تنديد أممي بـ«مذبحة صنعاء» وسفارة واشنطن تدعو الحوثيين لوقف «الهمجية»

عناصر مسلحة حوثية تنتشر لدى تنفيذ عمليات الإعدام في صنعاء أمس (رويترز)
عناصر مسلحة حوثية تنتشر لدى تنفيذ عمليات الإعدام في صنعاء أمس (رويترز)
TT

تنديد أممي بـ«مذبحة صنعاء» وسفارة واشنطن تدعو الحوثيين لوقف «الهمجية»

عناصر مسلحة حوثية تنتشر لدى تنفيذ عمليات الإعدام في صنعاء أمس (رويترز)
عناصر مسلحة حوثية تنتشر لدى تنفيذ عمليات الإعدام في صنعاء أمس (رويترز)

توالت أمس (الأحد) بيانات التنديد بالمذبحة الحوثية التي أقدمت خلالها الميليشيات المدعومة من إيران على إعدام تسعة أشخاص بينهم قاصر في ميدان عام بصنعاء، حيث عبر الأمين العام للأمم المتحدة في بيان عن إدانته بشدة لها، في حين وصفت السفارة الأميركية أعمال الجماعة الانقلابية بـ«الهمجية» داعية إلى توقفها.
وكانت الميليشيات الحوثية أقدمت (السبت) على إعدام الأشخاص التسعة في ميدان التحرير وسط صنعاء، بعد أن نسبت إليهم تهماً بالتآمر لمقتل رئيس مجلس حكمها الانقلابي السابق صالح الصماد الذي كان قضى في ضربة جوية لطيران تحالف دعم الشرعية أثناء وجوده في مدينة الحديدة في أبريل (نيسان) 2018.
وفي حين حشدت المئات من مسلحيها لشهود عملية الإعدام، بثت صوراً ومقاطع «فيديو» في مسعى منها لبث الرعب في أوساط المعارضين لها، وفق ما قاله حقوقيون يمنيون.
وفي أول رد أممي عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «أسفه الشديد» لقيام الحوثيين بتنفيذ عملية الإعدام بحق تسعة أشخاص، «بمن فيهم شخص تشير المعلومات إلى أنه كان قاصراً عند اعتقاله». وقال إنه «يدين بشدة هذه الأعمال التي نتجت عن إجراءات قضائية لم تحترم على ما يبدو متطلبات المحاكمة العادلة والإجراءات المنصوص عليها في القانون الدولي».
وبحسب البيان الذي جاء على لسان المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوغاريك، شدد غوتيريش على أنه «يعارض عقوبة الإعدام في جميع الظروف» وأعاد «التأكيد من جديد أن القانون الدولي يضع شروطاً صارمة للغاية لتطبيق عقوبة الإعدام، بما في ذلك الامتثال لمعايير المحاكمة العادلة والإجراءات القانونية الواجبة كما نص عليها القانون الدولي. ويدعو بشكل عاجل جميع الأطراف والسلطات إلى اتخاذ قرار بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام».
وحض الأمين العام للأمم المتحدة «جميع الأطراف اليمنية على الانخراط مع الأمم المتحدة بحسن نية ومن دون شروط مسبقة من أجل إعادة إحياء الحوار السياسي للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع عن طريق التفاوض تلبي المطالب والطموحات المشروعة للشعب اليمني».
وفي سياق التنديد بالمذبحة الحوثية أشارت القائمة بأعمال السفارة الأميركية لدى اليمن كاثي ويستلي إلى قيام الحوثيين بإعدام الأشخاص التسعة بـ«وحشية بعد محاكمة صورية وبعد سنوات من التعذيب والانتهاكات».
وقالت في بيان بثته على «تويتر»: «كان أحد الذين تم إعدامهم قاصراً، هذا العمل الشائن هو مثال آخر على عدم اكتراث الحوثيين بحقوق الإنسان الأساسية، ويأتي بعد أيام فقط من هجومهم على ميناء المخا التجاري وهو نقطة عبور أساسية للإمدادات الإنسانية والواردات الغذائية التجارية. هذه الهمجية يجب أن تتوقف».
وكان البرلمان العربي دان «استمرار ميليشيا الحوثي الإرهابية في انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان بحق أبناء الشعب اليمني، خصوصاً فيما يتعلق بأقدس وأسمى هذه الحقوق على الإطلاق وهو الحق في الحياة».
وشدد البرلمان في بيان رسمي «على ضرورة التكاتف الدولي والعمل الجاد من أجل ردع هذه الميليشيا الإرهابية التي لا تبالي بأي قوانين دولية»، محذراً من أن تقاعس المجتمع الدولي سيشجع الميليشيا الانقلابية على الاستمرار في أعمالها الإرهابية.
كما دعا كافة المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى «إدانة هذا العمل الإرهابي الجبان، واتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية لضمان محاكمة مرتكبي هذه الجريمة ضد الإنسانية، التي تضاف إلى السجل الإرهابي الجبان» للميليشيات الحوثية. ويتخوف الحقوقيون اليمنيون من إقدام الميليشيات على عمليات إعدام جماعية أخرى، خصوصاً أنها أصدرت العشرات من أوامر الإعدام بحق المعتقلين في سجونها بعد أن لفقت لهم تهماً بـ«التخابر» ومساندة الحكومة الشرعية.
وفي وقت سابق علق وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني على عملية الإعدام الجديدة، ووصفها بـ«الجريمة الإرهابية المروعة» التي قال إنها تكشف عن «بشاعة الجماعة ودمويتها واستهتارها بأرواح اليمنيين».
وأكد الوزير اليمني أن «الجرائم والانتهاكات المروعة التي ترتكبها ميليشيا الحوثي الإرهابية بحق المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وآخرها جريمة قتل تسعة مدنيين بدم بارد، لن تسقط بالتقادم ولن تمر دون عقاب، وأن كافة المتورطين فيها من قيادات وعناصر الميليشيا سيقدمون للمحاسبة في القريب العاجل‏». وفق تعبيره.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.