ماكرون يجدد التأكيد على ربط المساعدات للبنان بالإصلاحات

ميقاتي واثق من إمكانية الاعتماد على دعم فرنسا

الرئيس ماكرون مستقبلاً الرئيس ميقاتي في الإليزيه أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ماكرون مستقبلاً الرئيس ميقاتي في الإليزيه أمس (دالاتي ونهرا)
TT

ماكرون يجدد التأكيد على ربط المساعدات للبنان بالإصلاحات

الرئيس ماكرون مستقبلاً الرئيس ميقاتي في الإليزيه أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس ماكرون مستقبلاً الرئيس ميقاتي في الإليزيه أمس (دالاتي ونهرا)

إذا كان رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يطمح بالعودة من باريس حاملاً موعداً محددا لمؤتمر دولي لإنقاذ لبنان من أوضاعه المالية والاقتصادية المتهاوية، فإن هذا الطموح لم يتحقق أقله علنا إذ لا الرئيس إيمانويل ماكرون ولا ميقاتي جاء على كلام من هذا النوع في حديثهما إلى الصحافة عقب انتهاء لقائهما الذي تخلله غداء عمل كان يعلق عليه الجانب اللبناني الكثير من الآمال. ولكن هذا الأمر لا يعني أن ماكرون نسي لبنان أو تخلى عنه بسبب بالمماطلة التي واجهت بها الطبقة السياسية اللبنانية مبادرته الإنقاذية حتى إطاحتها. ولكن مع تشكيل حكومة ميقاتي، تكون باريس قد حققت بعضا من أهداف مبادرتها. وجاء كلام ماكرون ليستعيد مضمون خطته وليحث ميقاتي والحكومة والعهد على السير بها «سريعا». وحتى لا ينسى اللبنانيون أن باريس ما زالت إلى جانبهم رغم الإخفاقات السابقة، فقد توجه ماكرون إلى ميقاتي قائلا: «لن أترك لبنان ولن أخذل لبنان... وفرنسا لم تترك ولم تخذل لبنان، ولكن الطريق طويل وصعب والمهمة صعبة... وسنكون هنا إلى جانبكم وإلى جانب الشعب اللبناني واحتياجاته وطموحاته وكل من يدافع عن حياته اليومية ومستقبله، وأريد أن يعرف لبنان أنه يستطيع الاعتماد على فرنسا».
جميل كلام الرئيس الفرنسي الذي قال مثله يوم زار مرفأ بيروت بعد يومين من التفجير المدمر في الرابع من أغسطس (آب) 2020 وكرره في بداية سبتمبر (أيلول) الماضي خلال زيارته الثانية إلى بيروت. وعلى مسافة زمنية تزيد على العام، لم يفتر التزام الرئيس الفرنسي بمساعدة لبنان. ولكن بالمقابل، لم يغير مقاربته وشروطه «كما شروط المجتمع الدولي» للانخراط في عملية إنقاذية واسعة رهن انطلاقتها بما ستقوم به الحكومة الجديدة. ماكرون رسم مجددا خريطة طريق للإصلاحات التي تعهد ميقاتي بتنفيذها وبسرعة بتأكيده مجددا على حقيقة يعرفها المسؤولون اللبنانيون بسبب تكرارها لآلاف المرات: «المجتمع الدولي لن يقدم مساعدات إلى لبنان دون القيام بالإصلاحات». وبنظره، فإن العنصر الإيجابي المستجد عنوانه وجود حكومة قدمت برنامجا إصلاحيا وراغبة بالسير به.
وأضاف ماكرون «من الملح اتخاذ الإجراءات والخطوات الأولى المتمثلة بالإصلاحات الضرورية لكي يتمكن لبنان من استعادة الثقة بنفسه وأيضاً تأكيد ضمان دعم يومي للمواطنين. المجتمع الدولي لن يتمكن من مساعدة لبنان قبل إطلاق الإصلاحات على الأقل، وأنا أفكر بالإصلاحات في قطاع الطاقة ومكافحة الفساد وإصلاحات الإدارة، وجميعها موجودة في ذهنكم وقد بحثناها معاً. وبالتأكيد أولويتكم ستكون حول موضوع البنى التحتية والطاقة والتغذية ودعم الشعب اللبناني والاستجابة إلى الاحتياجات قصيرة الأمد». وشدد الرئيس الفرنسي على ضرورة إصلاح القطاع المصرفي والقطاع المالي كما لم يغفل حاجة لبنان لإطلاق مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي تعتبره باريس ومعها مجموعة أصدقاء لبنان المدخل الإنقاذي والباب لوصول المساعدات. وبحسب ماكرون فإن هذه المفاوضات «ضرورية» و«يجب أن تنطلق سريعا كما يتعين الالتفات لمكافحة الفساد وإضفاء الشفافية على موضوع الحوكمة. واستحضر ملف تفجيري المرفأ وعبر عن استعداد بلاده لمساندة القضاء اللبناني باعتبار أن الشعب اللبناني يستحق الحقيقة وله الحق في الوصول إلى أجوبة عما حصل». إلا أنه نأى بنفسه، أقله علنا، عن الدخول في المماحكات الجارية في لبنان حول النزاع المفتوح بين المحقق العدلي والمسؤولين السابقين الذين يعتبرهم معنيين بهذا الملف. كذلك تناول ماكرون موضوع الانتخابات النيابية المرتقبة الربيع القادم مذكرا ميقاتي بأهمية حصولها في موعدها وفق التزامه، وداعيا إلى أن تكون «ديمقراطية». ونبه رئيس الوزراء اللبناني وعبره الطبقة السياسية إلى أن باريس وشركاءها اللبنانيين سيكونون «منتبهين» لهذه العملية ما يشكل تحذيرا «استباقيا» إن لجهة حصولها أو لجهة الأجواء والظروف التي ستجرى بها ومدى تمثيلها لإرادة اللبنانيين. ويعني كلام ماكرون أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على إرسال مراقبين للانتخابات، وأن نزاهتها ستكون معيارا، بمعنى ما، للتعامل مع السلطات التي ستنتج عنها.
واضح من كلام الرئيس الفرنسي أن باريس ميزت مجددا بين الدعم الإنساني والخطة الإنقاذية. وفي الباب الأول، أشار ماكرون إلى المساعدات التي قدمتها بلاده للمدارس والجيش اللبناني، مؤكدا أن هذا الدعم «مستمر» وأن فرنسا «مستمرة بحشد المجتمع الدولي للاستجابة لكل الطلبات والاحتياجات المُلحة» وهي «جاهزة» لمواصلة العمل مع «القوى الحية» في لبنان، أي بعيدا عن بنى الدولة، من أجل «سد النواقص» التي لم تتمكن الدولة من تقديمها. وباختصار أكد ماكرون أنه «لن يترك لبنان»، مبينا مرة جديدة مدى تعلقه بهذا البلد الذي تسبب له بكثير من الإخفاق والانتقادات في الداخل والخارج. لكن ولادة الحكومة مؤخرا التي كان لماكرون ضلع في خروجها إلى النور وتأكيد ميقاتي أكثر من مرة أنه يعمل بوحي المبادرة الفرنسية حملا للرئيس الفرنسي بعض «العزاء».
ماكرون وصف محادثاته مع ميقاتي أنها كانت «صريحة للغاية» وأن مسؤولية الأخير «كبيرة جدا وتاريخية». وفي لفتة دبلوماسية، أشار ماكرون إلى أن الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري ضالعان في مساعي تحقيق «الطموحات» التي عرضها ميقاتي الذي قرأ كلمة بالفرنسية، مشيرا إلى الجهود التي بذلها ماكرون من أجل لبنان ليخلص للقول إن «دعم فرنسا له أهمية خاصة لأنها تمثل قلب المجتمع الدولي المكون من أشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم. وفي هذا المجال أود أن أعبر عن امتناني وامتنان الشعب اللبناني لكم». وشدد على «عزمه على تنفيذ الإصلاحات الضرورية والأساسية في أسرع وقت» بالتعاون وبدعم الرئاسة والبرلمان اللبنانيين، وأنه يمكننا الاعتماد على دعم فرنسا». وتابع «أكدت للرئيس ماكرون تصميم الحكومة على إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، والتي ستسمح بتجديد الحياة السياسية التي يتوق إليها الشعب اللبناني الذي يعاني على الصعد كافة»، مستذكرا قولا للجنرال ديغول يؤكد فيه أنه لن يسمح بإلحاق أي أذى بلبنان.
وترى مصادر دبلوماسية في باريس أن فرنسا «لم تخرج عن دورها في الوقوف إلى جانب لبنان لكن بعد ما عرفته في الأشهر الـ13 الأخيرة، أصبحت أكثر حذرا ولكن تشكيل الحكومة أعادها إلى دائرة الضوء بفضل الدور الذي لعبته». وبحسب هذه المصادر فإن جهودها ستتواصل والمأمول ألا تصطدم مجددا بتعقيدات المشهد اللبناني واقتراب موعد الانتخابات الذي سيفتح سوق المزايدات ويربك عمل الحكومة وبرامجها الإصلاحية. وقد تكون هذه التعقيدات التي جعلت أن يكون حديث المسؤولين اقتصر على قراءة كل منهما لبيان مكتوب وامتنعا عن الرد على أي سؤال من الصحافيين الموجودين في باحة قصر الإليزيه. وعقب انتهاء اجتماعاته الباريسية، عاد ميقاتي إلى بيروت.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.