شرم الشيخ ما بين «شهر العسل» ونيران السياسة

تستعد لاستقبال القمة العربية في لحظة مفصلية من تاريخ الأمة

الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي (يسار) ووزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحافي مشترك حول القمة بشرم الشيخ مساء أول من أمس (أ.ب)
الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي (يسار) ووزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحافي مشترك حول القمة بشرم الشيخ مساء أول من أمس (أ.ب)
TT

شرم الشيخ ما بين «شهر العسل» ونيران السياسة

الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي (يسار) ووزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحافي مشترك حول القمة بشرم الشيخ مساء أول من أمس (أ.ب)
الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي (يسار) ووزير الخارجية المصري سامح شكري في مؤتمر صحافي مشترك حول القمة بشرم الشيخ مساء أول من أمس (أ.ب)

بذاكرة سياحية مثقلة بالمؤتمرات العالمية وشظايا حرب استمرت لسنوات بين مصر وإسرائيل، وفضاء ساحلي رحب مفتوح على البحر والصحراء، يتجاور خطان بصورة لافتة في مدينة شرم الشيح، أهم منتجع سياحي في مصر على البحر الأحمر.. تشد العاطفة بفضائها الإنساني الرجراج الخط الأول، حيث لا تزال المدينة تشكل مهوى حميما للعشاق، وعشهم المفضل لقضاء شهر العسل، بينما تشد السياسة بكواليسها وفصولها المجهدة الخط الثاني، لكن المدينة الملقبة بـ«مدينة السلام» واختارتها منظمة اليونيسكو ضمن أفضل 5 مدن على مستوى العالم، استطاعت بطبيعتها الساحرة أن تشكل نقطة التقاء بين الخطين، وأن تكون بمثابة مسرح مفتوح، واستراحة محارب لكليهما، لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأمور، حتى لا ينحرف النص عاطفيا وسياسيا عن مساره الطبيعي المأمول.
ورغم الهاجس الأمني المكثف في محاربة الإرهاب، وارتفاع وتيرته بقوة خاصة في شمال سيناء، فإن شرم الشيخ شقيقتها الجنوبية انتصرت مؤخرا على قوى الشر والإرهاب في واقعة المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل» الذي برزت فيه مصر بثوب قشيب يليق بتاريخها وتراثها الحضاري العريق.
وأجمع سياسيون على أن نجاح هذا المؤتمر جاء على المستويين الاقتصادي والسياسي، بشكل منقطع النظير، أثبت ثقة العالم كله في مكانة مصر وأهميتها وقدرات شعبها وحكومتها ورئيسها. وبلغ عدد المشاركين في أعمال المؤتمر نحو مائة دولة 2500 مستثمر بحضور 30 رئيسا وملكا وأميرا، ليبعث الجميع برسالة لا تخطئها العين بأن مصر قادمة لا محالة.
في ظل هذا النجاح تجملت «مدينة السلام» لاستقبال القمة العربية في دورتها السادسة والعشرين، التي تحظى مصر برئاستها، ويترقب العالم العربي هذه القمة وما ستسفر عنه بفارغ الصبر، خاصة أنها تنعقد في لحظة تاريخية فارقة، بعد أن أصبحت الكثير من الدول العربية على شفا الانهيار، جراء التمزق والحروب الداخلية الطاحنة التي تقودها جماعات إرهابية منظمة ومدعومة من قوى خارجية.
وتبدو لافتة في شوارع المدينة وساحاتها، مطارها والطرق الموصلة إليها، ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﻨﻔﺎﺭ ﺍﻷﻣﻨﻲ ﺍﻟﻤﻜﺜﻒ لتأمين هذه القمة وأنها ﺃﻭﻝ ﻗﻤﺔ تستضيفها ﻣﺼﺮ بعد ﺛﻮﺭﺗﻲ 25 ﻳﻨﺎﻳﺮ (كانون الثاني) 2011 ﻭ30 يونيو (حزيران) 2013.
ويستبشر أهالي شرم الشيخ والعاملون بها، خاصة أصحاب المحال والبازارات والمقاهي، بانعقاد القمة، فكما يقول «إبراهيم» أثناء توجهه لركوب الطائرة من مطار القاهرة: «أنا أعمل في شرم، وكنت في إجازة قصيرة مع أهلي بالقاهرة، في رأيي أن انعقاد القمة في شرم، هو بمثابة رسالة طمأنينة على استقرار الأوضاع بالمدينة، ويؤثر بالإيجاب على حركة السياحة الوافدة إليها، وبالطبع ينعكس علينا، حيث تشهد المحال والمناطق التجارية رواجا ملحوظا، حدث هذا أيام انعقاد المؤتمر الاقتصادي».
وحول ما يتمناه إبراهيم من القمة، وهو شاب في الثلاثينات وصاحب بازار لبيع العاديات وقطع الإكسسوار والملابس الشعبية، يقول: «أنا متابع لشؤون السياسة، وأبكي كثيرا على الأوضاع الحاصلة في سوريا والعراق واليمن وليبيا.. لابد من حل عربي، الغرب لا يساعدنا لوجه الله.. استقرارنا بأيدينا نحن أولا وأخيرا، لذلك أتمنى من هذه القمة أن تبدأ فورا في تكوين قوة ردع عربية، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك».
الأمر نفسه يؤكده سمير وسحر، وهما عروسان شابان من الإسكندرية، كانا يتأهبان للسفر إلى شرم الشيخ لقضاء «أسبوع عسل»، حسب قولهما، تقول سحر: «شكلنا أصبح كالحا في العالم، ما يحدث أكبر إساءة للإسلام في تاريخه».. ويضيف سمير: «لابد من حل عربي، لا يمكن السكوت على المجازر والدماء التي تسال في بلداننا العربية».
وبرزت شرم الشيخ أو «شرم» كما يختصرها المصريون، بوصفها محطة مهمة في زيارات الكثير من الشخصيات العالمية، في السياسة وعالم الفن والتجارة. وشهدت الكثير من المؤتمرات العالمية المؤثرة، من أبرزها قمة السلام عام 1996 التي حضرها قادة نحو 70 دولة ومنظمة دولية، بينهم رؤساء مصر والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والسلطة الفلسطينية، ورؤساء وزراء ألمانيا وكندا واليابان وإسبانيا وإيطاليا وإسرائيل وملوك المغرب والأردن والسعودية وأمراء البحرين والكويت، والأمين العام للأمم المتحدة.
كما استضافت شرم الشيخ في سبتمبر (أيلول) عام 2000 الملتقى الاستراتيجي لمنظمة التجارة العالمية، ومؤتمر الدول المانحة عقد في الخامس من فبراير (شباط) عام 2002، والقمة العربية العادية الخامسة عشرة في شرم الشيخ في مارس (آذار) 2003، والقمة العربية - الأميركية في الثالث من يونيو (حزيران) عام 2003، وناقشت القمة عملية السلام في الشرق الأوسط والموقف في العراق وكذلك محاربة الإرهاب.
وتتميز شرم الشيخ (نحو 600 كلم من القاهرة) بكونها مدينة سياحية من طراز رفيع، إذ تضم منتجعات سياحية متنوعة ترتادها الأفواج السياحية من أنحاء العالم. وتشتهر برياضة الغوص، فهي أحد 3 مواقع غوص في مصر معروفة عالميا، إضافة إلى رحلات السفاري في الصحراء مع بدو سيناء.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.