الأميركي لي فريدريكس يرسم أسرار جمال بيروت بتناقضاتها

يعيد رسم خريطة العاصمة اللبنانية في معرض تشكيلي

لي فريدريكس أمام إحدى لوحاته  في معرض «خرائط بيروت»
لي فريدريكس أمام إحدى لوحاته في معرض «خرائط بيروت»
TT

الأميركي لي فريدريكس يرسم أسرار جمال بيروت بتناقضاتها

لي فريدريكس أمام إحدى لوحاته  في معرض «خرائط بيروت»
لي فريدريكس أمام إحدى لوحاته في معرض «خرائط بيروت»

يعيش الفنان الأميركي لي فريدريكس في بيروت منذ نحو 20 عاماً، فهو قرر الإقامة فيها منذ أن زارها سائحاً في عام 2001. ترك ولاية بنسلفانيا في بلاده، ليستمتع، كما يقول، بمدينة يشبهها بالغرب الجامح في منطقة الشرق الأوسط.
وفي ذكرى مرور 20 عاماً على «هجمات 11 سبتمبر (أيلول)» في نيويورك، قرر لي إطلاق معرضه «خرائط بيروت». ويتضمن لوحات مرسومة وأخرى من نوع «با ريلييف» النافرة المحتويات. وكذلك يسود معرضه مجموعة من التجهيزات الفنية التي ركبها بمواد لملمها من شوارع العاصمة وأزقتها.
شوارع مار مخايل والجميزة والنهر، إضافة إلى المبنى البيضاوي وساحة النجمة ومظاهر الثورة... يصورها الفنان الأميركي في قطعه الفنية. ويطغى على غالبيتها مواد معدنية كالقصدير والحديد. فيما تسودها ألوان قاتمة وأخرى زاهية للإشارة إلى التناقضات التي تغلف بيروت. ويقول لي فريدريكس في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك ثراء بصري لمدينة بيروت لفتني منذ اللحظات الأولى لوجودي فيها. ومن مشاهداتي الواقع على أرضها الذي يترجمه أهلها من ناحية والتنظيم المؤسساتي فيها، أطلقت عليها اسم «مدينة الممنوع مسموح». ويتابع فريدريكس: «هنا في لوحة (الجنة في إمكانها الانتظار) عكست رؤيتي. وهي تحتوي على مواقع عدة ازدهرت في ثورة (17 أكتوبر/ تشرين الأول). بعض هذه الأماكن اشتهرت أثناءها، لا سيما ساحة البرلمان اللبناني المسيّجة بعوائق حديدية كي لا يدخلها المتظاهرون. من هنا ولدت فكرة (الجنة في إمكانها الانتظار Heaven can wait)، فالمتظاهرون كانوا يبذلون جهداً لاختراق السياج الحديدي والإسمنتي المحيط بمبنى البرلمان. لم يفلحوا، وبقوا ينتظرون يومياً خارج الباحة، مكررين محاولاتهم هذه».
في إحدى زوايا المعرض الذي يستضيفه غاليري «ميسيون آرت» لصاحبه توفيق الزين في منطقة مار مخايل، تلفتك لوحات من نوع الـ«با ريلييف». ويتضمن هذا الركن كادرات صغيرة، وأخرى متوسطة تحضر فيها أغراض عتيقة من خواتم وصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود، ومسكة باب ومفاتيح قديمة... وغيرها. ويوضح في سياق حديثه: «هي أشياء انتقيتها من متاجر الأنتيكا المنتشرة في المدينة. أردتها دافئة وحميمة كي تحمل في طياتها كل المشاعر المتأصلة التي أكنها لهذه المدينة. هذا الركن يوحي إلى تاريخ أهالي بيروت وعائلاتهم. وهذه الأغراض الثمينة عرضتها هنا، كي تبدو كأنها إرث يتناقله سكان العاصمة من حقبة إلى أخرى».
لوحات تعبق بخليط من خطوط الخرائط المحددة بمحطات افتراضية، وببقع مغطاة بورق الذهب، تطالعك وأنت تتجول في المعرض. ويوضح: «هذه البقع الذهبية الموزعة على أقسام اللوحة ذات الخلفية البيضاء، تترجم انغماس اللبناني بالمظهر الخارجي. ورغم الدمار والمشكلات التي يواجهها، فإنه يبحث دائماً عن قناع لمّاع يضعه على وجهه كي يتجاوزها. فهو يطل في المجتمع مرتاحاً مادياً ولديه كل الإمكانات التي تسمح له بحياة مرفهة، مع أنه في الواقع يعاني أزمة اقتصادية خانقة».
وفي ظل كل هذه الأفكار التي يترجمها لي فريدريكس في لوحاته، تتساءل لا شعورياً عما يدفع به إلى البقاء في هذه المدينة المتناقضة المعاني؟ هل تحن اليوم إلى بلدك الأم؟ «لا أحن مطلقاً إلى موطني؛ لا بل إن كل يوم أمضيه في بيروت أتعلق بها أكثر فأكثر. إنها مدينة تضج بالحياة وبالألم والأمل وورشات العمل على الطرقات. وكذلك نشهد فيها الضجيج وزعيق السيارات، وأحياناً فسحات من الهدوء المفروض على أهلها بسبب أزمات متتالية يواجهونها، تخلي شوارعها وتبقيهم في المنزل. لقد شعرت بالصدمة من مدى سهولة تدمير حياة كثيرين، وانفجار بيروت أفضل دليل على ذلك».
ويتابع فريدريكس وصفه بيروت التي يعشقها: «شاهدت بلا حول ولا قوة مدينة مزدهرة أحبها وأعشق الحياة فيها، وقد دمرها العنف بين ليلة وضحاها. ويشير ذلك إلى مدى ضعفها وهشاشتها على مواجهة قدرها المفروض عليها. هو عنف مختلف جرى دمجه في النظام العام للبلاد، ينام لفترة ليستيقظ من جديد».
يركز فريدريكس في معرضه على العامين الأخيرين اللذين عاشهما لبنان... «يشعر اللبناني بالإنهاك جراء الأحداث التي شهدها. أنا شخصياً أعيش هنا منذ 20 عاماً، لم يكن الأمر سهلاً عليّ، ولكن بيروت كانت تستأهل مني كل هذا الحب. فهي زودتني بالوحي والطاقة، وفجأة تغير كل شيء بعيد انفجار بيروت. هي علاقة طويلة وحميمة أقيمها مع هذه المدينة، ولكن التبدل الجذري لمشهدية بيروت بعد هذا الحدث الأليم استوقفني كثيراً. وجاءت لوحة (الانفجار) التي ترينها في نهاية المعرض، كالصفحة الأخيرة التي طويتها أثناء عملي على لوحاتي. فبعد الانفجار بأسابيع قليلة ولدت معي هذه اللوحة. وقررت أن تكون نقطة النهاية لهذه المجموعة، ومن بعدها ما عدت أمسك بريشتي».
لوحة (انفجار بيروت) التي يطغى عليها الأسود وضوء شمس خافت يتلألأ في خلفيتها، تترجم الدمار الذي أصاب بيروت جراء الانفجار. وتحت عنوان «دولتي فعلت هذا» الذي استوحاه من عبارة كتبت على حائط رسوم غرافيتي وسط بيروت، تبرز معالم هذه اللوحة. ويوضح: «لقد لملمت بعض المواد المعدنية من أماكن تضررت بفعل الانفجار. اللوحة واضحة تعبر عن الدمار والحزن والتشرذم الذي أصاب بيروت إثر هذا الحدث الأليم».
وبين لوحات أخرى صنعها الفنان الأميركي من قصاصات جرائد، وطبقات من الورق وألوان متداخلة، نتعرف إلى واحدة من مجموعاته في فن «ميكسد ميديا».
«إنها بيروت كما أراها، وفيها تراكمات من التاريخ والثقافات والحياة والوقفات. هنا يكمن جمال بيروت. رغبت في الإشارة إليه من خلال هذه التعددية التي تلونها، وهي سمة لا نجدها في عاصمة أخرى».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.