تحولات جينية في الأسماك استجابة للموجات البحرية الحارة

فريق دولي مع باحثي «كاوست» يكشف عن استجابات فريدة بين أسماك الشعاب المرجانية بسبب تغيّر المناخ

كان لأسماك الكاردينال النصيب الأدنى من عدد الجينات التي أبدت تعبيراً جينياً مختلفاً خلال موجة بحرية حارّة
كان لأسماك الكاردينال النصيب الأدنى من عدد الجينات التي أبدت تعبيراً جينياً مختلفاً خلال موجة بحرية حارّة
TT

تحولات جينية في الأسماك استجابة للموجات البحرية الحارة

كان لأسماك الكاردينال النصيب الأدنى من عدد الجينات التي أبدت تعبيراً جينياً مختلفاً خلال موجة بحرية حارّة
كان لأسماك الكاردينال النصيب الأدنى من عدد الجينات التي أبدت تعبيراً جينياً مختلفاً خلال موجة بحرية حارّة

إذا حالفك الحظ يوماً وزرت أستراليا، خاصة ساحلها الشمالي الشرقي، يمكنك مشاهدة إحدى أكثر المنظومات البيئية المعقدة والمتنوعة في العالم... إنه الحاجز المرجاني العظيم الذي يضم أكثر من 2900 من الشعاب المرجانية، و600 جزيرة قارية، و300 نوع من الشعاب المرجانية، وآلاف الأنواع الحيوانية، ما يعد أكبر الشعاب المرجانية في العالم.

الأسماك والحرارة

خلال إحدى الموجات الحارّة البحرية التي حلّت بأستراليا خلال صيف 2015 - 2016 تتبع العلماء كيفية استجابة الأسماك لموجات الحرارة البحرية الشديدة، وتم تحديد 5 أنواع من أسماك الحاجز المرجاني العظيم حيث رصدوا استجابات جينية مختلفة. وقد يساعد هذا الاكتشاف على التعمّق في فهم تأثيرات تغيّر المناخ على توزيع الأسماك البحرية في بيئاتها الأصلية.
يقول الدكتور مويسيس برنال، باحث ما بعد الدكتوراة لدى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) سابقاً، والأستاذ المساعد بجامعة أوبورن بالولايات المتحدة الأميركية حالياً: «لقد أجرى العلماء دراسات موسعة حول تأثيرات موجات الحرّ في الشعاب المرجانية، التي تتسم بالحساسية الشديدة لدرجات الحرارة، ويسهل ابيضاضها في ظروف الاحترار. وعكفت دراسات سابقة على قياس تأثيرات موجات الحر في الأسماك كأثر جانبي لابيضاض المرجان. إلا أن دراستنا استحدثت تطبيق تقنيات جزيئية لفهم الآليات التي تستخدمها أسماك مختلفة للتأقلم مع درجات الحرارة المرتفعة».
تعاون برنال مع زملاء دوليين وآخرين في «كاوست» لرصد تسلسل الحمض النووي الريبي RNA المأخوذ من أكباد عدد من أنواع الأسماك التي تستوطن الشعاب المرجانية بجزيرة ليزارد الأسترالية. وجمع الباحثون عيناتِ من الأسماك قبل الموجة الحارّة (في ديسمبر - كانون الأول 2015)، وخلالها (في فبراير - شباط، ومارس - آذار من العام 2016)، وفي أعقابها (في يوليو - تموز 2016). واستهدفوا معرفة الجينات التي نشطت في أوقات مختلفة إبّان الموجة الحارة لدى أنواع متباينة من الأسماك، إذ أخذوا عيّنات من نوعين ضمن عائلة أسماك الدامسل؛ وهي أسماك دامسل كرومس الشوكية «spiny chromis damselfish»، وأسماك دامسل الليمونية «lemon damselfish»، و3 أنواع من أسماك الكاردينال؛ وهي الكاردينال ذو الشرائط الصفراء «yellow - striped»، وكاردينال الخطوط الأربعة «fourlined cardinalfish»، وكاردينال الخطوط الخمسة «fivelined cardinalfish».
توضح الدكتورة سيليا شونتر، باحثة ما بعد الدكتوراة في «كاوست» سابقاً، التي تعمل حالياً لدى جامعة هونغ كونغ: «تبيّن لنا، على غير المتوقّع، أن جميع الأنواع قد أبدت استجابات مختلفة، إذ استخدمت جينات مختلفة للاستجابة لظروف الاحترار. ورغم ذلك، كان ثمّة تداخل في الوظائف التي تؤدّيها هذه الجينات».

استجابات جينية

على سبيل المثال، وجد الفريق أن أسماك دامسل كرومس الشوكية كان لها النصيب الأكبر من عدد الجينات التي أبدت تعبيراً جينياً مختلفاً (بلغ عددها 3000) في الفترات الزمنية الأربع المشمولة بالدراسة، بينما كان لأسماك الكاردينال ذات الخطوط الخمسة النصيب الأدنى من عدد هذه الجينات (إذ بلغ 992). ومع ذلك، نشَّطت الأنواع الخمسة مسارات جزيئية ترتبط بزيادة امتصاص الأكسجين، وسلسلة نقل الإلكترونات المُنتجة للطاقة في الخلايا، والاستجابات الخلوية للإجهاد.
والتعبير الجيني هو العملية التي يقود فيها جزيء الـDNA تركيب البروتين (أو في بعض الحالات تركيب جزيء الـRNA فقط). أي أنه عملية يتم من خلالها استخدام المعلومات من الجين في تخليق منتج جيني وظيفي يمكّن من إنتاج البروتين كمنتج نهائي، وتشكل هذه البروتينات وحدات بناء محتويات الخلايا، وكذلك الجسم كله. وتضيف سيليا: «ثمة نتيجة أخرى مُفاجئة تمثّلت في الفروق الكبيرة في الجينات التي نشطت خلال فبراير ومارس. وكان يفصل بين هاتين الفترتين الزمنيتين 4 أسابيع، إلا أنهما شهدتا درجات حرارة متماثلة. وهو ما يُرجّح أهمية شدّة الموجة الحرارية ومدّتها لتقييم استجابات الكائنات البحرية».
وتشير نتائج الدراسة إلى أن بعض الأنواع كانت أكثر حساسية لتغيّر المناخ من غيرها، فيما كانت أنواع أخرى أكثر مقاومة، ربما نتيجة للاختلافات على صعيد نطاقاتها الجغرافية وتاريخها التطوّري. ورغم ذلك، انطوت الدراسة على عدد من أوجه القصور، ولا سيّما افتقار الباحثين إلى مرجعية أساسية للتعبير الجيني بأكباد الأنواع الخمسة في سنوات سابقة. فضلاً عن أن الموجة الحارة قد أثّرت في توافر الغذاء الموسمي، وهو ما قد يؤثّر في التعبير الجيني. وقد تبحث دراسات لاحقة في كيفية تأثير موجات الحر المتكررة في سلامة الأسماك وتكيّفها على المدى الطويل من أجل معرفة الأنواع الأكثر حساسية، وتلك التي ستكون أكثر قدرة على تحمل تبعات ارتفاع درجة حرارة المحيطات.


مقالات ذات صلة

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

الخليج «منتدى حوكمة الإنترنت» التابع للأمم المتحدة تستضيفه السعودية بدءاً من اليوم الأحد وحتى 19 من الشهر الجاري (الشرق الأوسط)

من الرياض... مبادرة من 15 دولة لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت»

صادقت 15 دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الرقمي، على إطلاق مبادرة استراتيجية متعددة الأطراف لتعزيز «نزاهة المحتوى عبر الإنترنت».

غازي الحارثي (الرياض)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور
TT

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

«متلازمة ريت»... حدتها تختلف عند الإناث عن الذكور

كشفت دراسة حديثة أجراها معهد البحث الطبي في اضطرابات النمو العصبي بجامعة كاليفورنيا الأميركية، عن فروق مهمة في كيفية ظهور «متلازمة ريت» التي تكون عادة أثر شيوعاً في الإناث. ويميل الذكور المصابون بالمتلازمة إلى إظهار أعراض أكثر حدة تظهر في وقت مبكر من الحياة بسبب كروموسوم «إكس» X الأنثوي الوحيد لديهم. وفي العادة تمتلك الإناث كروموسومي «إكس».

«متلازمة ريت»

«متلازمة ريت» Rett syndrome اضطراب وراثي نادر يصيب الفتيات في المقام الأول، حيث تبدأ المتلازمة الناجمة عن طفرات في جين MECP2 على الكروموسوم «إكس» عادة بعد فترة من النمو الطبيعي في مرحلة الطفولة؛ ما يؤدي لاحقاً إلى أعراض مثل فقدان وظيفة اليد وصعوبات التنفس والنوبات وضعف كبير في الكلام والحركة والأكل.

ويحتاج الأطفال والبالغون المصابون بـ«متلازمة ريت» إلى المساعدة في أداء معظم المهام اليومية، مثل تناول الطعام والمشي واستخدام الحمَّام، ويمكن أن تكون هذه الرعاية المستمرة واضطراب النوم أمراً منهكاً ومسبباً للتوتر للعائلات، ويمكن أن تؤثر على صحة أفراد العائلة ورفاهيتهم. وفي الدراسة التي نُشرت في عدد 10 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 في مجلة Communications Biology، وأشرفت عليها جانين لاسال، الباحثة من قسم الأحياء الدقيقة الطبية والمناعة كلية الطب بالجامعة، فحص الباحثون نماذج الفئران الذكور والإناث لـ«متلازمة ريت».

وركَّزت الدراسة على كيفية تحول التعبير الجيني في خلايا المخ عبر ثلاث مراحل، هي: قبل ظهور الأعراض وعند ظهورها وفي المرض المتقدم، حللت التعبير الجيني في 14 نوعاً من خلايا الدماغ لفهم الاختلافات في كيفية تقدم المرض في كلا الجنسين. خلل تنظيم الجينات

وأظهرت الفئران الإناث «تأثيراً متأرجحاً» عند حدوث خلل في تنظيم الجينات، حيث حاولت الخلايا التي تعبّر عن الجين الطبيعي تعويض الخلايا التي تحتوي على الجين المتحور.

وهذا التوازن في التعبير الجيني ذهاباً وإياباً الذي يُرى بشكل أساسي في الخلايا العصبية في وقت مبكر أو مع تطور الأعراض في المراحل اللاحقة، يسلط الضوء على كيفية محاولة أدمغة الإناث للحفاظ على التوازن مع تقدم المرض، حيث يكون الاختلال أسوأ في المراحل المبكرة، لكنه يستقر بمرور الوقت.

كما أظهرت الدراسة أيضاً أن الفئران الإناث لديها عدد أكبر من الجينات غير المنظمة قبل ظهور الأعراض مقارنة بالوقت الذي تظهر فيه لاحقاً، حيث تحتوي خلايا الدماغ في الإناث المصابات بـ«متلازمة ريت» على نمط فسيفسائي من التعبير الجيني يعبّر نصف خلاياها عن جين MECP2 الطبيعي ويعبّر النصف الآخر عن الجين المتحور.وهذا يتناقض مع التوقعات بأن اختلال تنظيم الجينات يرتبط ارتباطاً مباشراً بشدة الأعراض؛ ما يشير إلى وجود عملية تنظيمية معقدة.

وأكدت جانين لاسال أن نماذج الفئران الأنثوية أكثر أهمية للبحوث البشرية؛ لأنها تعكس بشكل أفضل التعبير الفسيفسائي لجين MECP2 الموجود لدى الفتيات المصابات بـ«متلازمة ريت». ولا تلتقط الفئران الذكور التي تُستخدم غالباً في الأبحاث هذا التعقيد الفسيفسائي، حيث لا يمتلك الذكور سوى كروموسوم «إكس» واحد؛ ما يعني أن جميع خلاياهم تتأثر بطفرة الجين MECP2.

جين يرتبط بأمراض أخرى

وربط الباحثون أيضاً طفرة MECP2 بمسارات أخرى مثل تلك التي تشارك في مرض ألزهايمر والإدمان؛ وهو ما يشير إلى أن الطفرة قد يكون لها آثار أوسع نطاقاً تتجاوز «متلازمة ريت»، وقد تؤثر على حالات عصبية أخرى.