقاء، الذي حضره عضو المجلس القيادي الرئاسي عثمان مجلي، بحث العلاقات اليمنية - الأميركية وآفاقها المستقبلية، وسبل تعزيزها على مختلف المستويات.

ونقلت وكالة «سبأ» الحكومية أن العليمي أكد الحاجة الملحة إلى نهج عالمي جماعي لدعم الحكومة في بلاده لمواجهة التحديات الاقتصادية، والخدمية، والإنسانية، وتعزيز قدراتها في مكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتأمين مياهها الإقليمية، بصفتها شريكاً وثيقاً لحماية الأمن والسلم الدوليين.

العليمي التزم بعدم تأثير تصنيف الحوثيين «إرهابيين» على العمل الإنساني (سبأ)
العليمي التزم بعدم تأثير تصنيف الحوثيين «إرهابيين» على العمل الإنساني (سبأ)

وتطرق اللقاء، وفق الوكالة، إلى مستجدات الوضع اليمني، ووجهات النظر إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفي المقدمة «خطر ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، وانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان».

وأشاد رئيس مجلس الحكم اليمني، خلال اللقاء، بـ«العلاقات الثنائية المتميزة بالولايات المتحدة، وتدخلات واشنطن الإنسانية والإنمائية، ودورها المشهود في اعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية المهربة للحوثيين».

شراكة أوسع

وطبقاً للمصادر الرسمية اليمنية، فقد أعرب العليمي عن تطلعه إلى شراكة ثنائية أوسع مع الولايات المتحدة لمواجهة التحديات، وردع التهديدات المزعزعة لأمن واستقرار اليمن والمنطقة.

ومع التنويه بقرار الإدارة الأميركية إعادة تصنيف الحوثيين «منظمة إرهابية أجنبية»، جدد العليمي الالتزام اليمني بالتعاون الوثيق مع المجتمع الدولي لتنفيذ القرار، والحد من تداعياته الإنسانية المحتملة على الفئات الاجتماعية الضعيفة.

وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أعاد منذ الأيام الأولى من رئاسته الثانية في يناير (كانون الثاني) الماضي تصنيف الحوثيين «منظمة إرهابية أجنبية»، قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ قبل أيام بالتوازي مع فرض عقوبات على 7 من قادة الجماعة.

ومن غير المعروف حتى الآن حجم الضرر الذي يمكن أن يتعرض له الحوثيون جراء هذا التصنيف، خصوصاً في ظل الدعوات الأممية إلى عدم تعريض المدنيين والقطاع الخاص في مناطق سيطرة الجماعة لأي أضرار، فضلاً عن عدم التأثير على العمل الإنساني الذي تقوده الوكالات الأممية.

ودائماً ما يقول مجلس القيادة الرئاسي اليمني إن الوسيلة المثلى لمواجهة الحوثيين وتأمين المياه اليمنية، هي دعم القوات الحكومية الشرعية لفرض سيطرتها على الأرض واستعادة الحديدة وموانئها.

مخاوف أممية

في ظل عدم وجود يقين بشأن مسار السلام المتعثر الذي يقوده المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، لم يُخفِ الأخير، في أحدث إحاطاته أمام مجلس الأمن، مخاوفه من انهيار التهدئة والعودة إلى مسار الحرب، خصوصاً مع أحداث التصعيد الميداني للجماعة الحوثية في جبهات مأرب والجوف وتعز.

وطبقاً لتقارير يمنية، فقد شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيداً حوثياً متسارعاً في جبهات مأرب، ومواجهات مع القوات الحكومية، بالتزامن مع دفع الجماعة المدعومة من إيران بحشود إضافية من مجنديها إلى جبهات المحافظة الغنية بالنفط.

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

وحذر المبعوث من الإجراءات التصعيدية، وقال: «شهدنا تصاعداً في الخطاب من أطراف الصراع، وهيّأوا أنفسهم علناً للمواجهة العسكرية. ويجب ألا نسمح بحدوث ذلك. الكلمات مهمة. النية مهمة. الإشارات مهمة. يمكن أن تكون للرسائل المختلطة والخطاب التصعيدي عواقب حقيقية؛ مما يعمق انعدام الثقة ويغذي التوترات في وقت يكون فيه خفض التصعيد أمراً بالغ الأهمية».

وعبر غروندبرغ عن قلقه إزاء القصف، والهجمات بالطائرات من دون طيار، ومحاولات التسلل، وحملات التعبئة، التي حدثت مؤخراً في مأرب، وكذلك في مناطق أخرى مثل الجوف وشبوة وتعز. في إشارة إلى تصعيد الحوثيين.

وقال المبعوث: «أكرر دعوتي الطرفين إلى الامتناع عن المواقف العسكرية والتدابير الانتقامية التي قد تخاطر بإغراق اليمن مرة أخرى في صراع واسع النطاق حيث سيدفع المدنيون الثمن مرة أخرى».