مصر: مسجد الطنبغا الأثري يستعيد بريقه بعد التطوير

ترميم المسجد تكلف نحو 32.5 مليون دولار
ترميم المسجد تكلف نحو 32.5 مليون دولار
TT

مصر: مسجد الطنبغا الأثري يستعيد بريقه بعد التطوير

ترميم المسجد تكلف نحو 32.5 مليون دولار
ترميم المسجد تكلف نحو 32.5 مليون دولار

بعد ما يقرب من ثلاث سنوات على بدء مشروع ترميمه، افتتحت مصر، ممثلةً في وزارتي السياحة والآثار والأوقاف، مساء أول من أمس، مسجد الطنبغا المارداني، بشارع باب الوزير بمنطقة الدرب الأحمر، وسط القاهرة، بحضور سفراء من 15 دولة عربية وأجنبية، وتعد هذه هي المرحلة الأولى من مشروع الترميم الذي بدأ في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018، بتمويل من مؤسسة الأغاخان والاتحاد الأوروبي.
وأشار لويس موريال، مدير مؤسسة الأغاخان، في كلمته خلال الافتتاح، إلى أهمية مسجد الطنبغا المارداني، وقال إن «مؤسسة الأغاخان ساهمت في تنفيذ المشروع بمبلغ 25 مليون دولار أميركي، أُضيفت إلى مبلغ 7.5 مليون دولار أميركي أخرى ممنوحة من الهيئات الدولية، ليبلغ إجمالي تكلفة المشروع نحو 32.5 مليون دولار أميركي».
واحتفالاً بالافتتاح أُقيمت صلاة الجمعة، أمس، في المسجد الأثري وقال الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، إن «مصر معنية بالحفاظ على التراث الإنساني، سواء كان إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً، فالأديان تجمع ولا تفرّق».
وتسعى مصر إلى ترميم المباني الأثرية والتراثية في القاهرة الإسلامية ضمن مشروع لتطوير القاهرة التاريخية واستعادة رونقها وإعادة استغلال مبانيها التاريخية اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في كلمته خلال الافتتاح، إن «مشروع ترميم المسجد شمل تأهيل البنية التحتية السياحية المادية والاجتماعية والاقتصادية التي تسمح للزوار بالاستمتاع بالمعالم الأثرية المتميزة في قلب القاهرة، وهو ما يسهم في تحقيق التنمية السياحية والاجتماعية والاقتصادية بما يتسق ورؤية مصر 2030».
وأشار إلى أن «افتتاح المرحلة الأولى من مشروع ترميم المسجد الذي يعد واحداً من أجمل مساجد القاهرة، إضافة أثرية وسياحية جديدة للمنطقة، حيث إنه ثمرة تعاون بين الوزارة ومؤسسة الأغاخان للخدمات الثقافية والاتحاد الأوروبي».
بدوره أكد موريال أن «المجموعة الضخمة من المعالم الإسلامية الفريدة في القاهرة التاريخية تعد نقطة جذب مهمة للسياحة التي يمكن أن تسهم في إحياء حي الدرب الأحمر وتعزيز الصناعات والحرف التقليدية به، حيث كان تحفيز الاقتصاد المحلي وخصوصاً الأعمال الصغيرة في هذا المجال هو الهدف الأساسي من دعم الاتحاد الأوروبي لهذا المشروع».
ومشروع ترميم مسجد الطنبغا المارداني يعد أحد مكونات مشروع الوصول إلى التراث الثقافي الإسلامي الذي يموله الاتحاد الأوروبي بهدف الحفاظ على التراث الثقافي الإسلامي والمادي للقاهرة التاريخية، والترويج للسياحة الثقافية كمحفز رئيسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المحلية.
وبدأت أعمال ترميم المسجد في ديسمبر 2018، وتضمّن المشروع ترميم الجزء الشرقي من المسجد، وتطوير نظم الإضاءة الداخلية والخارجية لكل من المئذنة والقبة والواجهات الخارجية، وترميم الأسقف الخشبية المزخرفة، وتنظيف واستكمال الأحجار الحاملة وكسواتها الرخامية بجدار القبلة، وترميم الأرضيات واستبدال التالف ومعالجة الهابط بها، وترميم فوارة الوضوء والمدخل الرئيسي للمسجد، حسب أسامة طلعت، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار.
ومسجد الطنبغا المارداني مسجَّل في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بالقرار الوزاري رقم 10357 لسنة 1951، ويقع في شارع باب الوزير بالدرب الأحمر، وبُني بين عامي 739هـ/ 1338م - 740هـ/ 1340م على يد الأمير الطنبغا بن عبد الله المارداني الساقي، أحد أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ويتكون من صحن مكشوف مستطيل تحيط به أربع ظُلات أكبرها ظلة القبلة التي تتكون من أربعة أروقة والظلات الثلاث الأخرى يتكون كل منها من رواقين، وللمسجد ثلاثة مداخل في الغرب والجنوب والشمال، ويعد المدخل الشمالي هو المدخل الرئيسي وعلى يساره توجد مئذنة مكونة من ثلاث دورات.
وقال محمود عبد الباسط، مدير مشروع القاهرة التاريخية، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «محراب المسجد واحد من أندر المحاريب في مساجد القاهرة، بجدرانه المكسوة بالرخام الدقيق والصدف، وتعلوه قبة كبيرة ترتكز على ثمانية أعمدة من الجرانيت الأحمر ومقرنصاتها من الخشب الملون، كما يوجد بجوار المحراب منبر من الخشب بحشوات مطعمة بالعاج».
وأوضح عبد الباسط أن «مؤسس الجامع كان واحداً من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان يعمل ساقياً للملك، قبل أن يعيّن في وظيفة (أمير طبلخانه) ثم (أمير مائة)، و(مقدم ألف)، وتزوج ابنة الملك»، مشيراً إلى أن «الطنبغا ترقى في المناصب في عهد الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون ومن تلاه حتى وفاته وهو يتقلد منصب نائب حلب».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».