«تليغرام»... بين «الخصوصية» ومواجهة «الإنترنت المظلم»

شعار «تليغرام»
شعار «تليغرام»
TT

«تليغرام»... بين «الخصوصية» ومواجهة «الإنترنت المظلم»

شعار «تليغرام»
شعار «تليغرام»

سيطرت أخيراً مخاوف من تحول تطبيق التواصل الاجتماعي «تليغرام» إلى منصة بديلة لما يعرف بـ«الإنترنت المظلم» الذي يُنشر من خلاله «محتوى جُرمي» وفق القانون، كالمحتوى المتعلق بالجنس أو الإرهاب أو غيرها من الجرائم الإلكترونية. وبرزت هذه المخاوف في أعقاب نشر دراسة دولية أشارت إلى أن «تليغرام أصبح مكاناً مفضلاً لمجرمي الإنترنت»، وهو ما أثار تساؤلات الخبراء والمراقبين بشأن الحد الفاصل بين «الخصوصية» و«الأمان» في مواجهة «محتوى الإنترنت المظلم». وأشار بعض هؤلاء إلى أن «شعبية (تليغرام) نابعة من كونه تطبيقاً آمناً للمستخدمين يتعذّر تعقب المراسلات عليه. وربما يكون هذا الأمان هو السبب في إقبال منتجي المحتوى غير الملائم على هذا التطبيق. وحسب أحد الخبراء «من إيجابيات (تليغرام) أنه مكان يتحمّل مشاركة البيانات الضخمة، كما يتيسّر من خلاله تكوين مجموعات لنشر الأخبار».
الدراسة المُشار إليها أجرتها صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية بالتعاون مع «سايبرنت»، ونُشرت يوم 17 سبتمبر (أيلول) الماضي. وجاء فيها أن «تطبيق (تليغرام) أصبح ملإذا للإنترنت المظلم، ومركزاً لمجرمي الإنترنت الذين يتطلعون لبيع وشراء البيانات المسروقة والقرصنة». وأثبتت الدراسة «وجود شبكة ضخمة من مخترقي البيانات لديها قنوات تضم عشرات الآلاف من المشتركين على (تليغرام)، إضافة إلى نشر التطبيق محتوى شبيه بذلك الموجود في الإنترنت المظلم».
وهنا أوضح تال سامرا، محلل التهديدات الإلكترونية في «سايبرنت» أن «الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعاً بنسبة 100% في معدل استخدام مجرمي الإنترنت لتطبيق (تليغرام)، حيث تحظى خدمة الرسائل المشفّرة (المرمّزة) بشعبية كبيرة بين الجهات التي تمارس نشاطات ملائمة للإنترنت المظلم مثل بيع البيانات المسروقة».
من جهته، نبّه الإعلامي الكويتي ماضي الخميس، أمين عام «ملتقى الإعلاميين العرب» ومؤسس ورئيس الجمعية الكويتية للإعلام، إلى «استخدام تطبيق (تليغرام) في نشر محتوى غير لائق أو خطير، واستخدامه من جانب الجماعات الإرهابية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «(تليغرام)، كغيره من وسائل التواصل الاجتماعي له إيجابيات وسلبيات، ومن بين إيجابياته أنه مكان يتحمل مشاركة البيانات الضخمة، كما يمكن من خلاله تكوين مجموعات لنشر الأخبار، إضافةً إلى أنه تطبيق آمن، ورسائله مشفّرة لا يمكن تعقبها، ما يجعله جاذباً لكثير من السياسيين والذين يرغبون في حماية مراسلاتهم». وتابع لافتاً إلى أن «الميزة الأخيرة المتعلقة بالخصوصية جعلت، في المقابل، التطبيق ملاذاً أيضاً لمروّجي المحتوى الإرهابي، ومجموعات العلاقات غير المشروعة وغيرها من أنواع المحتوى الجرمي قانوناً أو غير الملائم للثقافة في المنطقة العربية».
وهنا يعلّق نافين ناير، مؤسس ومدير موقع «كاونتراد» الهندي، المتخصّص في مكافحة الإرهاب، أن «التطبيق يحظى بشعبية بين مروّجي الإرهاب نظراً لكونه يقدم خدمة الرسائل المشفرة من الجانبين والتي يستحيل تعقبها».
جدير بالذكر أن تطبيق «تليغرام» أُطلق عام 2013 على يد الأخوين نيكولاي وبافل دوروف، اللذين أسّسا من قبل شبكة تواصل اجتماعي في روسيا تدعى «في كي». إلا أنها ما لبثت أن تعرّضت لضغوط من جانب الحكومة الروسية، دفعت الأخوين دوروف إلى مغادرة روسيا، وتأسيس «تليغرام» في بريطانيا حيث مقرها الرسمي. وحسب دراسة أجراها معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) عام 2017، «ساهمت شعبية دوروف في سرعة انتشار التطبيق في روسيا... وانتشر التطبيق في جميع أنحاء العالم، حيث يضم حالياً نحو 500 مليون مستخدم نشط»، وفق بيانات رسمية لـ«تليغرام». ووفق بيانات «موقع سينسور تاور» وصلت عدد مرات تحميل التطبيق إلى مليار في أغسطس (آب) الماضي. وعربياً، فإن التطبيق يشهد رواجاً في بعض المواسم من بينها شهر رمضان على سبيل المثال، نظراً لوجود قنوات تنشر المسلسلات المشفرة عليه دون مقابل، ولقد ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» أنه ازداد الإقبال عليه أخيراً في أعقاب تغيير سياسات الخصوصية لـ«واتساب» و«فيسبوك».
في السياق ذاته، وصفت «دير شبيغل» الألمانية، في تقرير نشرته أخيراً، هذا التطبيق بأنه «أكثر تطبيقات المراسلة شعبية، وخطورة، لكونه يحظى بشعبية لدى الإرهابيين ومجرمي الإنترنت». واستطردت: «التطبيق لا يقدم نفسه فقط كمنصة للتراسل بديلة لـ(واتساب)، بل يروّج لنفسه بوصفه منصة بعيدة عن متناول السلطات، ومنصة يمكن لأي شخص أن يكتب فيها ما يريد، وهو ما يجذب مروّجي نظريات المؤامرة».
ماضي الخميس عدّ «ما يحدث تطوراً طبيعياً، لأن مواقع التواصل الاجتماعي وجميع وسائل التكنولوجيا، وسائل عالمية لا تحكمها المعايير الأخلاقية نفسها التي تحكمنا في المنطقة العربية. وبالتالي، لا يجوز التعامل معها بمنطق المنع وفرض قوانين وقيود على استخدامها، فنحن لا نستطيع التحكم في هذه المنصات بمعاييرنا الأخلاقية، ويجب أن ندرك أن كل شيء متاح، الإيجابي والسلبي، وعلينا أن نختار الاستخدام المناسب».
عودة إلى دراسة «سايبرنت» التي رصدت «ارتفاع عدد الإشارات لكلمات وعبارات مثل بريد إلكتروني وكلمة السر أربعة أضعاف خلال هذا العام مقارنةً بالعام الماضي». وحسب الدراسة فإن هذا «يعد مؤشراً لرواج سرقة البيانات، إذ تستخدم هذه الكلمات من محترفي سرقة البيانات». كذلك كشفت الدراسة «عن قناة على (تليغرام) تسمى (كمبوليست») تضم 47 ألف مشترك يجري عبرها بيع وشراء البيانات، ولكن جرى إغلاقها عقب نشر الدراسة في (الفاينانشيال تايمز)».
وحول مسألة الإرهاب، ووفقاً لبيان أصدره «المؤشر العالمي للفتوى» التابع لدار الإفتاء المصرية، نهاية الشهر الماضي، فإن «تطبيق (تليغرام) أصبح ملاذاً للإرهابيين ومجرمي الإنترنت». وتابع البيان أن «تنظيم (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية تعتمد على تطبيق (تليغرام) بكثرة، ولدى التنظيم عشرات القنوات على التطبيق، نظراً لما يوفره من أمان في المراسلات مقارنةً بالتطبيقات الأخرى».
أخيراً، بينما يشير الخميس إلى أن «التطبيق حتى الآن يقدم خدمة آمنة مشفّرة تجذب الكثيرين له... لكننا لا نعرف ما سيحدث في المستقبل»، قال ناير لـ«الشرق الأوسط» إن «فكرة حظر التطبيقات أو منعها باتت غير مجدية مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، والحل الوحيد يكمن في المزيد من التوعية ونشر طرق تأمين المستخدمين في الفضاء الإلكتروني».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.