الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»

طموحات الساسة تُعيد الخلافات من جديد

الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»
TT

الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»

الأزمة الليبية بانتظار «صندوق الانتخابات»

استنفد الأفرقاء الليبيون جُل ما تبقى لهم من وقت دون «توافقات مُرضية»، باتجاه تجهيز ليبيا إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية وفق خارطة الطريق الأممية. إلا أنه، مع أقل من 90 يوماً على الموعد المُرتقب اشتعلت الخلافات بينهم ثانية، ودخلت الأزمة مفترق طرق، وبات كل معسكر يرى الحل إما في صندوق الانتخابات، وإما العودة إلى صندوق الذخيرة!
والحقيقة أنه منذ فرغ «ملتقى الحوار السياسي الليبي» في جنيف، بداية فبراير (شباط) الماضي، من اختيار السلطة التنفيذية المؤلفة من «المجلس الرئاسي» و«حكومة الوحدة الوطنية»، لم تفلح الأطراف السياسية الممثلة بالملتقى في وضع الأساس الدستوري اللازم لإجراء الاستحقاق المُرتقب، بل حرص كل منهم على تكريس مكتسباته الجهوية، وفتح المجال العام أمام معسكره المنتمي إليه «سياسياً وعسكرياً». ولمزيد من تعقيد الأزمة، سحب مجلس النواب الثقة من حكومة عبد الحميد الدبيبة، في إجراء مفاجئ وُصف بأنه يهدد بنسف «اتفاق جنيف».

أمام تعدد جولات الأفرقاء الليبيين قاصدين جنيف، وتعثر مناقشاتهم في التوصل إلى «قاعدة دستورية» للانتخابات، انتقل الصراع إلى مجلس النواب بقصد إنجاز قانون يجيز انتخاب رئيس ليبيا المقبل.
وفي ظل إصرار أميركي على التعجيل في وضع «اللمسات الأخيرة» على تشريعات الانتخابات، وهناك مدينة طبرق (شرق ليبيا) – حيث مقر مجلس النواب – لم يسلم الأمر من تشاجر واشتباكات بالأيدي بين بعض النواب داخل الجلسات، كل حسب انتمائه وجبهته والطرف الداعم له، بشأن بعض بنود القانون المتعلقة بانتخاب الشخصيات المدنية والعسكرية، حتى انتهى الأمر بمصادقة رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، على القانون. لكن هذا حصل من دون طرحه على النواب للتصويت، والدفع به إلى المفوضية العليا للانتخابات، ما أثار استياء واسعاً لدى معسكر غرب ليبيا، بزعامة «المجلس الأعلى للدولة».
لقد تمحور الخلاف حول المادة (12) من القانون، وتنص على إمكان ترشح أي شخص عسكري أو مدني بشرط التوقف «عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وإذا لم يُنتخب فإنه يعود لسابق عمله».
ويرى مراقبون أن الليبيين بمختلف انتماءاتهم وإن كانوا هللوا فرحاً بانتخاب السلطة التنفيذية قبل قرابة ثمانية أشهر من الآن، لكن الوضع اختلف الآن مع تعاظم الأزمة. وعقب قرار البرلمان بسحب الثقة من حكومتهم أصبحوا ينتظرون موعد الانتخابات يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل إذا ما أجريت، «كي يثأر كل فريق من خصمه، وهو ما يُعد ترحيلاً للأزمة وعودة للانقسام السياسي، وليس حلها على أسس من التوافق والوئام الأخوي».
غير أن «المجلس الرئاسي» دعا السلطة التشريعية إلى تحمل مسؤولياتها الوطنية والقانونية لإنجاز التشريعات المطلوبة لإتمام العملية الانتخابية في موعدها، حرصاً على سلامة سير العملية السياسية وفق خارطة الطريق المعتمدة بملتقى الحوار السياسي. وقال إنه يتابع عن كثب تداعيات قرار مجلس النواب المتضمن سحب الثقة من الحكومة، وما صاحب ذلك من تداعيات مختلفة. وأيضاً طالب «المجلس» الحكومة بالاستمرار في عملها، وضرورة التزام جميع الأطراف بتحاشي اتخاذ أي خطوات تصعيدية، وتجنب كل ما من شأنه زيادة التوتر الشعبي، والعمل على التهدئة ضماناً لسير العملية الانتخابية في مناخ إيجابي.

- حفتر والرئاسة
من ناحية أخرى، مبكراً استبقت شخصيات سياسية عدة في شرق وغرب ليبيا، الجدل القانوني المُثار حول قانون الانتخابات، وأعلنت ترشحها لرئاسة البلاد، من بينهم فتحي باشاغا وزير الداخلية السابق بـ«حكومة الوفاق» والرجل القوي بغرب ليبيا، والدكتور عارف النايض، رئيس «تكتل إحياء ليبيا»، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «رئيس البلاد المنتخب مباشرة من قبل الليبيين، ومعه البرلمان الجديد، سيعملان معاً على إنهاء الانقسام، وبناء البنية الأمنية للبلاد».
ولكن يسود اعتقاد بأن القانون المكون من (77) مادة، ويُعنى بتنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة، أعد على مقاس المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، لكن الأخير استبق تنحيه المؤقت عن مهامه، ودافع عن أحقية العسكريين في المشاركة بالعملية الانتخابية، وقال: «نحن نمر بمرحلة قادمة مرحلة سلمية. نحن عمرنا ما رفضنا السلم. ولأول مرة جنود القوات المسلحة وضباطها يشتركون في عملية الانتخابات لأنه حق». وما يذكر أن حفتر علق مهماته العسكرية رسمياً ثلاثة أشهر حتى موعد الانتخابات المرتقبة، وفقاً لاشتراطات القانون المثير للجدل، وذلك أملاً في خوض الماراثون الرئاسي، وكلف الفريق أول عبد الرزاق الناظوري، رئيس الأركان، بمهام منصب القائد العام.
وهنا تساءلت زهراء لنقي، عضو «ملتقى الحوار السياسي» قائلة: «ماذا لو بدأت العملية الانتخابية في 24 ديسمبر بإعلان بدء حملات المرشحين الانتخابية، وصار التصويت في 17 فبراير، هل سيعني ذلك أن من أعلن أنه في إجازة أنه سينقطع عن عمله حتى العام المقبل؟»... وتابعت: «وماذا لو كانت الانتخابات الرئاسية على جولتين أولهما في الموعد المحدد، والثانية في 17 فبراير أو 19 مارس (آذار) أو في شهر سبتمبر (أيلول) كما جاء في المقترح الأميركي؟ أذلك يعني أن الإجازة ستمتد على الأقل قرابة نصف عام أو سنة على الأكثر؟».
وكانت ترددت أنباء حول دخول صالح، في إجازة لمدة ثلاثة أشهر استعداداً للانتخابات الرئاسية، لكن فتحي المريمي، مستشاره الإعلامي، نفى ذلك في تصريحات، وقال: «حتى هذه اللحظة، رئيس مجلس النواب يمارس عمله ولم يطلب إجازة أو قدم استقالة للتقدم للرئاسة، (ربما غداً أو بعد غد أو الأيام المقبلة)، ربما يكون هناك شيء جديد من هذا». ويرى مقربون من معسكر شرق ليبيا، وجود تقاطع في ترشح حفتر وصالح معاً، إذا أقدم الأخير على ذلك. لكن هناك من يبرر بأن قانون الانتخابات فتح المجال لترشح أي شخصية طالما أن لديها ضمانات بالعودة إلى ممارسة منصبها، أو الإحجام عن ذلك وفق اتفاق مسبق بينهما.
ولقد سبق لمسؤولين أميركيين الكلام عن إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية على مرحلتين، تبدأ في 24 ديسمبر وتنتهي في 22 سبتمبر 2022.

- الدبيبة والميدان
وبموازاة التسارع باتجاه الانتخابات في شرق ليبيا، تنطوي الأوضاع في غربها على تكتم شديد. إذ لا يحق لرئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة الترشح للانتخابات، فوفق ما تعهدت به السلطة التنفيذية أمام «ملتقى الحوار» بجنيف، لا يجوز لأي منها الترشح في الانتخابات المقبلة، غير أن البعض يستند إلى القانون الذي وقع عليه صالح لكونه فتح المجال أمام الجميع شريطة التقدم بالاستقالة قبل مضي ثلاثة أشهر من موعد الاستحقاق.
وأمام تأزم الأوضاع وانقطاع «شعرة معاوية» بين الحكومة ومجلس النواب - ما دفع الدبيبة إلى دعوة الجماهير للتظاهر في الميادين اعتراضاً على قرار سحب الثقة - سعى البعض إلى تهدئة الأمور، غير أن الدبيبة أكد على «موقف حكومته الداعم لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للشعب الليبي». وعلّق محمد حمودة، المتحدث باسم الحكومة، على إمكانية ترشح حفتر للرئاسة، وقال إن «كل مواطن له الحق في الترشح وأن يطرح مشروعه، وهذا هو الخيار الأمثل للوصول إلى السلطة، وليس عبر القوة واستخدام التهديد؛ ونرحب بأي ترشح ما دام يلتزم بالقواعد الدستورية والقانونية»، لكن حمودة اكتفى بالرد حول ما إذا كان الدبيبة سيترشح، وقال: «لم يُصرح بأنه سيترشح في الانتخابات، ولا نعلم ما يدور في ذهنه بهذا الخصوص».
غير أن ترحيل الأزمة الليبية بجميع تفاصيلها إلى صندوق الانتخابات، نظر إليه بعض السياسيين على أنه «حل كارثي»، و«سيفتح الباب لمزيد من الانقسام السياسي»، الذي عملت السلطة التنفيذية الحالية على إزالته، فضلاً عن عدم تمكن أي من المرشحين للرئاسة بالتجول في مناطق خاضعة للمنافس، وهنا يرى محمد المُبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»، ضرورة عقد لقاء يضم «كل الفاعلين» في المجتمع الليبي من الأكاديميين والشخصيات الاجتماعية والشباب إلى حوار حقيقي في مدينة غدامس (جنوب ليبيا) قبيل إجراء الانتخابات، لتطرح فيه كل الحلول الممكنة.
وقال المُبشر، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إن «التجاذبات التي تشهدها البلاد جعلت غالبية الليبيين يعتقدون أن الأجسام، التي كانت سبباً في المشاكل، فشلت حتى الآن في أن تكون جزءاً من الحل». وتحدث المُبشر عن تمكن بعض الأطراف الدولية بملف الأزمة في ظل استلاب القرار المحلي، لكنه لفت إلى أهمية «اتفاق الجميع على ميثاق... بعيداً عن الخارج ورحلات السياحة السياسية، لعله يعيد جزءاً من الفعل الليبي إلى الداخل».

- الموقف من سيف القذافي
في سياق متصل، انعكست الاختلافات بين معسكري شرق وغرب ليبيا أيضاً على الموقف من إمكانية السماح بترشح سيف الإسلام، نجل الرئيس الراحل معمر القذافي، الذي لوّح بإمكانية خوضه الاستحقاق أيضاً. إذ قال الدبيبة إنه (سيف الإسلام) يمكنه تقديم أوراق ترشحه باعتباره «ابن قبيلة مهمة»، لكنه اعتبر أنه يجب قبل ذلك معالجة مشاكله القانونية، في إشارة إلى المطالب المتكررة من المحكمة الجنائية الدولية بتسليمه ومحاكمته. أما صالح - في إشارة ضمنية لسيف الإسلام - فشدد على أنه «لا يحق لأي شخص محكوم عليه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية الترشح لرئاسة الدولة الليبية»، وهو ما أثار أيضاً ردود أفعال غاضبة من الموالين للنظام السابق.
ومع هذا التباين، ثمة من يرى أن البرلمان أخطأ بقرار سحب الثقة من حكومة الدبيبة، وهناك مَن انتقد الظهور الإعلامي لرئيس البرلمان عشية إصدار القرار، إذ قال الأكاديمي الليبي المختار الجدال: «من الخطأ خروج رئيس البرلمان لتبرير القرار الذي أصدره، فهو بذلك لا يختلف في شيء عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية». وتحدث عن مدى تمتع المرشحين المحتملين بإمكانية التجول في مناطق خصومهم، متسائلاً: «هل سيرضى الطرف الآخر الذي يتمترس خلف الميليشيات وتركيا أن يطلق خليفة حفتر، حملته الانتخابية في الوطن الغربي والقبول بنتائج الانتخابات لو وصل عبر الصندوق لرئاسة الدولة؟ وبالمقابل هل يسمح الجيش في الوطن الشرقي والجنوبي بأن يطلق مرشح الإخوان حملته، والقبول بنتائج الصندوق؟».

- أميركا وأوروبا
في هذه الأثناء، استدراكاً لتصاعد الموقف في ليبيا والحفاظ على بنود اتفاق جنيف، دفعت قوى أميركية وأوروبية بثقلها لإنجاح العملية السياسية في ليبيا وإجراء الانتخابات المرتقبة، دون وضع العراقيل التي تحول دون ذلك في الحسبان. إذ حذر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، الذي عقد اجتماعاً وزارياً حول ليبيا مع نظيريه الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هايكو ماس في نيويورك، حيث تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة، من عدم إتمام الانتخابات الليبية، وقال إن ذلك «يعرض استقرار المنطقة للخطر». وأردف دي مايو: «دعونا نواصل العمل للتأكد من أن المجتمع الدولي يدعم العملية السياسية الليبية، بما فيها من انتخابات حرة ونزيهة وشاملة، وهو أمر ضروري». ولتأكيد وجهة نظره، قال إن «الانتخابات يريدها الشعب الليبي الذي يطالب بالحياة الطبيعية. وإن عدم التصويت من شأنه تعريض استقرار المنطقة بأكملها للخطر وقد يفتح مرحلة جديدة من العنف، ويمكن أن تؤثر التأثيرات أيضاً على بلدنا والاتحاد الأوروبي بأكمله».
وعلى الخط نفسه، أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي التقى رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، دعم الولايات المتحدة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد.

- السلطة التنفيذية في ليبيا... 8 أشهر من محاولات إنهاء الانقسام
قبل قرابة ثمانية أشهر من الآن، أعلنت ستيفاني ويليامز، مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، من جنيف، انتخاب أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ليصبح محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة «الوحدة الوطنية». ومنذ ذلك التاريخ بدأت هذه السلطة بشقيها ممارسة أعمالها، والتقريب بين الليبيين، وإن كان بشكل لم يرضِ جميع الأطراف في البلاد، وذلك عبر مسارات عدة، وهذه جوانب منها:
> 16 فبراير (شباط) الماضي، استهل المنفي، أولى زياراته إلى طرابلس العاصمة، بعدما أنهى زيارة إلى المنطقة الشرقية بدأها من مدينة بنغازي شملت طبرق والبيضاء، حيث أجرى لقاءات مع قائد «الجيش الوطني الليبي» المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح، كما التقى عدداً من أعضاء مجلس النواب وشيوخ القبائل.
> 10 مارس (آذار) الماضي، مجلس النواب الليبي يمنح الثقة لحكومة الدبيبة بغالبية ساحقة، والأخير يتعهد بالعمل لإنجاح المصالحة الوطنية ودعم مفوضية الانتخابات.
> 16 مارس تسلمت الحكومة مهام عملها من «حكومة الوفاق الوطني» بطرابلس، و«الحكومة المؤقتة» بشرق ليبيا، بطريقة سلسة ودون منغصات. وعانق فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي السابق، الدبيبة أثناء تسليمه السلطة. وقال خلال مراسم مقتضبة «إنني هنا اليوم لترسيخ مبادئ الديمقراطية».
>25 فبراير الماضي، تعهد المنفي بالسعي إلى تعزيز وقف إطلاق النار وإنهاء الأعمال القتالية كافة على كامل التراب الليبي، وإفساح المجال للجنة العسكرية المشتركة «5+5» مع توفير كل سبل الدعم من أجل توحيد المؤسسة العسكرية، وإنشاء المفوضية الوطنية للمصالحة.
> 19 أبريل (نيسان) أصدر المنفي، توجيهاً إلى جميع وحدات الجيش الليبي، بشأن حظر العسكريين من الظهور الإعلامي والإدلاء بتصريحات ذات طابع سياسي، وكذلك حظرهم من السفر إلى الخارج إلا بإذن مسبق من القيادة العليا أو من قبل إدارة الاستخبارات العسكرية.
> 27 أبريل توجّه المنفي إلى مدينة سرت لحضور الاجتماع الرابع للجنة العسكرية «5+5».
> 10 مايو (أيار) الماضي، التقى المنفي وعضو المجلس موسى الكوني، مجموعة من مشايخ وأعيان مدينتي مصراتة وزليتن، في مدينة طرابلس، وتناول اللقاء ضرورة تطبيق «المصالحة الوطنية ولمّ شمل الليبيين».
21 مايو تعهّد الدبيبة خلال زيارته إلى مدينة بني وليد برفقة عدد من وزرائه، بإصلاح ما دمرته الحرب، وتحويلها إلى ساحة للبناء والتشييد والإعمار في المرحلة المقبلة، وليس ساحة للحرب والقتال.
3 يوليو (تموز) الماضي، بارك حفتر للشعب الليبي فتح الطريق الساحلي، فيما رحب الدبيبة بهذه الخطوة واعتبرها خطوة جديدة في البناء والتوحيد.
> 4 يوليو الماضي، أكد الدبيبة حرصه على تحقيق التداول السلمي للسلطة في البلاد، مشدداً على توفير «كل الدعم» من أجل إجراء انتخابات قبل نهاية العام الجاري.
> 17 يوليو الماضي، تعهّد الدبيبة بإخراج أي قوة أجنبية أو «مرتزقة» من ليبيا، كما أكد على جعل الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل «واقعاً».
> 21 أغسطس (آب) الماضي، قال الدبيبة إنه لا يعارض لقاء حفتر إذا اعترف به كرئيس للحكومة ووزير للدفاع.
> 23 أغسطس الماضي، الدبيبة قرر تخصيص 100 مليون دينار لأسر الشهداء والمفقودين والمبتورين.
>14 سبتمبر (أيلول) الجاري، الدبيبة سلم الدفعة الأولى من صكوك منحة دعم الزواج لمستحقيها.
> 16 سبتمبر الجاري، وقعت حكومة الدبيبة مع مصر 14 مذكرة تفاهم مشترك و6 عقود تنفيذية.
> 21 سبتمبر الجاري، حجب مجلس النواب الليبي الثقة عن حكومة الدبيبة، لتستمر في تسيير أعمالها اليومية كحكومة تصريف أعمال.
22 سبتمبر الجاري، دعا الدبيبة المواطنين للتظاهر في ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، للتعبير عن رأيهم رداً على قرار مجلس النواب الذي سحب الثقة من حكومته، وقال: «سيسقط البرلمان بعون الله ولن يكون ممثلاً لليبيين بهذه الصورة».



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.