الاتحاد الأوروبي يحض على التدرج في فرض اللقاح

مخاوف من ازدياد حدة الاحتجاجات مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في عدة دول

الاتحاد الأوروبي يحض على التدرج في فرض اللقاح
TT

الاتحاد الأوروبي يحض على التدرج في فرض اللقاح

الاتحاد الأوروبي يحض على التدرج في فرض اللقاح

طلب الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء اعتماد مبدأ التدرّج في تطبيق تدابير فرض اللقاح الإجباري الذي تتجّه نحوه معظم الحكومات الأوروبية بشكل مباشر أو غير مباشر. ودعت المفوضية إلى تعزيز التنسيق بين الأجهزة الأمنية الوطنية، وتطبيق سياسة «الحزم والإجراءات الاستباقية» في مواجهة أعمال العنف التي تقوم بها وتخطط لها المجموعات المناهضة التي تحتجّ على إلزامية اللقاح وعلى اشتراطه لارتياد الأماكن العامة.
وجاء ذلك في التوصيات الختامية التي صدرت عن الاجتماع الطارئ الذي عقده وزراء الداخلية والعدل من أجل البحث في تدابير مشتركة لمواجهة الاحتجاجات الشعبية ضد فرض اللقاح الإجباري، والتي كانت قد رجّحت مصادر أمنية عدة أن تزداد حدّة في الأشهر المقبلة، خصوصاً في البلدان التي على موعد مع استحقاقات انتخابية قريبة مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وبلجيكا.
وكانت إيطاليا وفرنسا وراء الدعوة لهذا الاجتماع، بعد المظاهرات التي شهدها البلدان مؤخراً وتخللتها أعمال عنف وتهديدات بتصعيد تخريبي، بعد أن دخلت على خط الاحتجاجات الأحزاب والتنظيمات اليمينية المتطرفة وبعض الأحزاب والقوى اليسارية الراديكالية. كما دعا البيان الختامي إلى تنظيم حملات توعية واسعة تركّز على أن اللقاحات هي ضمانة العودة إلى دورة الحياة الطبيعية بلا قيود، واستمرار النشاط الاقتصادي من غير الاضطرار للعودة إلى تدابير الإقفال، وتفنيد مزاعم المعترضين الذين يرفعون شعار الحرية الشخصية لرفض اللقاح.

- تصعيد قبل الاستحقاقات الانتخابية
ودعت ألمانيا، المقبلة على انتخابات حاسمة أواخر الشهر الجاري، إلى «تحاشي التدابير الأمنية التي من شأنها فتح الباب أمام مزيد من التصعيد الاحتجاجي، لقطع الطريق أمام التنظيمات والقوى المتطرفة، خصوصاً أن الفئات المعترضة على فرض اللقاح تشكّل أقلّية صغيرة في جميع بلدان الاتحاد، حيث الغالبية الساحقة من السكان أقدمت طوعاً على تناول اللقاح».
وكانت فرنسا قد شهدت نهاية الأسبوع المنصرم انطلاق عشرات الآلاف من المتظاهرين في معظم المدن الكبرى، وذلك للأسبوع التاسع على التوالي، احتجاجاً على فرض الشهادة الصحية في المناسبات العامة والاحتفالات الاجتماعية، وضد إلزام بعض الفئات المهنية مثل الأطباء والممرضين والطواقم الإدارية في المستشفيات ودور العناية بالمسنين، بتناول اللقاح ضد الفيروس. وأسفرت تلك الاحتجاجات عن اعتقال عشرات المتظاهرين بعد أن اندسّت بينهم عناصر من «السترات الصفر» الذين سبق أن عاثوا تخريباً خلال المظاهرات الاحتجاجية التي اتّسمت بعنف غير مسبوق قبل ظهور الجائحة. وتخشى فرنسا أن يتصاعد منسوب الاحتجاجات العنيفة في الأشهر المقبلة مع اقتراب موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية.
وفي إيطاليا كان التجمّع المعارض لفرض اللقاحات «No Vax» قد عاد إلى التظاهر نهاية الأسبوع الماضي في معظم المدن الكبرى، حيث رصدت الأجهزة الأمنية بين المتظاهرين في ميلانو وروما أكثرية من القوى اليمينية المتطرفة والتنظيمات الفاشية، إلى جانب بعض التنظيمات اليسارية الراديكالية. وكانت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامبورجيزي، قد كشفت مطلع هذا الأسبوع أن الأجهزة الأمنية رصدت على شبكات التواصل الاجتماعي تهديدات من الجهات المعارضة لفرض اللقاحات ضد أطباء وسياسيين وصحافيين يدافعون عن تعميم اللقاحات. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الجهات تحظى بتأييد مباشر من حزب «إخوان إيطاليا» اليميني المعارض، وبتعاطف من حزب الرابطة، اللذين يحظيان معاً بتأييد شعبي يتجاوز 40%.
- حملات تعميم اللقاحات
يقول مصدر مسؤول إن ما يدفع بعض الدول الأوروبية إلى الإسراع في تطبيق تدابير فرض اللقاحات عدة عوامل أهمها: الخشية من ارتفاع عدد الإصابات الجديدة في الأسابيع المقبلة نتيجة لتخفيف تدابير الوقاية أو رفعها خلال موسم الصيف، ما قد يمهّد لظهور متحورات جديدة ويعيد جهود المكافحة شهوراً إلى الوراء. يضاف إلى ذلك أن الاقتصادات الأوروبية التي بدأت تتعافى من تداعيات الجائحة وتسجّل معدلات نمو عالية، لن تتحمّل موجة جديدة من إجراءات العزل والإقفال. وفيما يتوقع بعض البلدان الأوروبية خريفاً ساخناً على وقع تصاعد الاحتجاجات ضد فرض اللقاحات، بدأت بعض المحاكم العليا في أوروبا تصدر أحكاماً بإجازة فرض شهادة التلقيح في وسائل النقل العام ولارتياد الأماكن العامة.
وكان من المقرر أن تناقش الحكومة الإيطالية أمس (الخميس)، قرار تعميم فرض اللقاح في القطاعين العمومي والخاص، والذي يحظى بدعم من الهيئات الاقتصادية وتأييد من النقابات مشروط بتحمّل الدولة التكاليف الناشئة عن تنفيذه.
- جدل الجرعة الثالثة
إلى جانب ذلك، ما زالت دائرة الجدل تتسّع حول الجرعة الثالثة التي بدأت بتوزيعها دول عدة، فيما عادت منظمة الصحة العالمية وكررت رفضها لتوزيعها بوصفها «غير ملائمة في الوقت الراهن»، كما جاء في الدراسة التي شارك فيها خبراء من المنظمة إلى جانب عدد من الباحثين في جامعات أميركية وأوروبية.
وفيما تدنو دول أوروبية من بلوغ التغطية اللقاحية 80% من السكان البالغين، قال جون نيكنكاسونغ، مدير مراكز مكافحة الأمراض السارية في أفريقيا، إن نسبة السكّان الأفارقة الذين تناولوا الدورة الكاملة من اللقاحات ما زالت دون 3.5%.
من جهته، صرّح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، بأن عدد جرعات اللقاح الموزعة في العالم بلغ 5.7 مليار جرعة، لكن أفريقيا لم تحصل إلا على 2% منها. وأضاف أن «الصعاب التي تواجه البلدان الأفريقية لتوزيع اللقاحات ليست ناجمة عن عدم توفّر القدرات والخبرة، بل لأن بقيّة دول العالم تخلّت عن أفريقيا»، مشيراً إلى أن الدول الغنية كانت قد وعدت بتقديم مليار جرعة إلى الدول الفقيرة، لكنها إلى اليوم لم تتبرّع بأكثر من 15%، وأن شركات الأدوية التي تعهدت بإعطاء الأولوية لبرنامج «كوفاكس» لتوزيع اللقاحات على الدول الفقيرة لم تفِ بتعهدها.
وتجدر الإشارة أن أفريقيا في ذروة موجة وبائية ثالثة، بعد أن تجاوز عدد الإصابات المؤكدة فيها 8 ملايين إصابة، علماً بأن منظمة الصحة تقدر العدد الفعلي بما لا يقلّ عن ثلاثة أضعاف العدد المعلن.
وفيما كررت منظمة الصحة العالمية اعتراضها على تعميم استخدام «الجواز الصحي» لاعتباره تدبيراً تمييزياً بسبب التفاوت الكبير بين معدلات التغطية اللقاحية، أعلنت الإدارة الأميركية أنها ستفرض شهادة التلقيح على الذين يتقدمون بطلبات للحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة أو الإقامة الدائمة فيها.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».