كيف أثر «كورونا» على متوسط عمر الإنسان؟

نقل جثة أحد ضحايا فيروس كورونا إلى سيارة إسعاف (أرشيفية - أ.ف.ب)
نقل جثة أحد ضحايا فيروس كورونا إلى سيارة إسعاف (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT
20

كيف أثر «كورونا» على متوسط عمر الإنسان؟

نقل جثة أحد ضحايا فيروس كورونا إلى سيارة إسعاف (أرشيفية - أ.ف.ب)
نقل جثة أحد ضحايا فيروس كورونا إلى سيارة إسعاف (أرشيفية - أ.ف.ب)

قالت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن متوسط العمر المتوقع في معظم أنحاء أوروبا والولايات المتحدة شهد انخفاضاً في عام 2020 جراء جائحة فيروس كورونا المستجد، وفقاً لبحث من جامعة أكسفورد البريطانية.
وأضافت، أن مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا قال، إن متوسط العمر المتوقع للرجال في المملكة المتحدة انخفض لأول مرة منذ 40 عاماً.
وكان متوسط العمر المتوقع عند الولادة للرجال يقدر بـ79 عاماً في السنوات الثلاث حتى 2020، وانخفض مرة أخرى إلى المستوى الذي شوهد آخر مرة في 2012 – 2014، في حين لم يتغير متوسط العمر المتوقع للإناث تقريباً، حيث كان أقل بقليل من 83 عاماً.
ولفتت «بي بي سي» إلى أن «متوسط العمر المتوقع» لا يتنبأ بالعمر الفعلي، لكنه يقدم لمحة سريعة عن تأثير الجائحة التي يمكن مقارنتها بمرور الوقت وبين البلدان والسكان المختلفين.
وقالت، إن أزمة «كورونا» كان لها تأثير غير مسبوق في متوسط العمر المتوقع لعام 2020، حيث أظهرت دراسة أجراها باحثون في مركز ليفرهولم للعلوم الديموغرافية بجامعة أكسفورد، أن 29 دولة بأوروبا والولايات المتحدة وكذلك تشيلي شهدت انخفاضاً بمتوسط العمر.
وسجلت الولايات المتحدة أكبر انخفاضات، مع انخفاض عمر الرجال المتوقع لأكثر من عامين.
وكذلك وجد مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، أن متوسط العمر المتوقع للرجال قد انخفض بمقدار 1.2 سنة وللنساء بنسبة 0.9؛ مما يعكس ارتفاع عدد الوفيات بين الرجال بسبب الفيروس.
وقال الدكتور ريدي كاشياب، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، إن الوباء كان له «تأثير كبير للغاية وغير مسبوق» على معدلات الوفيات ومتوسط العمر المتوقع، فقد وقعت في عام 2020 خسائر غير عادية أكثر من عام أخر.
وتابع «هذا شيء لم نعهده منذ الحرب العالمية الثانية بالنسبة لمعظم دول أوروبا الغربية ومنذ تفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينات في أوروبا الشرقية».
وهو ما أكده الدكتور خوسيه مانويل أبورتو، المؤلف المشارك الرئيسي للدراسة، أن متوسط العمر المتوقع انخفض في العديد من البلدان إلى ما دون عام 2015 الذي كان بالفعل عاماً سيئاً بسبب قوة الإنفلونزا وقتها.
وقال ستيوارت ماكدونالد، المؤسس المشارك لمجموعة الاستجابة الاكتوارية لـ«كوفيد - 19»، إنه قد يحدث ارتداد في السنة الأولى أو نحو ذلك بعد انتهاء الجائحة؛ بسبب ما يسميه علماء الديموغرافيا بـ«تأثير البقاء على قيد الحياة».
وأوضح «هذا يعني أنك فقدت جزءاً كبيراً من السكان الأكثر ضعفاً لديك، ومن ثم يكون لديك سكان أكثر صحة على قيد الحياة، ووفقاً للتوقعات الحسابية فسيكون هناك عدد أقل من الوفيات في الفترة التالية».
ولكنه لفت إلى أن عوامل مثل الموجات المستقبلية من الفيروس والاضطراب الاقتصادي والتأخير في علاج السرطان والأمراض الخطيرة الأخرى قادرة على إبقاء متوسط العمر المتوقع في المملكة المتحدة منخفضاً.
وتابع «من ناحية أخرى، قد تساعد اللقاحات والمعرفة المحسنة بمكافحة العدوى الجماعية وزيادة التركيز على الرعاية الصحية على التعافي، ولكن من وجهة نظري فإن نمو متوسط العمر سيكون أبطأ».


مقالات ذات صلة

الصين: «كوفيد - 19» نشأ في الولايات المتحدة

آسيا رجل يمر أمام مجسمَيْن لفيروس «كورونا» (رويترز)

الصين: «كوفيد - 19» نشأ في الولايات المتحدة

أعادت الصين تكرار مزاعمها بأن «كوفيد - 19» ربما نشأ في الولايات المتحدة، وذلك في تقرير أصدرته أمس الأربعاء حول استجابتها للجائحة.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب يُروِّج لنظرية «تسرب كورونا من المختبر» عبر موقع «كوفيد» الحكومي

يدعم موقع إلكتروني اتحادي متخصص في فيروس «كوفيد-19»، كان يعرض معلومات عن اللقاحات والفحوصات والعلاج، الآن، نظرية أن الوباء نشأ نتيجة تسرب من مختبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تعرض الصفحة التي تشبه ملصقاً لأحد أفلام هوليوود عنواناً وهو «تسريب المختبر» (البيت الأبيض)

البيت الأبيض يدشن صفحة تدعم نظرية نشوء «كورونا» داخل مختبر

دشّن البيت الأبيض، الجمعة، صفحة إلكترونية جديدة حول أصول نشأة فيروس كورونا، على موقعه الرسمي يدعم فيها النظرية القائلة بأن «كوفيد-19» نشأ داخل مختبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس «كورونا المستجد» بقسم «كوفيد - 19» داخل مستشفى في بيرغامو... 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية» تضع اللمسات الأخيرة على «اتفاق الجوائح»

تجتمع الدول الأعضاء بمنظمة الصحة العالمية، اليوم (الثلاثاء) في جنيف، على أمل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الجوائح، بعد التوصل إلى اتفاق «مبدئي» الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم مقر «منظمة الصحة العالمية» في جنيف (أ.ف.ب)

أعضاء «منظمة الصحة العالمية» يقتربون من اتفاق لمواجهة الأوبئة

يقترب أعضاء «منظمة الصحة العالمية» من التوصل إلى اتفاق بشأن معاهدة للاستعداد للأوبئة التي قد تحدث في المستقبل.


ماراثون بيروت... ولادة مدينة تغلب موتها

عنادٌ بيروتيّ بوجه الأقدار المُباغِتة (ماراثون بيروت)
عنادٌ بيروتيّ بوجه الأقدار المُباغِتة (ماراثون بيروت)
TT
20

ماراثون بيروت... ولادة مدينة تغلب موتها

عنادٌ بيروتيّ بوجه الأقدار المُباغِتة (ماراثون بيروت)
عنادٌ بيروتيّ بوجه الأقدار المُباغِتة (ماراثون بيروت)

لم تستيقظ بيروت، فجر الخميس، لتفتح عينيها على يومٍ عادي. استيقظت لتنهض من رمادها، وتُعلن مجدّداً تغلُّبَها على موتها. الساعة الرابعة قبل الشروق، بشَّرت موسيقى تسبق الشمس في الوصول بيومٍ ستحفظه الذاكرة.

هذا اللقاء البشري لم يكن يوماً مجرّد سباق (ماراثون بيروت)
هذا اللقاء البشري لم يكن يوماً مجرّد سباق (ماراثون بيروت)

ماراثون بيروت لم يكن يوماً مجرّد سباق. هذا العام تحديداً، هو نداء داخلي وصرخة حياة بعد زمن من الصمت. ما تأجَّل في نوفمبر (تشرين الثاني)، حين كانت المدينة تحترق، والوطن يئنّ، جاء اليوم ليولد من جديد في الأول من مايو (أيار)، كأنه عناد بيروتيّ بوجه الأقدار المُباغِتة. كأنَّ المدينة تقول: «أنا هنا، ما زلتُ أركض وأحلم».

الركض يجعلنا نرى الآخرين كما لم نرهم من قبل (ماراثون بيروت)
الركض يجعلنا نرى الآخرين كما لم نرهم من قبل (ماراثون بيروت)

في الواجهة البحرية، تجمَّع الناس. كل الأطياف؛ مَن يُشبهك ومَن لا يُشبهك؛ مَن يحمل جرحاً صغيراً، ومن أتى بجراحٍ لا تُحصَى. اجتمعوا ليركضوا معاً، لا نحو النهايات، وإنما نحو بدايات جديدة. فالركض في بيروت لا يُقاس بالأمتار. مقياسُه المعنى. هو فعلُ تحدٍّ ضدَّ السقوط، وحركة ضدَّ السكون، وإرادة أقوى من التعب.

كأنَّ المدينة تقول: «أنا هنا... ما زلتُ أركض وأحلم» (ماراثون بيروت)
كأنَّ المدينة تقول: «أنا هنا... ما زلتُ أركض وأحلم» (ماراثون بيروت)

امتلأت الشوارع بعدّائين تركوا خلفهم كل ما يُثقِل. لم تعُد الشوارع للشاحنات والأنين، وإنما للأقدام الحافية أحياناً وللقلوب المُشتعلة. هو يومٌ للذين لم يعرفوا قُدراتهم بأكملها، وللذين اختبروا الخسارة والنجاة، ولأولئك الذين يسيرون بذاكرة نازفة، أو بأمل أخير.

يؤمّنون مسارات نخبة العدّائين (ماراثون بيروت)
يؤمّنون مسارات نخبة العدّائين (ماراثون بيروت)

والركض يتجاوز كونه مسألة عضلات، فيبني علاقة مع الحياة. هو مواجهة مستمرّة مع الإرهاق، وإيمانٌ بأنَّ الألم يمكن أن يُنجِب المعنى. والعدّاء لا يهرب من الألم، بل يتقدَّم إليه. يلتهمه، ويصعد به، لأنه يعرف أنَّ المعاناة تُطهِّر، وأنَّ كل وجعٍ يُقرّب خطوة من الذات؛ ومن الحقيقة.

الصليب الأحمر والفرق الطبّية جاهزان ومستعدان (ماراثون بيروت)
الصليب الأحمر والفرق الطبّية جاهزان ومستعدان (ماراثون بيروت)

والركض أيضاً ليس رياضة فقط. الأهم أنه انكشاف. لحظة تُصغي فيها إلى صوتك الداخلي، وتكتشف كم من المعارك تخوضها في صمت. في كلّ خطوة نرمي أحمالاً، ونتخفَّف من قسوة العالم. نركض كي نتطهَّر من الضجيج. من الخذلان. من الركود العاطفي. ومن الخوف. فالركض، حين يكون صادقاً، يُقرّبك من نفسك أولاً، قبل خطّ النهاية.

اجتمعوا ليركضوا معاً نحو بدايات جديدة (ماراثون بيروت)
اجتمعوا ليركضوا معاً نحو بدايات جديدة (ماراثون بيروت)

نركض لنتذكّر أننا أحياء، وأنَّ الجسد، بكلّ ما فيه من ضعف وتعب، لا يزال قادراً على الاستمرار. وأنَّ القلب، رغم ثقله، لا يزال يعرف كيف يخفق. نركض لنتواضع؛ فالركض يجعلنا نرى الآخرين كما لم نرهم من قبل. كلنا متساوون على الطريق. لا شيء يُفرّقنا سوى مقدار ما نحمله من أمل.

في كلّ خطوة نرمي أحمالاً ونتخفَّف من قسوة العالم (ماراثون بيروت)
في كلّ خطوة نرمي أحمالاً ونتخفَّف من قسوة العالم (ماراثون بيروت)

والركض يُعلّمنا كيف نصغي، كيف نُثابر، كيف نحبّ الحياة رغم أوجاعها. يجعلنا نُبطئ لنفهم، ثم نُسرِع لنحيا. هو فعل وجودي. تمرين على أن نكون أفضل، في أجسادنا ونظرتنا للآخر، وفي علاقتنا بالزمن وبالمكان، وبأنفسنا.

في الركض، نتعلّم أنَّ الانتصار الحقيقي ليس أنْ نصل أولاً، بل ألا نتوقَّف عن المحاولة. أنْ نُكمل رغم العرق والألم وكلّ ما يدفعنا للاستسلام. نركض لنصبح أكثر إنسانية، وأكثر قرباً من المعنى.

الركض إيمانٌ بأنَّ الألم يمكن أن يُنجِب المعنى (ماراثون بيروت)
الركض إيمانٌ بأنَّ الألم يمكن أن يُنجِب المعنى (ماراثون بيروت)

السادسة والربع صباحاً، انطلق السباق: 42 كيلومتراً لعدّائي الماراثون، و21 أخرى لمَن اختار نصف الطريق. لكن لا أحد قطع نصف الشعور. جميعهم حملوا قلوباً ثقيلة وعيوناً تنظر إلى البعيد، حيث الوطن الذي يستحق أن نركض من أجله، لا أن نهرب منه.

مي الخليل لعبت دوراً محورياً في إنجاح الحدث (ماراثون بيروت)
مي الخليل لعبت دوراً محورياً في إنجاح الحدث (ماراثون بيروت)

الحياة لا تزال ممكنة... والأمل حيّ (ماراثون بيروت)
الحياة لا تزال ممكنة... والأمل حيّ (ماراثون بيروت)

كانت الساحة تعجّ بعيونٍ لم تعرف النوم، وأجسادٍ بالكاد استراحت. فماراثون بيروت ليس سباقاً عادياً. هو استحقاق روح وولادة ثانية. وهو إثبات للذات، وإعلانٌ بأنَّ لبنان لا يزال يملك ما يقدّمه. وتحت شعار: «تعوا نركض من النهاية للبداية ليبقى لبنان»، أُقيم السباق. شعارٌ كُتب بحبر الألم، لكنه نُطِق بصوت الأمل، تماماً مثل صوت الفنان ملحم زين وهو يغنّي أغنية هذه النسخة، «مِنْقلها للدني نحنا ما مننحني»، من كلمات نزار فرنسيس.

برعاية رئيس الجمهورية جوزيف عون وحضور رئيس الحكومة نواف سلام، نظّمت جمعية «بيروت ماراثون» سباق «أو إم تي بيروت ماراثون» في نسخته الـ21. رئيستها، مي الخليل، لعبت دوراً محورياً في إنجاح الحدث. هي التي لطالما حملت على عاتقها مَهمّة جمع اللبنانيين على أرض واحدة، ليُثبتوا معاً أنَّ الحياة لا تزال ممكنة، والأمل حيّ في قلب بيروت.

امتلأت الشوارع بعدّائين تركوا خلفهم كل ما يُثقِل (ماراثون بيروت)
امتلأت الشوارع بعدّائين تركوا خلفهم كل ما يُثقِل (ماراثون بيروت)

15 ألف عدّاء وعدّاءة من 38 دولة، احتشدوا في لحظة متوهِّجة. كان المشهد فعلَ مقاومة ضدَّ الحرب والتقسيم. فالماراثون، بما فيه من عرق ودموع، شكَّل ساحة سلام، وخريطة لوطنٍ يُرسم من جديد.

ثم أتى سباق الـ5 كيلومترات لتكتمل الصورة. هذا ليس سباقاً للسرعة، وإنما للمُشاركة. سباقٌ يحمل أصوات مَن لا يُسمَعون دائماً: ذوو الحاجات الخاصة، الناشطون، الحالمون، أولئك الذين ما زالوا يؤمنون. هو الركض من أجل العدالة، من أجل البلد القابل للحياة، من أجل أن يُسمَع الصوت، لا أنْ يُكتَم.

نركض لنصبح أكثر إنسانية وأكثر قرباً من المعنى (ماراثون بيروت)
نركض لنصبح أكثر إنسانية وأكثر قرباً من المعنى (ماراثون بيروت)

الانتصار الحقيقي ليس أنْ نصل أولاً بل ألا نتوقَّف عن المحاولة (ماراثون بيروت)
الانتصار الحقيقي ليس أنْ نصل أولاً بل ألا نتوقَّف عن المحاولة (ماراثون بيروت)

7 ساعات من الحماسة والعزيمة والوجوه التي تلمع بالعرق وتبتسم رغم كلّ شيء. وجوهٌ ترفض الخنوع. شخصياتٌ من مختلف القطاعات شاركت، وجمهور احتشد ليشاهد، ولكن أيضاً ليؤمن من جديد. شاشة «إل بي سي آي» نقلت المشهد الصاخب، وموسيقى الجيش عزفت النشيد، وأصوات الفنّ والرقص ملأت الفضاء.

لكن ما بقي بعد كلّ هذا؟ ما يبقى هو النبض. هو هذه الشعلة التي تُضاء كلَّ ماراثون. هو الإيمان بأنَّ بيروت، مهما تهدّمت، تعرف طريقها إلى الحياة. وأنَّ الركض، في النهاية، ليس هروباً من الدمار، وإنما ذهابٌ إليه؛ لمواجهته، وتحويله إلى معنى.

الركض في بيروت لا يُقاس بالأمتار وإنما بالمعنى (ماراثون بيروت)
الركض في بيروت لا يُقاس بالأمتار وإنما بالمعنى (ماراثون بيروت)

بيروت تركض لتثبت أنها جديرة دائماً بالأمل. كلّ خطوة تُحرّك حجراً من الركام، وكل نَفَسٍ يُبدِّد دخان حرائقها. ومن بين أنقاض الوحشة والخذلان، تولد مدينة جديدة. مدينة تركض من النهاية إلى البداية، من الوجع إلى الشفاء، ومن الخسارة إلى العَوَض. في بيروت، لا تنتهي القصص. نحن شهود على أنها ستظلُّ تُروى.