نازحون سوريون في «الركبان» عالقون بين التهميش والخوف من العودة

«الشرق الأوسط» ترصد أوضاع المخيم على الحدود الأردنية

نازحون سوريون في «الركبان» عالقون بين التهميش والخوف من العودة
TT

نازحون سوريون في «الركبان» عالقون بين التهميش والخوف من العودة

نازحون سوريون في «الركبان» عالقون بين التهميش والخوف من العودة

وجه نازحون سوريون في مخيم الركبان على الحدود الأردنية نداءً إنسانياً للأمين العام للأمم المتحدة، مطالبين بترحيلهم إلى دول أوروبية، بعد أن انحسرت خيارات العائلات المتبقية من سكان المخيم أمام الجوع والفقر ونقص كامل الخدمات الإنسانية والمعيشية وبين خيارات الأمم المتحدة بنقلهم إلى مناطق النظام السوري دون ضمانات لحمايتهم، بعد أن هجروا من مناطقهم وسيطرة ميليشيات إيرانية عليها في عملية «تغير ديمغرافي» شهدتها مناطق تدمر منذ سنوات، بحسب بيان صادر عن المجلس المحلي في المخيم.
ودخلت قبل أيام خمس حافلات لنقل أهالي المخيم إلى داخل المناطق السورية، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق في تصريحات صحافية، إن الشاحنات التي دخلت مخيم الركبان مؤخراً كانت لنقل الراغبين في مغادرة المخيم طوعاً، ونفى محاولة إعادة النازحين إلى مناطق سيطرة النظام السوري.
وقال ماهر العلي رئيس المجلس المحلي لعشائر تدمر والبادية السورية لـ«الشرق الأوسط» إنه وصلت خمس حافلات مدنية تابعة للأمم المتحدة لمكتب دمشق والهلال الأحمر السوري قبل أيام، لنقل الراغبين بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام من مخيم الركبان، بناء على طلب 80 عائلة من سكان المخيم، وأنه بعد وصولها لنقطة «شام الطبية»، قام أشخاص بالتهجم على أحد السائقين وضربه، وسحب بقية السيارات إلى نقطة أخرى، وحصلت مشاجرة بين الأشخاص الذين ضربوا السائق واقتادوا السيارات وبين العائلات الراغبة في مغادرة المخيم إلى مناطق النظام، ثم نقلت السيارات إلى منطقة «سوق الغنم»، وغادرت الحافلات بطلب من القوات التابعة للتحالف هناك بعد المشاجرة التي حصلت.
وأوضخ أن مكتب الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري أرسل للعالقين في مخيم الركبان قبل أسبوع من إرسال الحافلات التي ستنقل العائلات إلى مراكز الإيواء في مناطق النظام السوري رسائل اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منها توضح إجراءات وتعليمات إجلاء الراغبين من مخيم الركبان تتضمن دعوة لتسجيل من يرغب في العودة إلى الاتصال بأرقام حددتها الأمم في الرسالة، وأن مسؤولية أمن وسلامة المغادرين تكون على عاتق الجهات المسيطرة والقوات الحكومية السورية، وأن الراغبين بالعودة سيتم نقلهم إلى خمسة مراكز إيواء في حمص وبعد الحصول على الموافقات الأمنية وإنهاء فترة الحجر الصحي في هذه المراكز، يستطيع المغادرون إكمال طريقهم للوجهة التي يختارونها.
واعتبر العلي أن المبادرة التي دعت إليها البعثة الأممية في دمشق، خلت من الضمانات على سلامة وأمن العائدين من الملاحقات الأمنية، وبعد رفض العائلات المغادرة شدد النظام السوري الحصار على المخيم، ومنع وصول الطحين إليه، بعد رفض بعض أهالي المخيم الخروج إلى مناطق سيطرته قبل أيام في إطار مبادرة الأمم المتحدة الأخيرة.
وأكد أن آخر قافلة مساعدات أممية دخلت قبل أكثر من عامين إلى منطقة مخيم «الركبان» ليعتمد بعد ذلك سكان المخيم على المواد المهربة من مناطق النظام والتي يتحكم تجار تابعون له بكمياتها وأسعارها. كما أغلقت النقطة الطبية، التي كانت في الجهة المقابلة للمخيم داخل الأراضي الأردنية، في حين لا يوجد في المخيم أي طبيب، ويقتصر الأمر على عدد من المتطوعين ممن اكتسبوا خبرات صحية ميدانية، ‏ ‏‏وعلى زيارات يقوم بها الفريق الطبي التابع لمجلس العشائر ويقدم الخدمة الطبية‏ ومعاينة الأطفال والنساء والرجال، ولا تتوفر لديهم المعدات أو الأدوية اللازمة، ويبقى التوجه إلى مناطق النظام هو السبيل الوحيد لإنقاذ حياة من يتدهور وضعهم الصحي، في وقت تغيب عن المخيم وسائل الوقاية من فيروس كورونا، ولا تتوفر في المخيم كمامات أو ملابس واقية، وغياب ثقافة الإجراءات الوقائية بالكامل بين أفراد المجتمع هناك، بسبب تهميش المخيم منذ سنوات من المنظمات الإنسانية.
وأضاف أن المساعدات الإنسانية والطبية التي كانت تصل إلى المخيم عبر الأردن توقفت منذ عام 2018. بعد أن كانت توفر لهم مساعدات إنسانية وغذائية وتعليمية وطبية، وكانت تسمح بنقل الحالات الطبية الحرجة وحالات الولادة إلى مشافي مخيمات النازحين السوريين داخل الأردن وبعد انتهاء فترة العلاج يتم إعادته إلى المخيم، كما كانت توفر مياه الشرب وفتحت منظمات طبية نقطة إسعافية في المخيم، وغيرها من أساسيات الحياة، وتوقفت كل هذه الخدمات منذ عام 2018 - 2019.
ويقول أحد سكان المخيم لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا جهود تذكر لسد حاجات النازحين من الغذاء والدواء، وبعضهم يغادر الحياة نتيجة لنقص مقومات الحياة كافة، فكل شيء معدوم وغير متوفر، وتعتمد الأهالي على المساعدات الذاتية والمقدمة من ذويهم في المهجر، فيشترون الغذاء والدواء اللازم من تجار يصلون المخيم من مناطق سورية، وبأسعار باهظة جداً يعجز الكثيرون عليها».
وأضاف أن عدد المرضى تتزايد ولا تدخل المخيم أي منظمة إنسانية أو طبية لتقديم العلاج لسكانه منذ عام 2018، وكثيرون فارقوا الحياة نتيجة عدم تلقي العلاج اللازم أو توفر الدواء.
وتنتشر الأمية بين أبناء المخيم ولا يوجد أي مركز تعليمي، أو نشاط تعليمي في المخيم، جيل بأكمله أصبح أمياً وجاهلاً، وحتى الخيام التي يقطنها النازحون يشترونها على حسابهم ونفقتهم الخاصة.
وأفاد أن الأمم المتحدة في سوريا لم تقدم مساعدات للمخيم منذ عام 2019 حينها قدمت سلات غذائية للأهالي، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل سكانه على أي مساعدات أممية أو دولية. ورغم مناشدات عديدة وجهها سكان المخيم لقوات التحالف في التنف وللأردن وللأمم المتحدة في سوريا إلا أن الأهالي تلقت وعوداً فقط منذ سنوات.
وزاد أن مخيم الركبان أقيم منذ عام 2014 وكان عدد سكانه 70 ألف نسمة ونتيجة الأوضاع الإنسانية المتردية والتهميش الكبير من قبل الأطراف الدولية والإقليمية شهد المخيم أكبر عملية عودة إلى مناطق سيطرة النظام السوري بإشراف وتنسيق مع الأمم المتحدة ونقل 60 ألف نسمة من مخيم الركبان في عام 2018 إلى مناطقهم في دير الزور وحمص والقلمون، مقابل إجراء تسويات للعائدين وضمان عدم ملاحقتهم، ولكن خروقات قوات النظام السوري بتنفيذ اعتقالات وسحب للخدمة العسكرية للشباب من أبناء المخيم العائدون كانت كثيرة.
وتابع: «لا خيارات تركت لساكن المخيم فكثيرون رافضون العودة إلى مناطق النظام السوري خوفاً من الاعتقالات أو الانتهاكات، والبقاء في مخيم الركبان رغم رداءة الحياة فيه والبقاء به أشبه بانتظار الموت، وما يزال الكثير منهم متمسك بمطالب الترحيل إلى مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري شمالي سوريا، أو تأمين المخيم من مقومات الحياة لا أكثر، وآخرون أجبرتهم الظروف القاسية في المخيم على اختيار العودة إلى مناطق النظام ومواجهة المصير المجهول هناك»، وإن القوات في قاعدة التنف غير مسؤولة عن المخيم، وإنهم لا يتواصلون بأي مدني داخل المخيم، ولا تمنع من يريد الذهاب إلى مناطق النظام من ذلك، وتسمح لقوافل الأمم المتحدة الوصول إلى المخيم ودخول منطقة 55 كم التي يوجد بها المخيم وتأمينها من قبل قوات مغاوير الثورة التابعة للتحالف.
ويعاني خمسة آلاف نازح في مخيم الركبان أوضاعاً إنسانية صعبة في مخيم وسط صحراء الركبان عند منطقة التنف، بسبب قلة المساعدات الغذائية والإنسانية، وانعدام الخدمات الطبية، وانقطاع المساعدات الإنسانية عن المخيم منذ عام 2018، رغم وجوده في منطقة أمنية تابعة للتحالف الدولي عند قاعدة التنف الأميركية على الحدود بين سوريا والأردن والعراق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».