العراق يبدأ أولى خطوات استعادة المليارات المنهوبة من أمواله

الرئاسة تقدرها بـ150 مليار دولار

TT

العراق يبدأ أولى خطوات استعادة المليارات المنهوبة من أمواله

أعلنت الحكومة العراقية أمس (الأربعاء)، أنها بدأت أولى الخطوات الخاصة بإعادة الأموال المسروقة خارج العراق والتي قدّرتها رئاسة الجمهورية بنحو 150 مليار دولار أميركي. وقالت وزارة العدل على لسان الناطق باسمها في بيان صحافي، إن «مؤتمر استرداد الأموال المنهوبة يعد الخطوة الأولى في طريق استعادة هذه الأموال، وما تمخض عنه هو التوجه إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول، التي لديها أموال داخل العراق، مقابل أموال تطالب بها الحكومة العراقية». وأضاف أن «العراق يعدّ صياغة لاتفاقيات مع ثلاث دول، هي الأردن ومصر وسويسرا، تتضمن إعادة أموال وأراضٍ استولى عليها النظام السابق، مقابل استرداد أموال عراقية مجمّدة باسم شخصيات مخابراتية في هذه البلدان». وأوضح أن «التحرك نحو استرداد تلك الأموال يأتي عبر مكاتب الدعاوى في وزارة العدل وصندوق استرداد الأموال في هيئة النزاهة وسط رغبة الأطراف الإقليمية والدولية بتفعيل هذه الاتفاقيات».
من جهتها أعلنت هيئة النزاهة عن صياغة عدد من مُذكَرات التفاهم المُبرمة مع هيئة التفتيش ومُكافحة الفساد والحقوق المدنيَة في عدد من الدول، فضلاً عن مذكرات مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. وقال مدير الدائرة القانونية في الهيئة فرات نعمة كريم، في تصريح له، إن «الدائرة القانونية في هيئة النزاهة قامت بصياغة وإعداد بعض مذكرات التفاهم مع الجهات النظيرة في مجال مكافحة الفساد منها صياغة مذكرات تفاهم مع هيئة التفتيش الإيرانية ومع هيئة مكافحة الفساد والحقوق المدنية الكورية الجنوبية، إضافةً إلى مذكرات مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة». وأشار إلى أنه «تمت صياغة اتفاقيات تعاون مع بعض الوزارات مثل العدل والتخطيط والتربية والتعليم العالي وجهاز المخابرات الوطني فضلاً عن مكتب مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في البنك المركزي العراقي ونقابة الصحافيين العراقيين ونقابة المهندسين ونقابة الصيادلة ونقابة الجيولوجيين».
كانت الرئاسة العراقية قد قدمت مشروع قانون إلى البرلمان العراقي بشأن استرداد أموال العراق المسروقة والتي قدّرتها بنحو 150 مليار دولار، فيما استضاف العراق أخيراً مؤتمراً دولياً لبحث أبرز المعوقات والعراقيل التي تواجه الجهات الرقابية في استرداد الأصول والأموال المهرّبة خارج حدود بلدانها حضره عدد من وزراء العدل العرب، فضلاً عن الأمين العام لجامعة الدول العربية. وفيما حددت الرئاسة العراقية حجم الأموال المهربة خارج العراق بنحو 150 مليار دولار فإن التقديرات السياسية تشير إلى أن حجم الأموال المسروقة داخل وخارج العراق تقدّر بنحو 300 مليار دولار لكون حجم الأموال التي دخلت الخزينة العراقية منذ عام 2004 من استئناف تصدير النفط العراقي إلى اليوم أكثر من تريليون دولار أميركي يذهب منها ما نسبته 70% إلى الموازنة التشغيلية كالرواتب والأجور فيما يتبقى نحو 300 مليار دولار لم يُعرَف مصيرها. وفي هذا السياق يقول الخبير القانوني أحمد العبادي لـ«الشرق الأوسط»، إنه «على الرغم من كل القوانين والإجراءات لا تزال لدينا في العراق منظومة متكاملة على صعيد الفساد، وبالتالي فإن العبرة ليست في إصدار قانون يتعلق بالأموال وغيرها ما لم يتم تطبيق هذا القانون». وأضاف أن «استرداد الأموال العراقية صدر بموجبه قانون سابق هو قانون رقم 9 لسنة 2012 تحت مسمى قانون صندوق استرداد أموال العراق الذي تطرّق إلى الأموال المنهوبة في ظل النظام السابق قبل عام 2003 علماً بأن جزءاً من تلك الأموال كان تعبيراً عن سياسة الدولة آنذاك لا سيما في ظل الحصار الذي كان مفروضاً على العراق ولا يمكّن من التعامل علناً على صعيد ماليّ»، مبيناً أنها «في الواقع لم تكن أموالاً مهرّبة بقدر ما هي محاولة للتحايل على نظام العقوبات الاقتصادية الذي كان مفروضاً على العراق آنذاك».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.