اعتقال عسكري أميركي في شيكاغو بشبهة محاولة الالتحاق بـ«داعش» في ليبيا

وثائق قضائية تؤكد أن الموقوف كان يعتزم السفر إلى درنة عبر مصر لمساعدة المتشددين بمهاراته

اعتقال عسكري أميركي في شيكاغو بشبهة محاولة الالتحاق بـ«داعش» في ليبيا
TT

اعتقال عسكري أميركي في شيكاغو بشبهة محاولة الالتحاق بـ«داعش» في ليبيا

اعتقال عسكري أميركي في شيكاغو بشبهة محاولة الالتحاق بـ«داعش» في ليبيا

اعتقلت السلطات الأميركية في ولاية إلينوي جنديًا من الحرس الوطني يشتبه في حاول السفر إلى ليبيا للقتال ضمن صفوف «داعش»، بالإضافة إلى محاولته مساعدة ابن عمه في التخطيط لهجوم على قاعدة عسكرية أميركية، حسبما ذكرت وزارة العدل.
ويعتقد أن هذه أول قضية يعتقل فيها أميركي بتهمة محاولة الانضمام لـ«داعش» في دولة غير سوريا كما تظهر التحديات الناشئة التي تواجهها السلطات الغربية إزاء توسيع «داعش» لقبضته في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
تعتقد السلطات أن الجندي المتخصص، حسن إدموندز (22 عاما) من أورورا في ولاية إلينوي، خطط لاستخدام مهاراته العسكرية لمساعدة «داعش» في ليبيا، حسبما ذكرت وثائق المحكمة. واعتقل حسن يوم الأربعاء في مطار ميدواي بمدينة شيكاغو أثناء محاولته الصعود على متن طائرة.
ووجهت السلطات اتهامات لابن عم العسكري، جوناس إم إدموندز (29 عاما)، وهو أيضا من أورورا، للاشتباه في تخطيطه لهجوم على قاعدة عسكرية في شمال إلينوي، حيث كان يتدرب حسن إدموندز من قبل.
كان جوناس إدموندز، الذي قالت السلطات، إن لديه سوابق إجرامية تجعل من الصعب عليه السفر بالطائرة، خطط لاستخدام الزي الرسمي الخاص بابن عمه و«معلومات أمده بها ابن عمه عن كيفية دخول القاعدة العسكرية واستهداف الضباط فيها».
ووجهت وزارة العدل الأميركية، منذ 2013، اتهامات أو أوامر اعتقال بحق نحو 30 شخصًا في الولايات المتحدة على خلفية محاولة دعم أو الانضمام إلى «داعش» في العراق أو سوريا. كان المتهمون، في معظم هذه القضايا، يخططون للسفر أولاً إلى تركيا ثم عبور حدودها التي يسهل اختراقها إلى سوريا. وفي محاولة منها لإثنائهم عن القيام بذلك، اتخذت الشرطة الأميركية والمسؤولون العسكريون عدة إجراءات لمراقبة الأميركيين المسافرين إلى تركيا، كما دعت السلطات الأميركية الحكومة التركية إلى تشديد الإجراءات الأمنية على حدودها.
لكن في هذه القضية، قرر حسن إدموندز السفر إلى مصر ثم عبور حدودها إلى مدينة درنة على الساحل الليبي، حسبما ذكرت وزارة العدل. وتقع درنة على ساحل البحر المتوسط في منتصف المسافة بين بنغازي والحدود المصرية وتعد معقلاً للميليشيات المتشددة التي تضم المئات من المقاتلين الذين أعلنوا مبايعتهم «داعش».
وكشفت الوثائق التي عثرت عليها القوات الأميركية أثناء احتلالها للعراق أن عدد المتشددين القادمين من درنة للانضمام لصفوف المقاتلين ضد القوات الأميركية أكبر من أي مدينة أخرى. وتمكن تنظيم داعش من تحقيق تقدم كبير في ليبيا في الأشهر الأخيرة؛ ففي فبراير (شباط) الماضي، قامت جماعة موالية لـ«داعش» في مدينة سرت بقطع رؤوس 21 مصريًا من الأقباط. وأشارت شهادة خطية قدمتها السلطات إلى أن حسن إدموندز لم يكن على اتصال مباشر بالمسلحين في درنة، بل كان يتواصل بصورة مباشرة مع عميل سري تابع للمباحث الفيدرالية ادعى أنه لديه صلات مع «داعش». وبعد مناقشات طويلة مع العميل السري، اشترى حسن إدموندز تذكرة ذهاب وإياب إلى مصر.
وحسبما ذكر في الشهادة الخطية، قال حسن إدموندز لعميل المباحث الفيدرالية: «لقد اشتريت التذاكر ووضعت ثقتي في الله، ليس أمامي الآن سوى المضي قدمًا، سأكون بخير سواء كنت في مصر أو الشام أو ليبيا، أقول هذا بكل صراحة، فأنا أريد تلبية النداء فقط».
وذكر حسن إدموندز أنه خطط للسفر عبر سيناء المصرية، كما ذكر أنه تدرب في الجيش الأميركي، لكنه لم يشارك في مهمات قتالية، إلا أن المشكلة الوحيدة، حسبما ذكر للعميل السري، هي عدم تحدثه اللغة العربية بطلاقة، وفي إجابته عن سؤال وجهه العميل السري، قال حسن إدموندز أنه سيصطحب معه الكتيبات الإرشادية للجيش الأميركي لتدريب المقاتلين في ليبيا. وقال حسن إدموندز للعميل السري «هدفي الأساسي كان القتال فقط، لا أمانع في تدريب الإخوة، ولكن طلبي الوحيد هو أن يسمح لي بالقتال حتى اكتسب الخبرة القتالية الكافية (قبل أن أقوم على عملية التدريب)».
وأقرت المباحث الفيدرالية حسبما ذكرت وثائق المحكمة، أن هناك قلقًا يساورها مؤخرًا من محاولة انضمام الأميركيين إلى داعش خارج سوريا والعراق. وحسبما ذكر عميل فيدرالي في الشهادة المقدمة للمحكمة فإنه «لتجنب التشديدات من جانب السلطات الأمنية على المسار التقليدي للسفر إلى سوريا عبر تركيا، سافر المقاتلون الأجانب من الدول الغربية إلى أماكن في مصر ومنها إلى سوريا للانضمام إلى (داعش)».
ومنذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2011، تعتمد المباحث الفيدرالية الأميركية غالبًا في تحقيقاتها لمكافحة الإرهاب على معلومات تم الحصول عليها من عملاء سريين يتظاهرون بأنهم إرهابيون، وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب تعرض لانتقادات من ناشطين في مجال الحريات المدنية، إلا أن جميع دعاوى «الوقوع في شرك» تم رفضها من قبل المحاكم الأميركية.
وقدمت السلطات وصفًا تفصيليًا يوضح كيفية تمكن العميل السري من عقد صداقة مع حسن إدموندز؛ ففي العام الماضي، أرسل العميل السري طلب صداقة على «فيسبوك» لحسن الذي قام ولأسباب لم يتم ذكرها، بإبلاغ العميل بنيته في السفر للخارج. سأل العميل السري حسن ما إذا كان سيسافر إلى تركيا أو مصر لدراسة الإسلام فأجابه حسن: «كم أحب أن أدرس في جامعة إسلامية، لكن مهمتي الأولى هي أن أعمل عملاً يجزيني الله عليه في يوم الحساب». وأضاف حسن قائلاً: «الكفاح والجهاد في سبيل الله، أفضل عندي من القعود والتنعم بملذات الحياة».

* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.