انتقل صانع الألعاب الكولومبي خاميس رودريغيز إلى الدوري القطري، على الرغم من أنه على عكس كثير ممن سبقوه في هذه الرحلة، كان يمكنه الاستمرار في الدوري الإنجليزي الممتاز والرحيل متى يشاء. وانضم رودريغيز إلى الريان القطري، وأسدل الستار على مسيرته مع إيفرتون، وعلى كثير من الأشياء الأخرى أيضاً. أول شيء يجب أن أقوله في هذا الصدد هو أن هذه الخطوة كانت جيدة لجميع الأطراف. فمنذ رحيل المدير الفني الإيطالي، كارلو أنشيلوتي، المفاجئ إلى ريال مدريد، شعر رودريغيز بأنه لاعب مهمش في فريق يعتمد بشكل متزايد على الركض المتواصل والدفاع المنظم جيداً، ولم يعد المدير الفني الجديد، رافائيل بينيتز، يضعه في حساباته على الإطلاق.
يبلغ رودريغيز من العمر 30 عاماً، وكان يحصل على راتب أسبوعي يصل إلى نحو 220 ألف جنيه إسترليني، ليكون بذلك اللاعب الأعلى أجراً في تاريخ النادي. وعلاوة على ذلك، كان يغيب لفترات طويلة عن الملاعب بداعي الإصابة، كما تشير الإحصائيات والأرقام إلى أنه كان أقل مهاجمي إيفرتون ركضاً داخل الملعب. وبالتالي، كان هناك شعور بأن اللاعب لم يعد مفيداً للفريق، وبأنه من الأفضل له وللنادي البحث عن وجهة أخرى.
لقد كان هناك شعور بالحماس والإثارة عند قدوم اللاعب الكولومبي من ريال مدريد قبل عام، لكن هذا الشعور تبدد تماماً منذ فترة طويلة. ولم يكن ينطبق ذلك على النادي فقط، لكنه كان ينطبق أيضاً على اللاعب، الذي وجه رسالة لجمهور النادي الشهر الماضي قال فيها: «في عطلة نهاية الأسبوع لن ألعب، ولا أعرف ضد من سيلعب إيفرتون، هل يمكنكم أن تخبروني من فضلكم؟ حسناً، سوف نلعب أمام ليدز؟ ستكون مباراة صعبة، دعونا نرى ما سيحدث. آمل أن يفوزوا».
ربما كان يتوقع الجميع رحيل رودريغيز. وإذا كان هناك شعور بالحزن هنا، فإن السبب في ذلك يعود إلى أن قصة رودريغيز في إيفرتون كان من الممكن تجنبها تماماً من الأساس، لأن القرار المتهور بضم اللاعب أدخل النادي في مشاكل مالية يمكن أن تعيقه لسنوات مقبلة، في الوقت الذي لم يقدم فيه اللاعب الإضافة المتوقعة. لقد كانت صفقة رودريغيز تبدو في بدايتها جيدة ورائعة وجريئة، لكن اتضح بعد ذلك أنها لم تكن لها أي معنى على الإطلاق، ولم تكن العلاقة بين اللاعب والنادي جيدة سوى في بعض المناسبات القليلة. لقد بدأ اللاعب الكولومبي مسيرته مع إيفرتون بشكل مذهل، حيث قدم نفسه بطريقة رائعة في الجولة الافتتاحية للموسم أمام توتنهام، وسجل هدفين في مرمى برايتون في أكتوبر (تشرين الأول)، ثم هدفاً رائعاً في مرمى مانشستر يونايتد، وصنع هدفاً جميلاً لريتشارليسون في المباراة التي انتهت بفوز إيفرتون على ليفربول على ملعب «آنفيلد» بهدفين دون رد في فبراير (شباط).
والأهم من ذلك هو أن اللاعب الكولومبي كان يتحرك برشاقة ويمتلك جاذبية كبيرة وكاريزما واضحة. وبالتالي، يمكن القول إنه من الناحيتين الجمالية والعددية - ستة أهداف وتسعة تمريرات حاسمة في جميع المسابقات - فإن رودريغيز قد حقق نجاحاً جزئياً في موسمه الوحيد بملعب «غوديسون بارك». ومع ذلك، عندما كان رودريغيز يحاول المرور من الدفاعات القوية في الدوري الإنجليزي الممتاز، كان من السهل أن ينتابك شعور بأنه لاعب ضعيف ولا يتخذ القرارات السليمة داخل الملعب. لقد كان رودريغيز، بمعنى ما، يمثل الطموح الجامح في سنوات أنشيلوتي، عندما كان إيفرتون يحلم بالعودة لمنافسة الكبار مرة أخرى. لكن رحيل كل من رودريغيز وأنشيلوتي كان بمثابة تذكر للجميع بأن بناء الفرق القوية لا يتم من خلال التعاقد مع النجوم والأسماء اللامعة، ولكن يتم من خلال عملية تدريجية للتعاقد مع لاعبين جيدين ومناسبين للفريق، ومن خلال قيم واضحة وثقافة تهدف لتحسين النتائج بالتدريج وخطوة بخطوة.
وبالنسبة للنجم الكولومبي الذي تألق بشكل لافت للأنظار في نهائيات كأس العالم 2014، ربما يكون ذلك بمثابة نهاية لمسيرته الكروية، خصوصاً أننا لم نرَ عدداً كبيراً من اللاعبين الذين تمكنوا من تطوير مسيرتهم الكروية من خلال اللعب في قطر - من بين نجوم الدوري القطري هذه الأيام سانتي كازورلا، وتوبي ألدرفيرلد، وخافي مارتينيز، وكلهم يتراجع مستواهم بشكل ملحوظ - وعلى الرغم من أن رودريغيز لا يزال صغيراً نسبياً، فإنه من الصعب أن نتوقع أنه سيخالف هذا الاتجاه السائد.
وعلى الرغم من كل ما حققه، لا يزال هناك شعور بالإحباط لأن لاعباً بهذه الموهبة الكبيرة لم يتمكن من استغلالها بالكامل، وأن ما كان يمكن أن يكون مسيرة كروية حافلة على مدار سنوات طويلة قد تم اختزاله في بضع لحظات من التألق العابر. وفي الوقت نفسه، بدأ إيفرتون يتصرف بطريقة أكثر عقلانية هذه الأيام، بسبب وجود بينيتز على رأس القيادة الفنية للفريق وبسبب اعتبارات قواعد اللعب المالي النظيف. وبدأ النادي يتعاقد مع لاعبين جيدين بمقابل مادي معقول وقادرين على تقديم الإضافة المطلوبة للفريق، مثل أندروس تاونسند وسالومون روندون. لقد تخلص النادي أخيراً من عادته السيئة وإدمانه للتعاقد مع اللاعبين المهاريين الذين لا يقومون بواجبهم الدفاعي ولا يضغطون على الفريق المنافس.
لقد ودع إيفرتون كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة بعد الخسارة بركلات الترجيح أمام كوينز بارك رينجرز مساء الثلاثاء الماضي. والآن، تخلص الفريق من لاعب كان يكلف خزينة النادي مليون جنيه إسترليني شهرياً، ولا يعرف من هو النادي الذي سيلعب أمامه في عطلة نهاية الأسبوع! إن ما حدث مع رودريغيز يلخص، بطريقة ما، العالمين المختلفين لكرة القدم، ففي أحدهما تتصرف وفق ظروفك وقدراتك المالية وتثق في البيانات التي لديك وتعتمد على استراتيجية واضحة ومدروسة فيما يتعلق بالتعاقدات الجديدة، وفي العالم الآخر إذا سنحت لك الفرصة للتعاقد مع لاعب مثل خاميس رودريغيز بمقابل مادي كبير فسوف تفعل ذلك على الفور ودون تفكير في النتائج!
لقد كان التعاقد مع رودريغيز بمثابة حلم كاذب ومغامرة طفولية وعلاقة تبدو جميلة في بدايتها، لكن محكوم عليها بالفشل في نهاية المطاف. لقد كانت صفقة جريئة ومتهورة، وكان الجميع يتوقع فشلها، لكنهم كانوا يريدون أيضاً رؤية ما سيحدث على أي حال! في تصريحاته الأخيرة، أكد رودريغيز أنه وافق على الانتقال للريان من أجل تحقيق البطولات، وأن أحد أسباب انتقاله للعب في قطر هو إقامة كأس العالم لكرة القدم في البلاد العام المقبل. وبعد انتقال رودريغيز للريان قادماً من إيفرتون سيرتدي القميص رقم 10 الذي ظهر به خلال تقديمه للجماهير في استاد أحمد بن علي الذي سيستضيف بعض مباريات كأس العالم 2022.
وقال رودريغيز في مؤتمر صحافي الخميس: «أشكر كل من عمل على إتمام هذه الصفقة، أنا متشوق للعودة للعب من جديد، وسأبذل كل ما في وسعي لتحقيق أهداف الفريق. جئت إلى هنا لتحقيق البطولات ورسالتي للجماهير أنني لن أدخر جهداً لتحقيق ما تتمناه. أبحث عن التطوير، كما أن الكرة القطرية تبحث عن التطوير، لذلك سنعمل معاً لتحقيق هذا الهدف. أحد أسباب وجودي هنا هو كأس العالم 2022، وأتمنى أن أشارك مع المنتخب الكولومبي بالبطولة في قطر». وقال الفرنسي لوران بلان مدرب الريان لموقع النادي على الإنترنت: «رودريغيز قيمة كبيرة للريان وللدوري القطري، ويمثل إضافة للفريق لتحقيق الأهداف التي نبحث عنها. الكل ينتظره بالملعب من جماهير وفريق، ووجوده في الريان يحفز اللاعبين. انتظرنا كثيراً لعقد صفقة بهذه القيمة، ولدينا الكثير من الأمور لبحثها معاً بالملعب».
العلاقة بين رودريغيز وإيفرتون كان محكوماً عليها بالفشل منذ البداية
المهاجم الكولومبي انتقل للعب في قطر بعدما أصبح لاعباً هامشياً وباهظ الثمن بنادٍ أخطأ بالتعاقد معه
العلاقة بين رودريغيز وإيفرتون كان محكوماً عليها بالفشل منذ البداية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة