ساركوزي يدق ناقوس نهاية العهد الاشتراكي.. ومارين لوبن تدعوه للمنازلة

نتائج الدورة الأولى للانتخابات المحلية الفرنسية: نهاية عصر الثنائية الحزبية

ساركوزي يدق ناقوس نهاية العهد الاشتراكي.. ومارين لوبن تدعوه للمنازلة
TT

ساركوزي يدق ناقوس نهاية العهد الاشتراكي.. ومارين لوبن تدعوه للمنازلة

ساركوزي يدق ناقوس نهاية العهد الاشتراكي.. ومارين لوبن تدعوه للمنازلة

مرة أخرى، أخطأت استطلاعات الرأي في توقع النتائج الانتخابية في فرنسا. ففي الأسابيع الماضية أجمعت كلها على تأكيد تربع اليمين المتطرف ممثلا بالجبهة الوطنية على الموقع الأول بين الأحزاب السياسية الفرنسية كما كان حالها بمناسبة الانتخابات الأوروبية العام الماضي. لكن النتيجة جاءت دون التوقعات، إذ إن حزب مارين لوبن احتل المرتبة الثانية بحصوله على 25.1 في المائة من الأصوات بينما احتل المرتبة الأولى حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الكلاسيكي متحالفا مع اتحاد المستقلين (يمين الوسط) بحصوله على 29.4 في المائة من الأصوات. أما الحزب الاشتراكي فقد تراجع للمرتبة الثالثة، إذ إنه حصل مع حزب الراديكاليين الاشتراكيين الصغير على 21.8 في المائة من الأصوات، وهي أسوأ نسبة يصل إليها منذ عقود في هذا النوع من الانتخابات المحلية.
بيد أن كل طرف حاول تفسير النتائج لصالحه، فرئيس الحكومة مانويل فالس اعتبر نتائج اليسار «مشرفة» بمعنى أنها كانت أقل كارثية مما كان متوقعا ولم تجعل من الجبهة الوطنية الحزب السياسي الأول في فرنسا. وزعيمة اليمين المتطرف رأت فيها نجاحا إضافيا لحزبها الذي «تخطى ما حصل عليه في الانتخابات الأوروبية» العام الماضي وحل في المرتبة الأولى في 43 قضاء من أصل 101. أما نيكولا ساركوزي فقد رأى أن الظروف أصبحت «مهيأة» لحصول عملية التناوب على السلطة بمعنى عودة اليمين إليها. ولأن الخطر لزعيمة اليمين المتطرف يأتي من حزب ساركوزي فقد دعته أمس لـ«المنازلة» السياسية والإعلامية التي من المتوقع أن يرفضها الرئيس السابق.
يشكو الاشتراكيون من تشتت لوائح قوى اليسار والخضر الذين هم عادة «حلفاء طبيعيون». لكن ما جرى أول من أمس يحمل نذر مخاطر كبيرة للرئيس هولاند، إذ يعني أنه لو جرت الانتخابات الرئاسية غدا لغاب عنها المرشح الاشتراكي مهما تكن هويته. وبالمقابل، يمكن اعتبار اليمين الكلاسيكي بمثابة الرابح الأكبر، إذ خرج من الانتخابات قويا وهو يتأهب للفوز بأكبر نسبة من المقاعد. لكن يتعين عليه أن يحل إشكالية أخذت تطرح كلما عاد الناخبون إلى صناديق الاقتراع وهي: ما الذي يتعين على ناخبي اليمين القيام به عند وجود مواجهة في الدورة الثانية بين مرشح يساري وآخر من الجبهة الوطنية؟
الرئيس السابق ساركوزي سعى منذ ليل أول من أمس إلى تفكيك الفخ المنصوب لليمين، إذ أعلن أن الموقف الرسمي هو «لا ازدواج» أي لا لليمين المتطرف ولا لليسار. لكن فالس هاجم صباح أمس في حديث إذاعي هذا الموقف، معتبرا أنه «خطأ أخلاقي وسياسي». وقال رئيس الحكومة: «عندما يكون الخيار بين مرشح يتبنى قيم الجمهورية وآخر عن الجبهة الوطنية، فلا مجال للتردد واليسار لا يتردد». وكان بذلك يشير إلى ما أعلنه ليل الأحد، إذ دعا الناخبين اليساريين للاقتراع لصالح المرشح اليميني من أجل قطع الطريق على مرشحي الجبهة الوطنية. ووفق أرقام وزارة الداخلية فإن الأحد القادم سيشهد 500 مبارزة بين مرشحي اليمين المتطرف واليمين الكلاسيكي و260 مبارزة بين اليسار والجبهة الوطنية، إضافة إلى 325 مبارزة بين الأطراف الثلاثة معا. ووفق الوزارة نفسها فإن نسبة المشاركة كانت أعلى مما كان متوقعا، إذ زادت على 51 في المائة. لكن ما انعكاسات النتائج على الحكومة؟ الثابت أن الرئيس فرنسوا هولاند، كما أعلن قبل الانتخابات سيحتفظ برئيس الحكومة الحالي. لكنه قد يعمد إلى بعض التعديلات الوزارية من غير أن تتناول الحقائب الأساسية، لكن الأهم من ذلك فإن الفريق الرئاسي والحكومي مستمر في السياسة الإصلاحية التي يسير عليها، بل إن رئيس الحكومة دعا أمس إلى توسيعها وتعميقها باعتبار أنها بدأت بإعطاء ثمارها. ويراهن هولاند ومعه الحكومة والحزب الاشتراكي، من جهة، على تحسن نسبة النمو الاقتصادي، الأمر الذي سينعكس على أرقام البطالة المرتفعة وعلى تراجع سعر اليورو والنفط ونسبة الفوائد وكلها عوامل محفزة للدورة الاقتصادية. وفي غياب النتائج الاقتصادية سيكون من الصعب على هولاند أن يترشح للرئاسة مرة ثانية كما ستكون حظوظ أي مرشح اشتراكي آخر بالفوز ضعيفة جدا إن لم تكن معدومة.
في أي حال، فإن المراقبين يجمعون على أن فرنسا ولجت «عصرا جديدا»، إذ إنها قلبت صفحة «الثنائية الحزبية» بسبب وصول طرف ثالث حصل على ربع أصوات الناخبين الفرنسيين وما زالت مواقعه تتقدم انتخابا بعد انتخاب. والأسوأ من ذلك بالنسبة إلى فرنسا أن اليمين المتطرف فيها أصبح الأقوى من بين كل بلدان الاتحاد الأوروبي، وقوته ليست فقط في عدد الأصوات التي يحصل عليها، بل في قدرته على اجتذاب محبذين له من خارج دائرة تأثيره التقليدية وفي ذيوع نظرياته وفرضياته والآيديولوجيا التي تشكل عماد دعايته وقراءته للواقع السياسي والاجتماعي.



ناشطات أوكرانيات يحاولن إحياء مبادرة «دقيقة الصمت» تخليدا لضحايا الحرب

أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
TT

ناشطات أوكرانيات يحاولن إحياء مبادرة «دقيقة الصمت» تخليدا لضحايا الحرب

أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)
أوكرانيون يحملون في كييف صور جنود سقطوا في الحرب (أ.ف.ب)

تقف خمس شابات في وسط العاصمة الأوكرانية، رغم البرد القارس، دقيقة صمت إحياء لذكرى ضحايا الغزو الروسي، في مبادرة أطلقها الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مارس (آذار) 2022 على أن تكون جزءا من الحياة اليومية، لكن بعد حوالى ثلاث سنوات من الحرب أصبحت مشهدا نادر الحدوث.

حملت الفتيات لافتات تدعو المارة إلى التوقف للمشاركة في دقيقة صمت عند التاسعة صباحا، وهو جزء من هذه المبادرة الرسمية التي أطلقها زيلينسكي بعد أسابيع قليلة من بدء الحرب. لكن معظم الحشود الخارجة من محطة مترو غولدن غايت المركزية في كييف، كانت تمر بمحاذاتهن من دون التوقف.

وبعد انتهاء الدقيقة، طوت طالبة الصحافة أوليا كوزيل (17 عاما) اللافتات المصنوعة من ورق الكرتون المقوى في حقيبة.

وقالت لوكالة الصحافة الفرنسية: «أشعر بالغضب من الأشخاص الذين لا يتوقفون، الذين ينظرون ويقرأون، وأستطيع أن أرى في عيونهم أنهم يقرأون لافتاتنا لكنهم يواصلون طريقهم».

كوزيل هي جزء من مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين يحاولون إعادة الزخم لمبادرة زيلينسكي.

عندما لا يكون هناك تحذير من غارات جوية، يجتمع هؤلاء مرة في الأسبوع في مكان مزدحم لتشجيع سكان كييف على التوقف لمدة 60 ثانية.

وتقول كوزيل إن دقيقة الصمت هي وسيلة لمعالجة الحزن الجماعي والفردي الذي يخيم على الأوكرانيين أكانوا يعيشون قرب الجبهة أو بعيدا منها.

ويبدو أن حملة الشابات بدأت تثمر. فقد وافقت بلدية كييف هذا الأسبوع على القراءة الأولى لمشروع قانون يجعل دقيقة الصمت إلزامية في المدارس وبعض وسائل النقل العام. ويشمل المقترح أيضا عدا تنازليا يتردّد صداه عبر مكبرات الصوت في كل أنحاء المدينة من الساعة 9,00 حتى 9,01 صباح كل يوم.

وتعود الفكرة الأصلية لهذه المبادرة إلى إيرينا تسيبوخ، الصحافية التي أصبحت مقدمة رعاية على الجبهة والمعروفة في أوكرانيا باسمها الحركي «تشيكا». وأثار مقتلها قرب الجبهة في مايو (أيار)، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلادها السادس والعشرين، موجة من الحزن.

ناشطات من منظمة «الشرف» يحملن صور جنود أوكرانيين سقطوا في المعارك خلال وقفة «دقيقة صمت» في كييف (أ.ف.ب)

وقالت صديقتها كاترينا داتسينكو لوكالة الصحافة الفرنسية في أحد مقاهي كييف «عندما علمنا بمقتل إيرا (إيرينا) قلنا لأنفسنا أمرين: أولا، كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أرادت إيرا أن تعيش كثيرا. وثانيا: يجب أن نكمل معركتها. لا يمكننا أن نستسلم».

وكانت تسيبوخ تريد من الأوكرانيين أن يخصّصوا دقيقة لأحبائهم أو الأشخاص الذين يمثلون لهم شيئا ما، على أساس أن التفكير الجماعي في ضحايا الحرب يمكن أن يوحّد الأمة في مواجهة الصدمة الفردية.

* الأكلاف البشرية

قال زيلينسكي أخيرا إن 43 ألف جندي أوكراني قتلوا في الحرب، رغم أن التقديرات المستقلة تشير إلى أن العدد أعلى من ذلك بكثير.

من جهتها، تفيد الأمم المتحدة بأن العدد المؤكد للقتلى المدنيين البالغ 11743 هو أقل من الواقع إلى حد كبير.

ومع ارتفاع هذه الحصيلة بشكل يومي، يحاول الناشطون غرس معنى جديد لطريقة تخليد ضحايا الحرب.

وقالت الناشطة داتسينكو (26 عاما) التي شاركت في تأسيس المنظمة غير الحكومية «فشانوي» أي «الشرف»، «لا أعرف كيف يمكن لدولة بهذا الحجم أن تخلّد ذكرى كل شخص، لكنّ ذلك ممكن على مستوى المجتمع».

من جهته، رأى أنتون دروبوفيتش، المدير السابق لمعهد الذاكرة الوطنية في أوكرانيا، أن دقيقة الصمت «لا تتعلق بالحرب، بل بالأشخاص. أولئك الذين كانوا معنا بالأمس، والذين شعرنا بدفئهم لكنهم لم يعودوا هنا... الأمر يتعلق بالحب والكلمات التي لم يكن لديك الوقت لتقولها للأشخاص الذين تحبهم».

لكن بعض معارضي الفكرة يقولون إن التذكير اليومي بالخسارة يجعل الناس عالقين في الماضي.