الطفولة والرمز والتشكيل في شعر حميد سعيد

الطفولة والرمز والتشكيل في شعر حميد سعيد
TT

الطفولة والرمز والتشكيل في شعر حميد سعيد

الطفولة والرمز والتشكيل في شعر حميد سعيد

للكاتب د. قيس كاظم الجنابي، صدر أخيراً كتاب «الرمزي والتشكيلي في شعر حميد سعيد» عن دار دجلة، عمان. وحميد سعيد شاعر من جيل الستينات من القرن الماضي، الذي أعقب جيل الشعراء الرواد في الشعر العراقي: بدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وعبد الوهاب البياتي، وقد صدر له أكثر من عشرين كتاباً، ضمنها ثلاث عشرة مجموعة شعرية.
يتكون الكتاب من ثلاثة أبواب. ضم الباب الأول وعنوانه «الرمز الشعري» فصلين هما «البحث عن شواطئ الطفولة» و«لذة الاختلاف». أما الباب الثاني المعنون «الشعر التشكيلي»، فيتكون من ثلاثة فصول: «تشكيلات الكتابة والفراغ» و«القصيدة واللون مقاربات حسية» و«خارج اللوحة... داخل الموضوع». وجاء الباب الثالث المعنون «رمز من الحذف والتأويل» في فصلين هما «المثبت والمحذوف في قصائد (ما تأخر من القول)» و«السردية الرمزية في قصائد (أولئك أصدقائي)».
في الرمزية الشعرية يتحدث المؤلف عن تشكيل الطفولة، باعتبارها «جذراً متميزاً للتواصل بين الماضي والحاضر... فالشعر طعم الحياة وسحرها وألم المعاناة فهو ينهل من الماضي فيربطه بالحاضر ويرنو إلى المستقبل بعين جامحة وبنظرات دافئة عفة بالتأمل والخيال فيخرج الإيحاء بالإشارة وتنصهر صولة التراث بالإبداع، وهذا ما يمكن ملاحظته على رحلة الشاعر حميد سعيد عبر مراحل تطوره المتتالية».
وفي الباب الثاني - الشعري والتشكيلي، يقول المؤلف إن حميد سعيد كتب عدة قصائد تهتم بالجانب التشكيلي ضمن علاقة القصيدة بالفن، كما كتب قصيدتين تهتمان بالرسم، هما «محاولة لإعادة رسم الجورنيكا، المرور في شوارع سلفادور دالي الخلفية»، ثم انطلق نحو التجاوز التشكيلي - الشعري بين اللوحة والقصيدة، وبهذا جسد رؤيته الخاصة في امتزاج فنين متجاورين هما الرسم والشعر.
ولعل أبرز ما تكشف عنه اهتماماته التشكيلية، حسب المؤلف، هو الاهتمام باللون والحواس، كم بدا اللون أيضاً في قصيدة «مشروع كتابة موشح أندلسي عن السيدة»، التي حملت معها تأثيرات إسبانيا وبيكاسو، رغم كون الشاعر أهداها إلى الشاعر الراحل حسين مردان. ويقول في هذه القصيدة: هل تنزل الوردة للشارع/ لم يصعد الشارع صوب شرفة الوردة/ وهل يصدر القمر الأبيض طاووساً من الفضة/ يلعب بالأغنية البضة.



3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.