وزارة الثقافة اللبنانية تقيم «ليلة المتاحف» للعام الثاني على التوالي

تقليد نقل عن برلين يسمح للبنانيين بالتجول مجانًا في 10 متاحف

متحف الجامعة الأميركية  ({ الشرق الأوسط})
متحف الجامعة الأميركية ({ الشرق الأوسط})
TT

وزارة الثقافة اللبنانية تقيم «ليلة المتاحف» للعام الثاني على التوالي

متحف الجامعة الأميركية  ({ الشرق الأوسط})
متحف الجامعة الأميركية ({ الشرق الأوسط})

في تقليد أصبح سنويا في لبنان، تقيم وزارة الثقافة اليوم «ليلة المتاحف»، بحيث ستتاح للبنانيين فرصة التجوّل مجانا في 10 متاحف متنوعة تفتح أبوابها من الخامسة بعد الظهر حتى الحادية عشرة ليلا.
ويأتي هذا التقليد الثقافي، الذي كانت برلين أول المبادرين إليه في عام 1997، من ضمن النشاطات الثقافية الأخرى التي تقام في إطار «شهر الفرنكفونية» الذي تشارك فيه السفارات الأوروبية لدى لبنان. ويجري خلال هذا الشهر إطلاق روزنامة تزدحم بالنشاطات المتنوعة، كعرض أفلام سينمائية وإقامة معارض وغيرها.
وجاءت هذه الخطوة من قبل وزارة الثقافة في لبنان، لحثّ اللبنانيين على الاطلاع عن كثب على ثقافاتهم التي تعدّ المتاحف واحدة منها، لا سيما أنها لاقت نجاحا في العام الماضي.
تتوزّع المتاحف العشرة على عدد من المناطق اللبنانية، وبينها بيروت وصيدا وبلدة بزمّار (في منطقة كسروان) والكورة (شمال لبنان).
ولكن كيف تمّ اختيار هذه المتاحف؟ وعلى أي أساس؟ يردّ وزير الثقافة روني عريجي: «من المعروف أن أهم المتاحف لدينا موجودة في بيروت، ولكننا أردنا أن نسلّط الضوء على متاحف أخرى لها أيضا أهميتها وهي موجودة خارج العاصمة. وبعد دعوتنا لإقامة هذا النشاط تلقينا اتصالات من قبل عدد من المتاحف التي أبدت رغبتها في المشاركة، وهكذا كان». وعما إذا كان عدد المتاحف المتوفّرة على لائحة «ليلة المتاحف»، سيزداد من عام إلى آخر إذ بلغت هذا العام 10 بعدما كانت تقتصر على 5 في العام الماضي؟ ردّ الوزير عريجي: «أعتقد أن الأمر يستأهل هذه الزيادة وإذا تجاوزنا في العام المقبل هذا العدد فإننا سنرحّب بذلك، كوننا في لبنان بحاجة ملحّة للتعرّف على ثقافاتنا التعددية». وأضاف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «في العام الماضي استطاعت (ليلة المتاحف) أن تستقطب 5 آلاف لبناني في ظرف 3 ساعات، وهو عدد يستلزم 8 أشهر لنشهده في متاحف لبنان على مدار السنة». ورأى الوزير روني عريجي أن كثيرين من اللبنانيين لا يعرفون مثلا أنه لدينا متحف «مصرف لبنان» للنقود والعملات القديمة، وغيره من المتاحف المنتشرة في عدد من المناطق اللبنانية من المستوى نفسه. وقال: «لطالما ركّزت في تصريحاتي على التعددية الثقافية التي نتمتع بها في لبنان، وأردنا بهذه الخطوة أن نفعّلها على الأرض، وهذا التشجيع أبادر إليه شخصيا، إذ تجديني أول المشاركين في التظاهرات الثقافية على أنواعها».
يتخلل «ليلة المتاحف» التي تقام مساء اليوم 27 مارس (آذار)، أجواء احتفالية بحيث ستشهد مثلا واجهة متحف بيروت الوطني عرضا ثلاثي الأبعاد لصور تمثّل قطعا أثرية يعود تاريخها إلى آلاف السنين. فيما ستعزف الموسيقى في متحف «فيلا عودة» وتقدّم الضيافات في متاحف أخرى.
أما المتاحف العشرة التي ترد على لائحة «ليلة المتاحف» فهي: «المتحف الوطني» الواقع في مدينة بيروت ويتضمن نحو 1300 قطعة أثرية بدءا بفترة ما قبل التاريخ وصولا إلى عصر المماليك. وتتاح لزائر المتحف الوطني فرصة التعرّف على عصور تاريخية عدة، كالبرونزي والحديدي والإغريقي والروماني وغيرها، وهو يملك في الوقت نفسه فرصة شراء تذكارات من بوتيك المتحف التي ستفتتح أبوابها أيضا في المناسبة.
أما المعلم الثاني فهو «متحف المعادن» المعروف بـ«ميم»، ويقع في حرم جامعة القديس يوسف مقابل المتحف الوطني. ويضمّ مجموعة سليم اده الخاصة التي تحتوي على 1600 حجر ومعدن من 65 بلدا ذات أشكال هندسية تكوّنت بفعل الطبيعة منذ ملايين السنين.
ويعتبر «متحف الجامعة الأميركية» واحدا من أهم المتاحف المشاركة في هذه الليلة؛ فهو يعدّ ثالث أقدم متحف في منطقة الشرق الأوسط، ويتضمن مجموعات أثرية من 7 بلدان (لبنان وسوريا وفلسطين والعراق وإيران ومصر وقبرص)، تشمل حقبات ما قبل التاريخ حتى العصر الإسلامي.
ومن المتاحف الجديدة المشاركة في هذا النشاط الثقافي «متحف مصرف لبنان». وتعدّ زيارته واحدة من الزيارات التي يتزوّد خلالها الإنسان بالإفادة والمتعة معا، بحيث يتعرّف على أقدم النقود والعملات اللبنانية، بدءا بالعهد العثماني ومرورا بمرحلة استقلال لبنان ووصولا إلى مرحلة النهضة في الخمسينات، وإلى حين تبوء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منصب إدارته منذ 20 عاما حتى اليوم.
كما تتاح لزائره فرصة التعرّف على وزنه بالذهب، فما إن يدخله حتى يمكنه أن يقف على ميزان كبير يحوّل وزنه إلى عدد من السبائك الذهبية، التي يجري احتسابها بالمال فيصبح وزنه عندها يساوي ملايين الليرات. كما يحتسب وزنه أيضا بما يوازيه من احتياطي المصرف، الأمر الذي يدفعه إلى تكملة المشوار الذي بدأه وهو يشعر بأنه بمثابة كتلة ذهبية مشعّة تسير على الأرض.
أما المتحف الخامس الذي تتضمنه اللائحة نفسها فهو «متحف ما قبل التاريخ» الذي يقع في جامعة القديس يوسف في شارع هوفلان في بيروت. يعرض هذا المتحف قطعا أثرية من مجموعات للآباء اليسوعيين تحكي تاريخ الإنسان منذ مليون عام.
وتأتي «فيلا عودة» لتشكل المتحف السادس المشارك في «ليلة المتاحف». وهي بناء تراثي محاط بالحدائق يقع وسط ناطحات السحاب والأبنية الزجاجية في بيروت. تعرض فيه المجموعة الخاصة لـ«بنك عودة» من الفسيفساءات والقطع الفنية النادرة، التي تبين تطوّر فنّ الموزاييك عبر العصور.
ومن بيروت ننتقل إلى جنوب لبنان وبالتحديد إلى مدينة صيدا الساحلية، حيث يقع «قصر دبانة». يجمع في عمارته التي بقي محافظا عليها منذ عام 1721 ما بين التراثين العربي والعثماني. هو الوحيد في لبنان الذي لم تمسّ هويته التاريخية منذ تلك الحقبة. صنّف في العقد السادس من القرن الماضي بناء أثريا، ويحتوي على نصوص ومخطوطات ووثائق وأدوات تعرّف بتلك الحقبة. ويكتمل هذا المشهد بالفوانيس والثريات والقطع النحاسية الأنتيكا الموزعة على طوابقه الثلاثة وأيضا بسقوفه المنحوتة والمرسومة بالأرز.
ومن صيدا إلى منطقة الكورة في شمال لبنان حيث يقع «المتحف الإثنولوجي» في جامعة البلمند. ويعرض 250 قطعة تراثية من أدوات منزلية وزراعية وحرفية وصناعية، تعبّر عن ذاكرة أجدادنا وآبائنا التي أنستنا إياها التكنولوجيا الحديثة. أما «متحف الأرمن الكاثوليك» في دير سيدة بزمار في كسروان فيفتح أبوابه للزوار، للتعرّف على قطع أثرية ثمينة تمثّل نماذج وشواهد عن الثقافة والفن والتاريخ الأرمني.
وآخر العنقود هو «متحف كاثوليكوسية كيليكيا للأرمن الأرثوذكس» الواقع في أنطلياس. ويجمع في طوابقه الثلاثة مخطوطات ومنمنمات أرمنية وعملات قديمة من الفضّة والنحاس، إضافة إلى قطع أثرية ومجموعة من السجاد وأخرى تذكارية جمعها الآباء الأرمن في رحلاتهم.
إذن، سهرة اللبنانيين هذه الليلة ستختلف تماما عن سابقاتها، بحيث ستحمل طابعا ثقافيا، فيكون زائر تلك المتاحف بمثابة شاهد على تاريخ، يعود فيه أحيانا إلى العصر الحجري ويطلّ من خلاله أحيانا أخرى على ناووس احيرام. كما في استطاعة الزائر أن يمسك بنول ومدقة وجرن أجدادنا ويوثّق وزنه بالذهب، فيتفرّج على لبنان التعددي من زاوية أخرى لا تمتّ بأي صلة للفترة الزمنية التي نعيشها اليوم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».