برنامج «كان» سري حتى 17 أبريل

أفلام من الشرق والغرب وما بينهما تتنافس على دخول المسابقة

من الفيلم الفلسطيني «مرمى الهدف»
من الفيلم الفلسطيني «مرمى الهدف»
TT

برنامج «كان» سري حتى 17 أبريل

من الفيلم الفلسطيني «مرمى الهدف»
من الفيلم الفلسطيني «مرمى الهدف»

لا توجد «بلورة سحرية» لدى أحد ولا المهرجان كشف أوراقه السريّـة قبل الأوان. لكن هذا لا يمنع أن يبدأ المرء البحث عن تلك الإنتاجات الكبيرة الجديدة التي من المحتمل جدّا أن يحسب مهرجان «كان» السينمائي (ينطلق في 13 من الشهر المقبل) حسابها ويبرمجها للعرض رسميا داخل المسابقة أو خارجها.
بالتالي، هي ليست عملية تخمين وضرب ودع، بل مهمّـة غير مستحيلة إذا ما نظر المرء حوله متابعا ما أمضى المخرجون المعروفون الأشهر الماضية فيه، وفي أي مرحلة أصبحت أعمالهم الأخيرة. هل باتت جاهزة؟ هل أرسلوها إلى المهرجان الفرنسي مباشرة أو عبر شركات إنتاجاتهم؟ وما هي احتمالات دخولها المسابقة الرسمية أو ربما البقاء في أحد البرامج الموازية؟
يساعد على ذلك أن نقطة الانطلاق تبدأ من متابعة أولئك المخرجين الذين باتوا، منذ سنوات، زبائن «كان» الدائمين. ليسوا كلهم زبائن مخلصين (اختار ترنس مالك مثلا التوجه هذه السنة بفيلمه البديع «فارس الكؤوس» إلى برلين)، لكن معظمهم يعود كلما أنجز فيلما جديدا كحال عبد اللطيف كشيش وجان - بول رابينيو وترنس ديفيز وغس فان سانت وآخرين كثيرين.
الإعلان الرسمي لأفلام الدورة الثامنة والستين سيتم في 16 من أبريل (نيسان) المقبل.

همهمات عربية
ذكر اسم المخرج التونسي الأصل عبد اللطيف كشيش هنا ليس مثالا فقط. لقد انتهى من تصوير فيلم جديد هو الأول له منذ أن حقق السعفة الذهبية قبل عامين عندما قدّم فيلمه الساخن «اللون الأزرق أكثر دفئا». فيلمه الجديد عنوانه «الجرح» وصوّره في تونس من إنتاج فرنسي. وحسب الأنباء المتسرّبة عنه يتطرّق فيه المخرج إلى سنوات النضج الأولى في حياة بعض أبطاله، لا نقصد جيرار ديبارديو الذي يشترك في البطولة فقد اجتاز سن الرشد قبل عقود، لكن المخرج الذي أثار الكثير من اللغط حين عرض فيلمه السابق، كونه صوّر مشاهد مثلية بين بطلتيه بكثير من التفاصيل غير الضرورية، سيمحور عمله الجديد على بطلة واحدة، كما يقول مصدر من شركة «أورانج استوديو» في باريس.
هناك، قبل استكمال الاحتمالات المطروحة، أفلام قليلة مؤكدة تنتمي إلى العروض الخاصّـة التي يقدم عليها المهرجان لتعزيز لعبة الحل الوسط بين الجماهيري والفني؛ إذ كان المهرجان أعلن رسميا عن عزمه عرض «ماد ماكس: طريق الغضب» Mad Max‪:‬ Fury Road وهو الجزء الجديد (الرابع تحديدا) من سلسلة «ماد ماكس» التي أطلقها المخرج الأسترالي جورج ميلر في عام 1979 ثم توقّـف عنها سنة 1985 بعدما عُـرض «ماد ماكس: وراء ثندردوم» Mad Max Beyond Thunderdome بنجاح محدود.
«ماد ماكس» الجديد سيعرض خارج المسابقة في اليوم الأسبق لافتتاحه العالمي في كل من باريس وموسكو ومكسيكو سيتي وأثينا وبغداد أيضا، حسب تقرير، وفي الولايات المتحدة ودول أخرى في اليوم التالي لعرضه في «كان». وشركة وورنر سعيدة بذلك كونها تسعى من جانبها إلى بث حياة متعددة الشرائح لهذا الفيلم بحيث يمكن اعتماده بداية لسلسلة جديدة قد تمتد للسنوات الخمس المقبلة على الأقل.
هناك فيلم آخر مؤكد سيعرضه «كان» هذه الدورة هو «إنغريد برغمن - بكلماتها»، فيلم تسجيلي عن حياتها (1915-1982) وأعمالها (أولها دور عابر في Landskamp سنة 1932 وآخرها «سوناتا الخريف» Autumn Sonata لإنغمار برغمن سنة 1978). وكان المهرجان الفرنسي العتيد اختار الممثلة لملصقه لهذه الدورة ما أكّـد أنه سيقرن هذا الاختيار بعرض هذا الفيلم الذي قام بإخراجه السويدي ستيغ بيوركمان.

أي شيء لكاترين
ما يتردد بعد ذلك هو مجرد توقعات واحتمالات قويّـة هنا وعادية هناك. مجلة «سكرين إنترناشيونال» كشفت عن أن المهرجان ألغى عددا (ربما محدودا) من الأفلام التي كان تقرر قبولها داخل المسابقة كون البعض (ربما من بيوت صانعيها) سرّب أنباء عن أنها ستعرض في المسابقة أو خارجها. هذا طبعا احتمال قوي لأن المهرجان يصر على أن لا تتسرّب أي معلومات حول اختياراته قبل أن يعلنها بنفسه.
وفي الغربلة ما قبل الأخيرة تبدو احتمالات استقبال الفيلم الجديد للمخرج الفرنسي جان - بول رابينيو، وعنوانه «عائلات جميلة» (وسيحمل بالإنجليزية اسم «عائلات» فقط) الذي يقود بطولته ماثيو أمارليك. هناك من لا يستطيع تحمّـل أداء الممثل غير التلقائي، لكن هناك أكثر منهم من لا يزال يسأل نفسه عما إذا كانت أعمال رابينيو تستحق مستوى المهرجانات أساسا.
رابينيو سيجد نفسه، إذا ما دخل فيلمه العاطفي سباق السعفة الذهبية، مواجها - على الأغلب - لفيلم عاطفي آخر عنوانه، ببساطة «حب»، وهو سبق أن قدّم فيلمه السابق «صيف حار حارق» في مسابقة مهرجان فينيسيا سنة 2011 حيث استقبل بفتور.
وحكاية عاطفية أخرى نجدها في «سنواتي الذهبية» لأرنو دسبلاشين، ومع من؟ مع ماثيو أمارليك أيضا. وأحد الأفلام الفرنسية الساعية هو دراما اجتماعية للمخرجة إيمانويل بركو بعنوان «الوقوف بفخر». مهرجان كان، بقيادة تييري فريمو لم يعتد رفض فيلم من بطولة كاثرين دينوف، لكن إن فعل فلديه اختيارات نسائية أخرى.
هناك فيلم تشويقي من المخرجة أليس وينوكور عنوانه «مارلاند» الذي ربما حمل حتى وقت قريب اسم «حماية عن قرب» ودار حول رجل أمن فرنسي عليه حماية عائلة رجل أعمال لبناني انصرف إلى رحلة عمل وترك زوجته وطفله في عهدته. هل نشم رائحة فيلم «الحارس الشخصي» The Bodyguard الذي أخرجه الأميركي ميك جاكسون من بطولة كفن كوستنر و(الراحلة) وتني هيوستون سنة 1992؟ ربما.
حكايات لبنانية
على ذكر لبنان هناك احتمال كبير في ضم فيلم المخرجة اللبنانية دانيال عربيد «الخوف من لا شيء»، وهو يدور حول امرأة عربية (منال عيسى) تصل إلى باريس لأول مرّة محمّـلة بالظنون والهواجس وكيف أنها وجدت نفسها قادرة على التعايش مع محيطها الجديد رغم العوائق والظروف الصعبة.
والعالم العربي قد يتم تمثيله هذه المرة أكثر من سواه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار فيلمين أو 3 اتجهت إلى هناك ويتحدّث الوسط الفرنسي عن أن بعضها بات مؤكدا.
من فلسطين هناك فيلم من إخراج الجديدين محمد أبو ناصر وطارزان ناصر عنوانه «مرمى التدريب» (The Range) وتقع أحداثه في غزة حول مجموعة من النساء حوصرن في صالون للسيدات عندما بدأت الجولة الأخيرة من القتال بين القطاع وإسرائيل. الفيلم من بطولة عدة شخصيات أشهرها هيام عبّـاس التي تعيش في باريس منذ سنوات طويلة.
المغربي نبيل عيّـوش لديه فيلم جديد يبحث في موضوع «بنات الليل في مدينة مراكش»، كما يقول موقع IMDb. الفيلم عنوانه «منتهي الصلاحية» وإذا ما تم قبوله في المسابقة فستكون عودة السينما المغربية إلى هذا التتويج منذ أن فاز أورسن وَلز بالسعفة الذهبية عن فيلمه «تراجيديا عطيل» وكان ذلك سنة 1952. الفيلم شهد 3 جهات إنتاجية، إحداها مغربية وتم تقديمه آنذاك باسمها.
وكان تردد منذ حين أن المخرج الجزائري مرزاق علواش لديه حظ كبير في الانضمام إلى قافلة المتسابقين. جديده فيلم بعنوان «مدام كوراج» صوّره في المغرب حول لص صغير يتعلّـق بحبال الأمل عندما ينشد تغيير مهنته.
الجانب الإسرائيلي لا يجلس مكتوف الأيدي حيال كل ذلك.
قبل أيام تم الإعلان عن تعيين الممثلة والمخرجة رونيت إلكابتز رئيسة للجنة تحكيم «أسبوع النقاد» ليس لكونها ناقدة (فهي ليست كذلك) بل كونها سينمائية سبق لهذه التظاهرة أن قدّمت عددا من أفلامها مثل «كنزي» الذي شاركت بتمثيله ونال جائزة التظاهرة سنة 2004. وكان فيلمها الأخير «غت: محاكمة فيفيان أمسالم» عرض في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» في العام الماضي وتوجه من هناك ليدخل ترشيحات الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، ولو أن الجائزة ذهبت إلى فيلم بولندي «آيدا».
لكن هناك الأفلام أيضا وأحد المتبارين المحتملين فيلم كوميدي من إخراج درور شاوول عنوانه «أتوميك فلافل» وآخر مختلف، من حيث إنه أكثر جدية، بعنوان «كلمات لطيفة» وهو عن 3 أشقاء يقومون برحلة لمعرفة هوية والدهم الحقيقية. هذا الفيلم من إخراج شيمي زارهين. احتمالات هذين الفيلمين تبدو - الآن - ضعيفة، لكن الفيلم الثالث في المرمى هو «حول وضعنا الاقتصادي» الذي يبحث في بيئة مدينة حيفا وسكانها المختلطين.
في العام الماضي شهد المهرجان الفرنسي هجمة شملت 7 أفلام لم يكن من بينها ما استطاع دخول المسابقة، لكن العدد ضمن للدولة حضورا ملحوظا.
عودة أمير
بعيدا عن هنا، ثمة فيلم بريطاني- فرنسي مطروح عنوانه «ماكبث» (مأخوذ بالطبع عن الفيلم الأكثر استحضارا من أدب ويليام شكسبير). المخرج هو الأسترالي جوستين كورزيل لكن البطولة تتراوح ما بين الألماني مايكل فاسبيندر والفرنسية ماريون كوتيار والبريطاني ديفيد ثيوليس.
ومن بريطانيا قد يختار المهرجان فيلمين هذا العام تنصب الأضواء عليهما باكرا. أحدهما هو فيلم تود هاينز الجديد «كارول» عن رواية الكاتبة باتريشا هايسميث ومن بطولة كايت بلانشيت وروني مارا تقع أحداثه في نيويورك الخمسينات.
الفيلم الآخر هو «أغنية المغيب» للمخرج ترنس ديفيز الذي يعود به إلى مطلع القرن العشرين ومكان أحداثه الريف الاسكوتلندي. ديفيز كان قدّم في دورة المهرجان سنة 2008 فيلمه المتقن «حول الزمن والمدينة» الذي دارت أحداثه في مدينة ليفربول.
وإذا ما كان حظّـه سعيدا، فسيجد المخرج البولندي ييرزي سكولوموفسكي نفسه مدعوا للاشتراك في المسابقة بفيلمه الجديد «11 دقيقة». سكولوموفسكي كان حقق جل أعماله في بريطانيا التي نزح إليها شابا صغيرا (مع رهط من مخرجي أوروبا الشرقية في مطلع الستينات أمثال كارل رايز ورومان بولانسكي). في سنة 2010 أنجز فيلمه الأول له في بولندا، منذ سنوات هجرته، وقدّمه تحت عنوان «قتل ضروري» في مهرجان فينيسيا.
من زبائن «كان» الذين انقطعوا لكونه توقف عن الإخراج لبضع سنوات المخرج الصربي أمير كوستاريتزا الذي كان أنجز مجدا عندما ربح السعفة سنة 1985 عن «زمن الغجر» ثم ربحها ثانية عن فيلمه «تحت الأرض» (1995) ورشح لها عبر فيلمه «الحياة معجزة» (2004). خلال كل تلك السنوات عرض فيلما واحدا في مهرجان برلين المنافس هو «حلم أريزونا» (1992) الذي فاز بفضيّـته. هذه المرّة يعود، مبدأيا وإذا ما استطاع الانتهاء من مراحل ما بعد التصوير، بفيلم عنوانه «على طريق الحليب».
الحضور الروسي هو لزبون آخر لمهرجان «كان» هو ألكسندر سوخوروف والاحتمالات كبيرة بشأن فيلمه الروائي «فرانكوفونيا، اللوفر تحت الاحتلال الألماني».
المقابل الأميركي عادة ضعيف، لكن أقوى الاحتمالات هو عودة المخرج غس فان سانت إلى شاشة «كان» عبر فيلمه الجديد «بحر من الشجر» من بطولة ماثيو ماكونوفي وكن واتانابي. الفيلم مرشّـح. كذلك هناك حديث عن أن الفيلم الجديد لشون بن «الوجه الأخير» (من بطولة الإسباني خافيير باردام والأميركية تشارليز ثيرون) سيحضر المسابقة. من ناحيته هناك احتمال قوي لعرض فيلم وودي آلن الجديد «رجل غير منطقي» خارج المسابقة وهو من بطولة إيما ستون وواكين فينيكس.
كبش آيسلندي
وقد لا يستطيع «كان» تفويت فرصة المشاركة في النشاط الذي تشهده دول أميركا اللاتينية منذ سنوات خصوصا في الأرجنتين والمكسيك. من الأولى هناك «لا باتوتا» لسانتياغو ميتري و«العصبة» لبابلو ترابيرو ومن المكسيك «وحش بألف رأس» لرودريغو بلا و«مرض مزمن» لميكيل فرانكو، بطولة الأميركي تيم روث الذي كان انتهى قبل أشهر قليلة من إنتاج وبطولة فيلم مكسيكي - أميركي عنوانه «600 ميل» لغبريال ريبستين.
أهم ما أنتجته السينما الألمانية توجه إلى مهرجان برلين لكن هناك فيلم لمارن أدا عنوانه «توني إردمان»، لكن احتمالاته تبدو ضعيفة. الاحتمال الأقوى قليلا من المخرج الهولندي جوست فان جينكل الذي بعث بفيلمه الجديد «شقة الفردوس» إلى «كان» وينتظر الجواب. ومن بلجيكا بعث جاكو فان دورميل بفيلمه «شهادة جديدة» في حين يتقصّـى الآيسلنديان رونار رنارسون وغريمور هاكفونارسون آخر الأخبار. السينما الآيسلندية لا تنتج الكثير لكنها أنتجت لهذا العام فيلمين، والاثنان تم إرسالهما إلى لجنة الاختيار قبل أسابيع: فيلم رنارسون هو «عصافير» حول ابن مدينة يتم إرساله للعمل والعيش في بلدة صغيرة. رنارسون سبق أن اشترك بفيلمه الجيد «بركان» في تظاهرة «نصف شهر المخرجين» قبل 4 سنوات.
فيلم هاكونارسون بعنوان «أكباش» Rams الذي يدور أيضا في بيئة محدودة الدخل في الريف الآيسلندي. من الغرابة بمكان أن هاكونارسون كان مثل في فيلم رنارسون «بركان» ونال جائزة آيسلندية عن دوره في ذلك الفيلم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».