«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال

الأزمة مع السعودية ممتدة رغم تدخل القصر والوسطاء.. في انتظار اعتذار أو استقالة

«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال
TT

«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال

«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال

في كتابه «الشعب النائم» يقول رئيس الوزراء السويدي رئيس حزب المحافظين السابق فريدريك راينفيلد الذي أدار دفة البلاد مدة 8 سنوات إن «موجة الرأي العام قد يصنعها مغفل يلقي نكتة سمجة في وجه الشرطة.. فتصنع كراهية الشرطة وإجراءاتها موجة رأي عام تصل إلى أعلى مراتب المسؤولية، لكن الأخطر أن يلقي تلك النكتة السمجة مسؤول حكومي محلف يثبت أنه يفتقد إلى اللياقة في اختيار العبارات الدبلوماسية التي تحفظ للشعب الرفعة وللبلاد المكانة».
ويبدو أن راينفيلد الذي اختار العزلة بعد 8 سنوات من إدارة شؤون السياسة السويدية، (2006 - 2014) اكتشف باكرا خطورة وأهمية التصريحات والكلمات التي يلقيها السياسيون أمام الرأي العام ووسائل الإعلام. وقد عصفت بالسويد خلال الأسابيع القليلة الماضية، أزمة دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، جراء تصريحات أطلقتها وزيرة الخارجية السويدية ضد القضاء في السعودية، كادت تطيح بثوابت السياسة الخارجية السويدية ومشاريع العمل الصناعي والتجاري المشترك مع مجموعة الدول العربية ودول الخليج والسعودية بشكل خاص. ويواجه تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة وهو ما اصطلح عليه تحالف الخضر والحمر، مأزقا حرجا في وقت يبحث فيه عن مخرج للأزمة التي أخرج بها السياسة السويدية من جادة الاعتدال.

الخبير السياسي المختص بمتابعة تأثير اللوبي ومجموعات الضغط في السويد أردولان صميمي، قد أشار في أحد أحاديثه إلى «الخيط الرفيع الذي يمشي عليه الدبلوماسيون والمتحدثون الرسميون وهم يتحملون مسؤولية كل خطأ في الحديث أو إعلان البيانات المتعلقة بالسياسات الخارجية عند إعلانها أمام وسائل الإعلام» وشبه ذلك الخيط الرفيع بأنه «كالحبل الذي يمشي عليه مهرج السيرك.. إن اختل سقط وإن واصل توازنه عبر إلى الجهة الأخرى بسلام».
والحق هنا أن ما ذهب إليه رئيس الوزراء السويدي السابق أو الخبير السياسي، ينطبق تماما على حالة الارتجال التي مثلتها تصريحات وزيرة الخارجية السويدية «مارغوت فالستروم» ضد القضاء في المملكة العربية السعودية والتي أدت إلى أزمة دبلوماسية متواصلة لها أبعاد تجارية واقتصادية كبيرة مؤثرة في واردات السويد ونشاط شركاتها الاقتصادي.
وغمز الباحث والدبلوماسي السويدي السابق بير أندشون، من قناة، وزيرة الخارجية السويدية «فالستروم»، حين انتقد تصريحاتها ضد القضاء السعودي قائلا إنها تصريحات تفتقد إلى اللياقة الدبلوماسية لأنها أثارت أزمة دبلوماسية عارمة كادت تطيح بثوابت السياسة الخارجية السويدية ومشاريع العمل الصناعي والتجاري المشترك مع مجموعة الدول العربية ودول الخليج والسعودية بشكل خاص، وتابع يقول: «ثم جاء موقف الحكومة في إيقاف اتفاقية التعاون مع السعودية من طرف واحد وهو الأمر الذي زاد من تأزم العلاقات بين بلدينا».
لم تمض هذه الخطوات بشكل سلس، بل جوبهت بحملات مضادة قاسية، أكبرها من «مجموعة الثلاثين» والتي تعرف اختصارا باسم «كيميفيك» والمكونة من أكبر 31 شركة سويدية كبرى، حيث أصدرت بيانا على لسان «كرستينا ستينبيرك» عارضت فيه تصريحات الوزيرة فالستروم ودعت إلى أهمية احترام الاتفاقات والمواثيق التي تضمن العلاقات المشتركة مع السعودية. غير أن الحكومة السويدية تصرفت بطريقة تفتقد إلى التوازن حين ألغت الاتفاقية من جانب واحد يوم 10 مارس (آذار) 2015 مما حدا بتجمع الشركات الثلاثين إلى إصدار بيان يشير إلى خطأ الحكومة السويدية ومعارضة هذا الإجراء الذي يعرض مصالح السويد الكبرى إلى الخطر.
كانت السعودية قد وقعت في أبريل (نيسان) من عام 2005 اتفاقية ثنائية مع مملكة السويد للتعاون الفني والصناعي والتجاري أيام رئيس الوزراء الأسبق «يوران بيرشون» في شهر أبريل من نفس العام، ثم دخلت حيز التنفيذ في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته. وتضم الاتفاقية فصولا وأبوابا تنظم العمل المشترك بين البلدين الذي اعتبرت السعودية إثر تفعيله ثالث أفضل المتعاملين تجاريا مع السويد في إطار الاتفاقية.
وكانت الاتفاقية قد كرست في ديباجتها «أهمية العمل الثنائي بين السويد والسعودية من أجل إنماء فرص الإنتاج وتطوير الوسائل المستخدمة في التنمية والبناء» كما كشفت بعض الوثائق الصحافية عام 2008.
وكان الكاتبان بو غوران ودانيال أومان «قد كشفا عام 2008 بنودا مختلفة من الاتفاقية وأشارا إلى محاولات حكومة المحافظين يومذاك برئاسة (فريدريك راينفيلد) تعويق تنفيذ بعض بنود الاتفاقية والحد من فرص تنفيذ الجانب العسكري المتعلق بالتصنيع من تلك الاتفاقية مع الرياض».

* جذور الأزمة
* تعود جذور الأزمة إلى مشكلة تجديد اتفاقية التعاون المشترك التي وقعها البلدان لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد، وتنظم التبادل التجاري والصناعي واستثمارات الشركات السويدية وتوريداتها لمشاريع التنمية السعودية. وكانت السعودية قد أبلغت الجانب السويدي عن رغبتها بمراجعة بنود الاتفاقية أكثر من مرة قبل أن تجددها حكومة المحافظين عام 2010 وأصبحت نافذة لغاية عام 2015.
وتضم الاتفاقية بنودا تخص الصناعات العسكرية إلى جانب التنصيص على مدى واسع من الميادين المدنية والفنية والتكنولوجية للاستثمارات والخبرات السويدية. وقد بلغ حجم الواردات السويدية جراء ذلك خلال السنوات العشر المنصرمة، أكثر من 13 مليار دولار سنويا، فضلا عن عمل المئات من المتخصصين والفنيين السويديين في مشاريع الإنماء والسكن والصناعة والصحة والتعليم وغيرها من ميادين العمل في السعودية. وبلغت المشتريات وفق الاتفاقية عام 2014 نحو 37 مليون يورو بحيث احتلت السعودية ثالث أكبر مشتر من السويد، وكان ماركوس لنبيري المتحدث باسم شركة ساب، قد وصف ذلك بأنه تعبير عن مستوى الثقة التي تحظى بها الصناعة السويدية لدى السعودية كدولة مهمة من دول الشرق الأوسط.
وفي أوائل مارس 2015 أبلغت الإدارة السعودية المختصة الحكومة السويدية عبر الوسائل الدبلوماسية أن للسعودية وجهات نظر فنية على بنود الاتفاقية التي ستنتهي مدتها في مايو (أيار) 2015 وطلبت إعادة النظر فيها أو إلغاءها. وإثر ذلك صرح رئيس الوزراء السويدي «ستيفان لوفين» في الرد على أسئلة وسائل الإعلام أنه هو والمختصون سيعكفون على مراجعة بنود الاتفاقية دون تأثيرات للرأي العام أو التجاذبات السياسية حرصا على مصالح السويد العليا.
ولكن من دون أية تمهيدات وقفت وزيرة الخارجية السويدية «مارغوت فالستروم» في جلسة مجلس النواب السويدي يوم 6 مارس وطالبت بإلغاء الاتفاقية ووجهت انتقادات للسعودية وألصقت التهم دون أي اعتبار لقواعد الدبلوماسية، ظنا منها أنها تحقق رصيدا لدى الرأي العام السويدي الذي كانت تشحنه وسائل إعلام وأحزاب ومجموعات عنصرية ضاغطة إلى جانب حزب البيئة الحليف في إدارة الحكومة الذي نادى بإلغاء الاتفاقية دون أي اعتبار سياسي أو دبلوماسي.
وقد واجهت المجموعة العربية في الجامعة العربية الحكومة السويدية ووزارة الخارجية باعتراضات شديدة على تصريحات الوزيرة وأبلغ الكثير من السفراء المعتمدين لدى السويد وزارة الخارجية عدم رضا البلدان العربية والإسلامية وقد تجاوزت الاعتراضات مدى جاوز المنظمات الإقليمية إلى دول حليفة وصديقة وقفت مع السعودية ضد اختراق قواعد الدبلوماسية بحجج حرية التعبير ضد السعودية.
وقد فوجئت الوزيرة خلال استضافتها في اجتماعات الجامعة العربية في القاهرة أن خطابها المقرر أمام مجلس الأمناء قد ألغي بضغط الدول الأعضاء والاكتفاء بحضورها ضيفة على الاجتماع. لكن التداعيات تجاوزت ذلك حين استدعت السعودية سفيرها المعتمد في السويد للتباحث ثم تلتها دولة الإمارات العربية، كما توافد سفراء الدول العربية المعتمدون على مقر الخارجية السويدية لإبلاغ اعتراضاتها على التصريحات غير المسؤولة التي أطلقتها الوزيرة المذكورة. والتقطت المعارضة السويدية القفاز وطالبت بسحب الثقة عن الحكومة، غير أنها فشلت في إدراك النصاب في البرلمان. وتطالب جهات الوزيرة السويدية الاعتذار، أو الاستقالة للخروج من الأزمة.
وحين ألغت السعودية عقب ذلك منح تأشيرات الدخول لرجال الأعمال والصناعيين والفنيين السويديين، قامت الدنيا عند مجتمع رجال الأعمال والمال السويديين، واتضحت تأثيرات الأزمة على الاقتصاد السويدي والشركات الإنتاجية والاستثمارية في السويد حتى بلغ ذلك الشركات المملوكة من قبل الأجانب المقيمين في السويد بصفتها شركات تنفيذية ميدانيا وأصبح مجموع الواردات التي سيحرم منها الاقتصاد السويدي حينئذ قرابة 15 مليار دولار سنويا فضلا عن تأثر أسواق الأسهم والمال داخل السويد بتلك النتائج السلبية الكبيرة لأخطاء الارتجال السياسي وكسر قواعد التعامل الدبلوماسي بين الشركاء.
ولم تتوقف تداعيات الأزمة، بل اتسعت لتشمل المفوضية الدائمة للاتحاد الأوروبي التي حاولت الاتصال بالجامعة العربية للتدخل لدى السعودية لتليين موقفها إزاء الأزمة. كما حاولت دول صديقة التواصل مع الجهات الدبلوماسية لتوفير جو من الحوار الثنائي. وشكلت 70 شركة سويدية مجموعة اتصال بالسعودية كما أعلنت الحكومة السويدية عن اجتماعات أزمة متعددة للوصول إلى حلول ممكنة.
واستدعت قوى المعارضة في البرلمانات وزيرة الخارجية مارغوت فالستروم إلى جلسة تحقيق مفتوحة حول جذور الأزمة ووجهت للوزيرة انتقادات حادة مما حدا بالوزيرة إلى محاولة تليين المواجهة البرلمانية والأزمة الدبلوماسية بالحديث عن استمرار التعاون الإيجابي مع السعودية كونها من أكبر الدول المانحة والدول التي تحارب العنف والإرهاب.

* حقائق
* يعطي المراقبون صورة واقعية لحاضر المجتمع والسياسة في السويد، وهو واقع يشكل حاضنة اجتماعية وسيكولوجية لحركة الفكر والسياسة، ويصفون المجتمع السويدي بشكل عام، بأنه مجتمع انطوائي، وربما هو مجتمع يميل إلى العزلة والفردية إلى حد ما. وقد تكرست تلك الصفة لزمن طويل بفعل الطبيعة الإسكندنافية الباردة والصعبة والمعزولة قرب القطب الشمالي وبفعل الجغرافيا القصية التي حفرت في الشخصية الإسكندنافية عميقا لأكثر من ألف عام وليس بفعل اختيار واع عام.
وتبدو الشخصية السويدية عموما غير واضحة نسبيا خلال عملية التواصل الاجتماعي مع الآخر، إما بفعل الخجل أو التردد في الوقوف أمام ثقافات أخرى كما يقولون.
ويؤكد المراقبون أن تلك العزلة الصعبة قد حولت المزاج السويدي إلى مزاج متقلب يميل إلى التغيير والتنقل والبحث عن التجديد للخروج من العزلة إلى فضاءات أخرى. وقد تجلى ذلك ليس فقط في ميل الشخصية السويدية لتغيير أماكن العمل أو عناوين السكن والهوايات ووجهات السفر في الإجازات الكثيرة التي يتمتع بها السويدي بل في الميل إلى تغيير الوجوه والصداقات والحكومات أيضا.
ولذلك كان واضحا في انتخابات سبتمبر (أيلول) عام 2014 أن الكفة تميل إلى انتخاب تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة وهو ما اصطلح عليه تحالف الخضر والحمر، بعد 8 سنوات من حكم تحالف يمين الوسط برئاسة حزب المحافظين التي امتلأت بكثير من المواجهات السياسية والفضائح والإشكالات.
وبالكاد أسفرت نتائج الانتخابات السويدية عن حكومة ذات أقلية برلمانية تتكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة، ولكنها حملت معها مفاجأة غير سارة إذ تقدم الحزب العنصري المضاد للعرب والأجانب والديانات «ديمقراطيو السويد» في الانتخابات واستطاع الحصول على 13 في المائة من مقاعد البرلمان إلى جانب الأغلبية المعارضة لتحالف يمين الوسط وهو أمر أخل بحلم الحمر والخضر في إدارة البلاد كما يشاءون.
ومنذ اليوم الأول حاول الحزب العنصري إسقاط الحكومة في البرلمان وتصدى للتصويت للميزانية التي قدمتها حكومة الحمر والخضر وأسقطها وكاد ذلك أن يعصف بالتحالف الحاكم لولا تدخل تحالف يمين الوسط التي فاز مشروع ميزانيته البديلة أو ميزانية الظل بالتصويت في البرلمان، واتفق التحالف اليميني مع الحمر والخضر، تحاشيا لفوضى سياسية تتطلب انتخابات تكميلية، قد تهدد بفوز ساحق للتيار العنصري وهكذا أصبحت حكومة الأقلية الفائزة حكومة موظفين من رئيس الوزراء ستيفان لوفين ورهط الوزراء من تيار اليسار الاشتراكي وعشاق البيئة.
وتأتي الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية التي فجرتها تصريحات وزيرة الخارجية ضد القضاء في السعودية لترسم صورة عن هشاشة في النظر إلى الحقائق الدولية الكبرى ونقص في اللياقة الأدبية رغم دعاوى الحقوق وحرية التعبير، ولتعطي حكومة الأقلية البرلمانية درسا في التروي في تقييم علاقات البلدان الثنائية وبخاصة مع مجموعات الدول المؤثرة والسعودية كدولة محورية في الشرق الأوسط والعالم.
وقد كتب محللون من بينهم المحلل السياسي المعروف «ستيفان هايمر ستون» مقالة مهمة بعنوان «وزيرة خارجية السويد بحاجة إلى وسائل امتصاص الصدمات» قال فيها: «إن الدبلوماسية السويدية تعرضت إلى واحدة من أخطر الأزمات غير المسبوقة حين وقفت وزيرة الخارجية أمام وسائل الإعلام لتلقي بيان يشبه خطب الهواة الذين يفتقدون إلى قواعد الدبلوماسية التي تتميز بانتقائية اللغة وحيادية الخطاب لتعرض علاقات بلادنا مع السعودية إلى أزمة لسنا بحاجة إليها.. ويبدو أنها سوف تكلفنا الكثير». ويبدو أن القصر الملكي السويدي هو الملاذ الأخير الذي لجأت إليه الحكومة، لتلافي تلك الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية الكبيرة مع السعودية، من خلال ما يتمتع به الملك كارل غوستاف السادس عشر، بحسب بيان القصر الملكي السويدي، من صلات تاريخية مع القيادة السعودية والتي تعبر عن مستوى رفيع من الترابط والعمل الثنائي المشترك مع الرياض.. لعل وعسى أن تجد طوق نجاة قبل أن تغرق في بحر مصير مجهول لا تحمد عقباه.



شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا
TT

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

إيشيبا
إيشيبا

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي الحر الحاكم. هذه الهزيمة جاءت إثر تبديل «استباقي» في زعامة الحزب المحافظ - المهيمن على السلطة في اليابان معظم الفترة منذ الخمسينات - في أعقاب قرار رئيس الحكومة السابق فوميو كيشيدا الاستقالة (حزبياً ومن ثم حكومياً) في أعقاب التراجع الكبير في شعبية الحزب، وتولّي غريمه الحزبي الأبرز شيغيرو إيشيبا المنصبَين. ومن ثم، دعا إيشيبا بنهاية سبتمبر (أيلول) الماضي إلى إجراء انتخابات عامة عاجلة ومبكّرة يوم 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن إجراء انتخابات عاجلة، انتهت بفقدان الائتلاف الحاكم المكوّن من الديمقراطيين الأحرار وحليفه حزب «كوميتو» الغالبية البرلمانية.

ألحق الناخبون اليابانيون الأحد الماضي هزيمة مؤلمة بالحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن مع استثناءات قليلة على حكم البلاد منذ عام 1955، وكانت هزيمته الأخيرة الأولى له التي تفقده الغالبية المطلقة في مجلس النواب منذ 15 سنة. وهنا، يتفق المراقبون على أن الحزب المحافظ والكبير النفوذ إنما حصد نقمة الشارع وغضبه بسبب التضخم المتصاعد والتباطؤ الاقتصادي وضعف قيمة العملة الوطنية «الين»، ناهيك من الفضائح المالية التي تورّطت بها قيادات حزبية، وصلات بعض الأعضاء بـ«كنيسة التوحيد» (الحركة المونية). وهكذا أخفق الحزب مع حليفه الصغير في جمع ما هو أكثر من 215 مقعداً من أصل 465 في حين كانت الغالبية المطلقة تحتاج إلى 233 مقعداً.

نكسة مبكرة للزعيم الجديد

هذه الهزيمة المريرة شكّلت أيضاً نكسة كبرى ومبكرة لزعيم الحزب ورئيس الوزراء الجديد شيغيرو إيشيبا، الذي أخفق رهانه بامتصاص النقمة الشعبية وترسيخ موقعه عبر الانتخابات المبكّرة.

وحقاً، أعلن إيشيبا في أول تعليق له على النتيجة نقلته شبكة «سي إن إن» الأميركية، أن الناخبين «أصدروا حكماً قاسياً» بحق حزبه الذي عليه أن «يأخذه بجدية وامتثال». لكنه أردف أنه لا يعتزم التنحي من رئاسة الحكومة، موضحاً «بالنسبة لي، فإنني سأعود إلى نقطة البداية، وأسعى للدفع قدماً بتغييرات داخل هيكل الحزب، وتغييرات أخرى أعمق لمواجهة الوضع السياسي». وفي حين ذكر إيشيبا أنه ليس لدى الحزب أي فكرة جاهزة لتحالف جديد فإن كل سياسات الحزب ستكون مطروحة على بساط البحث.

بطاقة هوية

وُلد شيغيرو إيشيبا يوم 4 فبراير (شباط) 1957 لعائلة سياسية مرموقة، مثله في ذلك الكثير من ساسة الحزب الديمقراطي الحر. إذ إن والده جيرو إيشيبا كان محافظاً لإقليم توتوري، الريفي القليل السكان بجنوب غرب اليابان، بين عامي 1958 و1974، قبل أن تُسند إليه حقيبة وزارة الداخلية. من الناحية الدينية، رئيس الوزراء الحالي مسيحي بروتستانتي تلقى عمادته في سن الـ18 في توتوري، كما أن جد أمّه قسٌّ من روّاد المسيحية في اليابان.

تلقّى شيغيرو دراسته الجامعية وتخرّج مجازاً بالحقوق في جامعة كييو، إحدى أعرق جامعات اليابان الخاصة، ومقرها العاصمة طوكيو، وفيها التقى زوجته المستقبلية يوشيكو ناكامورا، وهما اليوم والدان لابنتين.

وبعد التخرّج توظّف في مصرف «ميتسوي»، قبل أن يسير على خُطى والده فيدخل ميدان السياسة بتشجيع من صديق والده ورئيس الوزراء الأسبق كاكوي تاناكا (1972 - 1974).

وبالفعل، انتُخب وهو في سن التاسعة والعشرين، عام 1986، نائباً عن الديمقراطيين الأحرار في البرلمان (مجلس النواب) عن دائرة توتوري الموسّعة حتى عام 1996، ثم عن دائرة توتوري الأولى منذ ذلك الحين وحتى اليوم. وعُرف عنه طوال هذه الفترة اهتمامه ودرايته بملفّي الزراعة والسياسة الدفاعية. وحقاً، خدم لفترة نائباً برلمانياً لوزير الزراعة في حكومة كييتشي ميازاوا.

مسيرة سياسية مثيرة

في واقع الأمر، لم تخلُ مسيرة شيغيرو إيشيبا السياسية من الإثارة؛ إذ تخللها ليس فقط الترّقي في سلّم المناصب باتجاه القمّة، بل شهدت أيضاً مواقف اعتراضية واستقلالية وضعته غير مرة في مسار تصادمي مع حزبه وحزب والده.

في عام 1993، خرج من صفوف حزبه الديمقراطي الحر ليلتحق بحزب «تجديد اليابان» الذي أسسته قيادات منشقة عن الحزب بقيادة تسوتومو هاتا (رئيس الوزراء عام 1994) وإيتشيرو أوزاوا (وزير داخلية سابق) حتى عام 1994. ثم انتقل إلى حزب «الحدود الجديدة» الذي أُسس نتيجة اندماج «تجديد اليابان» مع قوى أخرى، وفيه مكث بين 1994 و1996، وبعدها ظل نائباً مستقلاً إلى أن عاد إلى صفوف الديمقراطيين الأحرار ويستأنف ضمن إطار الحزب الكبير ترقّيه السياسي السريع ضمن قياداته.

في أعقاب العودة عام 1997، تبوّأ إيشيبا عدداً من المسؤوليات، بدأت بمنصب المدير العام لوكالة الدفاع – أي حقيبة وزير الدفاع منذ أواخر 2007 –. ولقد شغل إيشيبا منصب وزير الدفاع بين عامي 2007 و2008 في حكومتي جونيتشيرو كويزومي وياسوو فوكودا، ثم عُيّن وزيراً للزراعة والغابات والثروة السمكية في حكومة تارو آسو بين 2008 و2009. وكذلك، تولّى أيضاً منصب الأمين العام للحزب الديمقراطي الحر بين 2012 و2014.

مع الأخذ في الاعتبار هذه الخلفية، كان طبيعياً أن يدفع طموح إيشيبا الشخصي هذا السياسي الجريء إلى التوق لخوض التنافس على زعامة الحزب، وبالتالي، رئاسة الحكومة.

بالمناسبة، جرّب شيغيرو إيشيبا حظه في الزعامة مرّات عدة. وكانت المرة الأولى التي يرشح نفسه فيها عام 2008 إلا أنه في تلك المنافسة احتل المرتبة الخامسة بين المتنافسين. بعدها رشح نفسه عامي 2012 و2018، وفي المرتين كان غريمه رئيس الوزراء الأسبق الراحل شينزو آبي... «وريث» اثنتين من السلالات السياسية اليابانية البارزة، والزعيم الذي شغل منصب رئاسة الحكومة لأطول فترة في تاريخ المنصب.

ثم في أعقاب استقالة آبي (الذي اغتيل عام 2022) لأسباب صحية عام 2020، رشّح إيشيبا نفسه، إلا أنه خسر هذه المرة وجاء ثالثاً، وذهبت الزعامة ورئاسة الحكومة ليوشيهيدي سوغا. وفي العام التالي، بعدما أحجم إيشيبا عن خوض المنافسة، فاز الزعيم ورئيس الحكومة السابق السابق فوميو كيشيدا. بيد أن الأخير قرّر في أغسطس (آب) أنه لن يسعى إلى التجديد الموعد المقرر في سبتمبر (أيلول). وهكذا، بات لا بد من الدعوة إلى إجراء انتخابات الزعامة الأخيرة التي فاز بها إيشيبا، متغلباً بفارق بسيط وفي الدورة الثانية على منافسته الوزيرة اليمينية المتشدّدة ساني تاكاييشي، التي كانت تصدرت دور التصويت الأولى. وهكذا، صار زعيماً للحزب الديمقراطي الحر ومرشحه لرئاسة الحكومة الرسمي، وعلى الأثر، اختاره مجلس النواب رئيساً للوزراء في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم.

أفكاره ومواقفه

على الرغم من طول بقاء إيشيبا في قلب الحلبة السياسية، فإن طبيعته الاستقلالية، عقّدت أمام المحللين وضعه في خانة واضحة. فهو تارة يوصف بأنه وسطي ليبرالي، تارة أخرى يوصف بـ«الإصلاحي»، وفي أحيان كثيرة يُعرّف بأنه يميني محافظ، بل متشدد. ومما لا شك فيه، أن طبيعة تركيبة الحزب الديمقراطي الحرّ، القائمة على أجنحة تسمح بتعدّد الولاءات الشخصية وتوارثها داخل أروقة تلك الأجنحة، وهذا من دون أن ننسى أن بداية الحزب نفسه جاءت من اندماج حزبين محافظين هما الحزب الحر (الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني عام 1955.

على المستوى الاجتماعي، أبدى إيشيبا مواقف متحررة في عدد من القضايا بما في ذلك تأييده شخصياً زواج المثليين، كما أنه من مؤيدي ترك الخيار لكل من الزوجين بالاحتفاظ بالاسم الأصلي قبل الزواج. أما على الصعيد الاقتصادي، وتأثراً بكونه ممثلاً لمنطقة ريفية قليلة السكان، فإنه أبدى ولا يزال اهتماماً كبيراً بالتناقص السكاني وضرورة الاهتمام بالاقتصاد الريفي؛ ما يعني العمل على تقليص الفوارق بين الحواضر الغنية والأرياف الفقيرة.

لم تخلُ مسيرة إيشيبا السياسية من الإثارة... إذ اتخذ مواقف اعتراضية واستقلالية

وضعته أكثر من مرة في مسار تصادمي مع حزبه

السياسة الدولية

في ميدان العلاقات الخارجية والسياسة الدولية، تُعرف عن إيشيبا مواقفه المتشددة المتوافقة مع أفكار التيار المحافظ داخل الحزب الحاكم، وبالأخص إزاء التصدي لخطر نظام كوريا الشمالية وقضية تايوان، حيث يقف بقوة بجانب نظامها الديمقراطي في وجه التهديد الصيني.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، حليف اليابان الأكبر، رأى رئيس الوزراء الحالي قبل أشهر أن سبب إحجام واشنطن عن الدفاع هو أن أوكرانيا ليست عضواً في حلف دفاع مشترك مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو). واستطراداً، في ربط الوضع الأوكراني بحالة تايوان، يعتبر إيشيبا أن تأسيس حلف أمني آسيوي خطوة ضرورية لردع أي هجوم صيني على تايوان، لا سيما في «التراجع النسبي» في القوة الأميركية.

وفي التصور الذي عبَّر عنه إيشيبا بـ«ناتو» آسيوي يواجه تهديدات روسيا والصين وكوريا الشمالية، يجب أن يضم الحلف العتيد دولاً غربية وشرقية منها فرنسا، وبريطانيا وألمانيا، وكذلك الهند، والفلبين، وكوريا الجنوبية، وأستراليا وكندا.

من جهة ثانية، تطرّق إيشيبا خلال الحملة الانتخابية إلى التحالف الأميركي - الياباني، الذي وصفه بأنه «غير متوازٍ» ويحتاج بالتالي إلى إعادة ضبط وتوازن. وكان في أول مكالمة هاتفية له بعد ترؤسه الحكومة اليابانية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، أعرب عن رغبته في «تعزيز الحلف» من دون أن يعرض أي تفاصيل محددة بهذا الشأن، ومن دون التطرق إلى حرصه على إجراء تغييرات في الاتفاقيات الثنائية كي يتحقق التوازن المأمول منها.

التداعيات المحتملة للنكسة الانتخابية الأخيرة

في أي حال، نكسة الحزب الديمقراطي الحر في الانتخابات العامة الأخيرة تفرض على شيغيرو إيشيبا «سيناريو» جديداً ومعقّداً... يبداً من ضمان تشكيلة حكومة موسّعة تخلف حكومته الحالية، التي لا تحظى عملياً بتفويض شعبي كافٍ. وهذا يعني الانخراط بمساومات ومفاوضات مع القوى البرلمانية تهدف إلى تذليل العقبات أمامه.

المهمة ليست سهلة حتماً، لكن خبرة الساسة اليابانيين التقليديين في التفاوض والمساومات أثبت فعالياتها في مناسبات عدة، بما فيها الفضائح وانهيار التحالفات، وكانت دائماً تثمر عقد صفقات طارئة حتى مع القوى المناوئة.

شينزو آبي (آ. ب.)

 

حقائق

رؤساء وزارات اليابان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية

في عام 1955، أي بعد مرور عقد من الزمن على هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، التقى حزبان سياسيان يمينيان وتفاهما على الاندماج في حزب تحوّل ما يشبه الظاهرة في الأنظمة الديمقراطية في العالم.الحزبان المقصودان هما الحزب الحر (أو الحزب الليبرالي) والحزب الديمقراطي الياباني، ولقد نتج من هذا الاندماج الحزب الديمقراطي الحر، الذي هيمن على مقدرات السياسة اليابانية منذ ذلك الحين باستثناء خمس سنوات، فقط خسر فيها السلطة لقوى معارضة أو منشقة عنها. وطوال الفترة التي تقرب من 70 سنة خرج من قادة الحزب الكبير زعماء نافذون رسخوا الاستقرار ورعوا الاستمرارية وأسهموا، بالتالي، في تحقيق «المعجزة الاقتصادية» اليابانية المبهرة.وفيما يلي، أسماء رؤساء الحكومات التي تولت السلطة منذ منتصف الخمسينات:- الأمير ناروهيكو هيغاشيكوني (من الأسرة المالكة) 1945- البارون كوجيرو شيديهارا (مستقل) 1945 – 1946- شيغيرو يوشيدا (الحزب الحر) 1946 – 1947- تيتسو كاتاياما (الحزب الاشتراكي) 1947 – 1948- هيتوشي آشيدا (الحزب الديمقراطي) 1948- شيغيرو يوشيدا (الحزب الديمقراطي الليبرالي / الحزب الحر) 1948 – 1954- إيتشيرو هاتاياما (الحزب الديمقراطي الياباني / الحزب الديمقراطي الحر) 1954 – 1956- تانزان إيشيباشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1956 – 1957- نوبوسوكي كيشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1957 – 1960- هاياتو إيكيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 1960 – 1964- إيساكو ساتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1964 – 1972- كاكوي تاناكا (الحزب الديمقراطي الحر) 1972 – 1974- تاكيو ميكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1974 – 1976- تاكيو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 1976 – 1978- ماسايوشي أوهيرا (الحزب الديمقراطي الحر) 1978 – 1980- زينكو سوزوكي (الحزب الديمقراطي الحر) 1980 – 1982- ياسوهيرو ناكاسوني (الحزب الديمقراطي الحر) 1982 – 1987- نوبورو تاكيشيتا (الحزب الديمقراطي الحر) 1987 – 1989- سوسوكي أونو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989- توشيكي كايفو (الحزب الديمقراطي الحر) 1989 – 1991- كيئيتشي ميازاوا (الحزب الديمقراطي الحر) 1991 – 1993- موريهيرو هوسوكاوا (الحزب الياباني الجديد) 1993 – 1994- تسوتومو هاتا (حزب «تجديد اليابان») 1994- توميئيتشي موراياما (الحزب الاشتراكي) 1994 – 1996- ريوتارو هاشيموتو (الحزب الديمقراطي الحر) 1996 – 1998- كايزو أوبوتشي (الحزب الديمقراطي الحر) 1998 – 2000- يوشيرو موري (الحزب الديمقراطي الحر) 2000 – 2001- جونيتشيرو كويزومي (الحزب الديمقراطي الحر) 2001 – 2006- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2006 – 2007- ياسوو فوكودا (الحزب الديمقراطي الحر) 2007 – 2008- تارو آسو (الحزب الديمقراطي الحر) 2008 – 2009- يوكيو هاتوياما (الحزب الديمقراطي الياباني) 2009 – 2010- ناوتو كان (الحزب الديمقراطي الياباني) 2010 – 2011- يوشيهيكو نودا (الحزب الديمقراطي الياباني) 2011 – 2012- شينزو آبي (الحزب الديمقراطي الحر) 2012 – 2020- يوشيهيدي سوغا (الحزب الديمقراطي الحر) 2020 – 2021- فوميو كيشيدا (الحزب الديمقراطي الحر) 2021 – 2024- شيغيرو إيشيبا (الحزب الديمقراطي الحر) 2024.....