«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال

الأزمة مع السعودية ممتدة رغم تدخل القصر والوسطاء.. في انتظار اعتذار أو استقالة

«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال
TT

«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال

«تحالف الخضر والحمر».. الذي أخرج السياسة السويدية من جادة الاعتدال

في كتابه «الشعب النائم» يقول رئيس الوزراء السويدي رئيس حزب المحافظين السابق فريدريك راينفيلد الذي أدار دفة البلاد مدة 8 سنوات إن «موجة الرأي العام قد يصنعها مغفل يلقي نكتة سمجة في وجه الشرطة.. فتصنع كراهية الشرطة وإجراءاتها موجة رأي عام تصل إلى أعلى مراتب المسؤولية، لكن الأخطر أن يلقي تلك النكتة السمجة مسؤول حكومي محلف يثبت أنه يفتقد إلى اللياقة في اختيار العبارات الدبلوماسية التي تحفظ للشعب الرفعة وللبلاد المكانة».
ويبدو أن راينفيلد الذي اختار العزلة بعد 8 سنوات من إدارة شؤون السياسة السويدية، (2006 - 2014) اكتشف باكرا خطورة وأهمية التصريحات والكلمات التي يلقيها السياسيون أمام الرأي العام ووسائل الإعلام. وقد عصفت بالسويد خلال الأسابيع القليلة الماضية، أزمة دبلوماسية مع المملكة العربية السعودية، جراء تصريحات أطلقتها وزيرة الخارجية السويدية ضد القضاء في السعودية، كادت تطيح بثوابت السياسة الخارجية السويدية ومشاريع العمل الصناعي والتجاري المشترك مع مجموعة الدول العربية ودول الخليج والسعودية بشكل خاص. ويواجه تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة وهو ما اصطلح عليه تحالف الخضر والحمر، مأزقا حرجا في وقت يبحث فيه عن مخرج للأزمة التي أخرج بها السياسة السويدية من جادة الاعتدال.

الخبير السياسي المختص بمتابعة تأثير اللوبي ومجموعات الضغط في السويد أردولان صميمي، قد أشار في أحد أحاديثه إلى «الخيط الرفيع الذي يمشي عليه الدبلوماسيون والمتحدثون الرسميون وهم يتحملون مسؤولية كل خطأ في الحديث أو إعلان البيانات المتعلقة بالسياسات الخارجية عند إعلانها أمام وسائل الإعلام» وشبه ذلك الخيط الرفيع بأنه «كالحبل الذي يمشي عليه مهرج السيرك.. إن اختل سقط وإن واصل توازنه عبر إلى الجهة الأخرى بسلام».
والحق هنا أن ما ذهب إليه رئيس الوزراء السويدي السابق أو الخبير السياسي، ينطبق تماما على حالة الارتجال التي مثلتها تصريحات وزيرة الخارجية السويدية «مارغوت فالستروم» ضد القضاء في المملكة العربية السعودية والتي أدت إلى أزمة دبلوماسية متواصلة لها أبعاد تجارية واقتصادية كبيرة مؤثرة في واردات السويد ونشاط شركاتها الاقتصادي.
وغمز الباحث والدبلوماسي السويدي السابق بير أندشون، من قناة، وزيرة الخارجية السويدية «فالستروم»، حين انتقد تصريحاتها ضد القضاء السعودي قائلا إنها تصريحات تفتقد إلى اللياقة الدبلوماسية لأنها أثارت أزمة دبلوماسية عارمة كادت تطيح بثوابت السياسة الخارجية السويدية ومشاريع العمل الصناعي والتجاري المشترك مع مجموعة الدول العربية ودول الخليج والسعودية بشكل خاص، وتابع يقول: «ثم جاء موقف الحكومة في إيقاف اتفاقية التعاون مع السعودية من طرف واحد وهو الأمر الذي زاد من تأزم العلاقات بين بلدينا».
لم تمض هذه الخطوات بشكل سلس، بل جوبهت بحملات مضادة قاسية، أكبرها من «مجموعة الثلاثين» والتي تعرف اختصارا باسم «كيميفيك» والمكونة من أكبر 31 شركة سويدية كبرى، حيث أصدرت بيانا على لسان «كرستينا ستينبيرك» عارضت فيه تصريحات الوزيرة فالستروم ودعت إلى أهمية احترام الاتفاقات والمواثيق التي تضمن العلاقات المشتركة مع السعودية. غير أن الحكومة السويدية تصرفت بطريقة تفتقد إلى التوازن حين ألغت الاتفاقية من جانب واحد يوم 10 مارس (آذار) 2015 مما حدا بتجمع الشركات الثلاثين إلى إصدار بيان يشير إلى خطأ الحكومة السويدية ومعارضة هذا الإجراء الذي يعرض مصالح السويد الكبرى إلى الخطر.
كانت السعودية قد وقعت في أبريل (نيسان) من عام 2005 اتفاقية ثنائية مع مملكة السويد للتعاون الفني والصناعي والتجاري أيام رئيس الوزراء الأسبق «يوران بيرشون» في شهر أبريل من نفس العام، ثم دخلت حيز التنفيذ في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته. وتضم الاتفاقية فصولا وأبوابا تنظم العمل المشترك بين البلدين الذي اعتبرت السعودية إثر تفعيله ثالث أفضل المتعاملين تجاريا مع السويد في إطار الاتفاقية.
وكانت الاتفاقية قد كرست في ديباجتها «أهمية العمل الثنائي بين السويد والسعودية من أجل إنماء فرص الإنتاج وتطوير الوسائل المستخدمة في التنمية والبناء» كما كشفت بعض الوثائق الصحافية عام 2008.
وكان الكاتبان بو غوران ودانيال أومان «قد كشفا عام 2008 بنودا مختلفة من الاتفاقية وأشارا إلى محاولات حكومة المحافظين يومذاك برئاسة (فريدريك راينفيلد) تعويق تنفيذ بعض بنود الاتفاقية والحد من فرص تنفيذ الجانب العسكري المتعلق بالتصنيع من تلك الاتفاقية مع الرياض».

* جذور الأزمة
* تعود جذور الأزمة إلى مشكلة تجديد اتفاقية التعاون المشترك التي وقعها البلدان لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد، وتنظم التبادل التجاري والصناعي واستثمارات الشركات السويدية وتوريداتها لمشاريع التنمية السعودية. وكانت السعودية قد أبلغت الجانب السويدي عن رغبتها بمراجعة بنود الاتفاقية أكثر من مرة قبل أن تجددها حكومة المحافظين عام 2010 وأصبحت نافذة لغاية عام 2015.
وتضم الاتفاقية بنودا تخص الصناعات العسكرية إلى جانب التنصيص على مدى واسع من الميادين المدنية والفنية والتكنولوجية للاستثمارات والخبرات السويدية. وقد بلغ حجم الواردات السويدية جراء ذلك خلال السنوات العشر المنصرمة، أكثر من 13 مليار دولار سنويا، فضلا عن عمل المئات من المتخصصين والفنيين السويديين في مشاريع الإنماء والسكن والصناعة والصحة والتعليم وغيرها من ميادين العمل في السعودية. وبلغت المشتريات وفق الاتفاقية عام 2014 نحو 37 مليون يورو بحيث احتلت السعودية ثالث أكبر مشتر من السويد، وكان ماركوس لنبيري المتحدث باسم شركة ساب، قد وصف ذلك بأنه تعبير عن مستوى الثقة التي تحظى بها الصناعة السويدية لدى السعودية كدولة مهمة من دول الشرق الأوسط.
وفي أوائل مارس 2015 أبلغت الإدارة السعودية المختصة الحكومة السويدية عبر الوسائل الدبلوماسية أن للسعودية وجهات نظر فنية على بنود الاتفاقية التي ستنتهي مدتها في مايو (أيار) 2015 وطلبت إعادة النظر فيها أو إلغاءها. وإثر ذلك صرح رئيس الوزراء السويدي «ستيفان لوفين» في الرد على أسئلة وسائل الإعلام أنه هو والمختصون سيعكفون على مراجعة بنود الاتفاقية دون تأثيرات للرأي العام أو التجاذبات السياسية حرصا على مصالح السويد العليا.
ولكن من دون أية تمهيدات وقفت وزيرة الخارجية السويدية «مارغوت فالستروم» في جلسة مجلس النواب السويدي يوم 6 مارس وطالبت بإلغاء الاتفاقية ووجهت انتقادات للسعودية وألصقت التهم دون أي اعتبار لقواعد الدبلوماسية، ظنا منها أنها تحقق رصيدا لدى الرأي العام السويدي الذي كانت تشحنه وسائل إعلام وأحزاب ومجموعات عنصرية ضاغطة إلى جانب حزب البيئة الحليف في إدارة الحكومة الذي نادى بإلغاء الاتفاقية دون أي اعتبار سياسي أو دبلوماسي.
وقد واجهت المجموعة العربية في الجامعة العربية الحكومة السويدية ووزارة الخارجية باعتراضات شديدة على تصريحات الوزيرة وأبلغ الكثير من السفراء المعتمدين لدى السويد وزارة الخارجية عدم رضا البلدان العربية والإسلامية وقد تجاوزت الاعتراضات مدى جاوز المنظمات الإقليمية إلى دول حليفة وصديقة وقفت مع السعودية ضد اختراق قواعد الدبلوماسية بحجج حرية التعبير ضد السعودية.
وقد فوجئت الوزيرة خلال استضافتها في اجتماعات الجامعة العربية في القاهرة أن خطابها المقرر أمام مجلس الأمناء قد ألغي بضغط الدول الأعضاء والاكتفاء بحضورها ضيفة على الاجتماع. لكن التداعيات تجاوزت ذلك حين استدعت السعودية سفيرها المعتمد في السويد للتباحث ثم تلتها دولة الإمارات العربية، كما توافد سفراء الدول العربية المعتمدون على مقر الخارجية السويدية لإبلاغ اعتراضاتها على التصريحات غير المسؤولة التي أطلقتها الوزيرة المذكورة. والتقطت المعارضة السويدية القفاز وطالبت بسحب الثقة عن الحكومة، غير أنها فشلت في إدراك النصاب في البرلمان. وتطالب جهات الوزيرة السويدية الاعتذار، أو الاستقالة للخروج من الأزمة.
وحين ألغت السعودية عقب ذلك منح تأشيرات الدخول لرجال الأعمال والصناعيين والفنيين السويديين، قامت الدنيا عند مجتمع رجال الأعمال والمال السويديين، واتضحت تأثيرات الأزمة على الاقتصاد السويدي والشركات الإنتاجية والاستثمارية في السويد حتى بلغ ذلك الشركات المملوكة من قبل الأجانب المقيمين في السويد بصفتها شركات تنفيذية ميدانيا وأصبح مجموع الواردات التي سيحرم منها الاقتصاد السويدي حينئذ قرابة 15 مليار دولار سنويا فضلا عن تأثر أسواق الأسهم والمال داخل السويد بتلك النتائج السلبية الكبيرة لأخطاء الارتجال السياسي وكسر قواعد التعامل الدبلوماسي بين الشركاء.
ولم تتوقف تداعيات الأزمة، بل اتسعت لتشمل المفوضية الدائمة للاتحاد الأوروبي التي حاولت الاتصال بالجامعة العربية للتدخل لدى السعودية لتليين موقفها إزاء الأزمة. كما حاولت دول صديقة التواصل مع الجهات الدبلوماسية لتوفير جو من الحوار الثنائي. وشكلت 70 شركة سويدية مجموعة اتصال بالسعودية كما أعلنت الحكومة السويدية عن اجتماعات أزمة متعددة للوصول إلى حلول ممكنة.
واستدعت قوى المعارضة في البرلمانات وزيرة الخارجية مارغوت فالستروم إلى جلسة تحقيق مفتوحة حول جذور الأزمة ووجهت للوزيرة انتقادات حادة مما حدا بالوزيرة إلى محاولة تليين المواجهة البرلمانية والأزمة الدبلوماسية بالحديث عن استمرار التعاون الإيجابي مع السعودية كونها من أكبر الدول المانحة والدول التي تحارب العنف والإرهاب.

* حقائق
* يعطي المراقبون صورة واقعية لحاضر المجتمع والسياسة في السويد، وهو واقع يشكل حاضنة اجتماعية وسيكولوجية لحركة الفكر والسياسة، ويصفون المجتمع السويدي بشكل عام، بأنه مجتمع انطوائي، وربما هو مجتمع يميل إلى العزلة والفردية إلى حد ما. وقد تكرست تلك الصفة لزمن طويل بفعل الطبيعة الإسكندنافية الباردة والصعبة والمعزولة قرب القطب الشمالي وبفعل الجغرافيا القصية التي حفرت في الشخصية الإسكندنافية عميقا لأكثر من ألف عام وليس بفعل اختيار واع عام.
وتبدو الشخصية السويدية عموما غير واضحة نسبيا خلال عملية التواصل الاجتماعي مع الآخر، إما بفعل الخجل أو التردد في الوقوف أمام ثقافات أخرى كما يقولون.
ويؤكد المراقبون أن تلك العزلة الصعبة قد حولت المزاج السويدي إلى مزاج متقلب يميل إلى التغيير والتنقل والبحث عن التجديد للخروج من العزلة إلى فضاءات أخرى. وقد تجلى ذلك ليس فقط في ميل الشخصية السويدية لتغيير أماكن العمل أو عناوين السكن والهوايات ووجهات السفر في الإجازات الكثيرة التي يتمتع بها السويدي بل في الميل إلى تغيير الوجوه والصداقات والحكومات أيضا.
ولذلك كان واضحا في انتخابات سبتمبر (أيلول) عام 2014 أن الكفة تميل إلى انتخاب تحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة وهو ما اصطلح عليه تحالف الخضر والحمر، بعد 8 سنوات من حكم تحالف يمين الوسط برئاسة حزب المحافظين التي امتلأت بكثير من المواجهات السياسية والفضائح والإشكالات.
وبالكاد أسفرت نتائج الانتخابات السويدية عن حكومة ذات أقلية برلمانية تتكون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البيئة، ولكنها حملت معها مفاجأة غير سارة إذ تقدم الحزب العنصري المضاد للعرب والأجانب والديانات «ديمقراطيو السويد» في الانتخابات واستطاع الحصول على 13 في المائة من مقاعد البرلمان إلى جانب الأغلبية المعارضة لتحالف يمين الوسط وهو أمر أخل بحلم الحمر والخضر في إدارة البلاد كما يشاءون.
ومنذ اليوم الأول حاول الحزب العنصري إسقاط الحكومة في البرلمان وتصدى للتصويت للميزانية التي قدمتها حكومة الحمر والخضر وأسقطها وكاد ذلك أن يعصف بالتحالف الحاكم لولا تدخل تحالف يمين الوسط التي فاز مشروع ميزانيته البديلة أو ميزانية الظل بالتصويت في البرلمان، واتفق التحالف اليميني مع الحمر والخضر، تحاشيا لفوضى سياسية تتطلب انتخابات تكميلية، قد تهدد بفوز ساحق للتيار العنصري وهكذا أصبحت حكومة الأقلية الفائزة حكومة موظفين من رئيس الوزراء ستيفان لوفين ورهط الوزراء من تيار اليسار الاشتراكي وعشاق البيئة.
وتأتي الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية التي فجرتها تصريحات وزيرة الخارجية ضد القضاء في السعودية لترسم صورة عن هشاشة في النظر إلى الحقائق الدولية الكبرى ونقص في اللياقة الأدبية رغم دعاوى الحقوق وحرية التعبير، ولتعطي حكومة الأقلية البرلمانية درسا في التروي في تقييم علاقات البلدان الثنائية وبخاصة مع مجموعات الدول المؤثرة والسعودية كدولة محورية في الشرق الأوسط والعالم.
وقد كتب محللون من بينهم المحلل السياسي المعروف «ستيفان هايمر ستون» مقالة مهمة بعنوان «وزيرة خارجية السويد بحاجة إلى وسائل امتصاص الصدمات» قال فيها: «إن الدبلوماسية السويدية تعرضت إلى واحدة من أخطر الأزمات غير المسبوقة حين وقفت وزيرة الخارجية أمام وسائل الإعلام لتلقي بيان يشبه خطب الهواة الذين يفتقدون إلى قواعد الدبلوماسية التي تتميز بانتقائية اللغة وحيادية الخطاب لتعرض علاقات بلادنا مع السعودية إلى أزمة لسنا بحاجة إليها.. ويبدو أنها سوف تكلفنا الكثير». ويبدو أن القصر الملكي السويدي هو الملاذ الأخير الذي لجأت إليه الحكومة، لتلافي تلك الأزمة الدبلوماسية والاقتصادية الكبيرة مع السعودية، من خلال ما يتمتع به الملك كارل غوستاف السادس عشر، بحسب بيان القصر الملكي السويدي، من صلات تاريخية مع القيادة السعودية والتي تعبر عن مستوى رفيع من الترابط والعمل الثنائي المشترك مع الرياض.. لعل وعسى أن تجد طوق نجاة قبل أن تغرق في بحر مصير مجهول لا تحمد عقباه.



أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.