مفصل «تقاربي» ذو دلالات في توجّهات واشنطن تجاه طهران

قراءة في تقرير «الاستخبارات الوطنية» الأميركية الذي أخرج إيران وحزب الله اللبناني من قائمة التهديدات الإرهابية؟

مفصل «تقاربي» ذو دلالات في توجّهات واشنطن تجاه طهران
TT

مفصل «تقاربي» ذو دلالات في توجّهات واشنطن تجاه طهران

مفصل «تقاربي» ذو دلالات في توجّهات واشنطن تجاه طهران

جاءت الهجمات الإرهابية على متحف باردو في العاصمة التونسية تونس، يوم 18 مارس (آذار) الحالي، لتؤكد من جديد على خطورة مسلسل انتشار رقعة الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتزامنت تلك الهجمات مع تعرّض الإرهابيين التونسيين لنكسة حقيقية باغتيال أحمد الرويسي القيادي في تنظيم «أنصار الشريعة»، فرع «داعش»، خلال المواجهات المسلحة التي دارت يوم السبت 14 مارس بين فصيل «فجر ليبيا» والتنظيم الإرهابي المتطرف على بعد نحو 70 كيلومترا من منطقة سرت بشمال وسط ليبيا. ولقد أسفرت المعركة، التي وصفت بأنها الأعنف من نوعها بين الجانبين منذ سقوط نظام معمر القدافي، عن سقوط عشرات القتلى والجرحى.
هذه التطوّرات بشمال أفريقيا تقع بعد أيام معدودات من حدثين مهمّين على صلة بالشرق الأوسط: الأول يتعلق بتعثر معركة اقتحام تكريت بشمال غربي العراق، والثاني حذف تقرير جيمس كلابر، مدير «الاستخبارات الوطنية» الأميركية الذي قدّمه هذه السنة لمجلس الشيوخ الأميركي، كلا من إيران وحزب الله اللبناني من قائمة التهديدات الإرهابية. وكان تقرير الهيئة نفسها في أعوام 2011م و2012م و2013م و2014م، وضع إيران وحزب الله ضمن قائمة قسم «الإرهاب»؛ واعتبر أنهما «يواصلان تهديد مصالح حلفاء الولايات المتحدة بشكل مباشر».
ومع أن هذا التغير غير المفاجئ لا ينسحب على رؤية «وكالة الاستخبارات الدفاعية»، التي ما زالت تعتبر إيران وحزب الله «مصدري تهديد إرهابي» للولايات المتحدة، فإن حصول تحول كهذا في المنظور الأمني، يعكس تبدلا نوعيا في المقاربة الاستراتيجية وتوجّهات صانع القرار السياسي والأمني في البيت الأبيض. ذلك أن المنظور الجديد للتهديدات الإرهابية بات، من الزاوية الأميركية، يخضع لرهانات الشراكات الجديدة بالشرق الأوسط، خاصة «شراكة تبادل المصالح» القائمة حاليا بين طهران وواشنطن. ويبدو أن رغبة النخبة السياسية - أو قل الحزبية - الحاكمة في البلدين تسعى إلى توسيع رقعة الشراكة النفعية الحالية. وبناءً عليه، يمكن اعتبار ما أشار إليه الجانب غير السرّي من تقرير كلابر رسالة تهدف إلى تعزيز الثقة بين البلدين، وفي الوقت نفسه بناء منظور أميركي جديد ومختلف يتعلق بإعادة تعريف «الخطر الإرهابي»، وإعادة ترتيب تحالفات واشنطن الشرق أوسطية.
يمكننا أن نلمس ذلك من خلال لغة التقرير، التي يظهر عليها نوع من الثناء والإشادة غير المباشرة بالدور الإيراني الجديد في كل من العراق وسوريا. فتقرير مدير «الاستخبارات الوطنية» ينوّه بما يعتبره «مجهودات إيرانية» في محاربة ما سماه «المتطرّفين السنة»، وفي مقدّم هؤلاء مقاتلو «جبهة النصرة» وتنظيم داعش، مع إبراز التقرير نجاح طهران في منع «داعش» بالذات من التوسع على مساحات أكبر في العراق.
من ناحية ثانية، في الوقت الذي تعتبر الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما تنظيم داعش أكبر تهديد إرهابي يواجه مصالحها في العالم. يشير التقرير الاستخباراتي الأميركي إلى أن إيران تسعى «في العراق وسوريا إلى الحفاظ على الحكومات الصديقة لها، وحماية مصالح الشيعة، وإلحاق الهزيمة بالمتطرّفين السنّة، وتهميش نفوذ الولايات المتحدة. وصعود (داعش) دفع إيران لتوفير المزيد من الموارد للتصدّي لتقدم المتطرفين السنّة الذين يهدّدون حلفاء إيران الإقليميين ومصالحها. وقد وفرت الأجهزة الأمنية الإيرانية الدعم العسكري القوي لبغداد ودمشق، بالسلاح والمستشارين، والتمويل، والدعم القتالي المباشر».
وسجّلت هذه النسخة غير السرّيّة المنشورة 26 فبراير (شباط) 2015 في تقييمها التهديدات حول العالم لأجهزة الاستخبارات الأميركية، أن «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني بمثابة أداتين في سياسة إيران الخارجية، وهو ما يظهر في الصراع السوري والعراقي وغيرهما. كذلك يذكر التقرير، أن حزب الله اللبناني «يواصل دعم النظام السوري والمقاتلين المؤيدين للنظام والمقاتلين الشيعة في العراق وسوريا. ويساعد مدرّبو حزب الله ومستشاروه في العراق الميليشيات الإيرانية والعراقية التي تحارب المتطرّفين السنّة هناك»، وخاصة تنظيم داعش.
وفي حين يتجاهل التقرير الاستخباراتي السياسة الطائفية الإيرانية، ودورها في اتخاذ الإرهاب بكل من العراق وسوريا طابعا طائفيا، فإنه لا يتطرق إلى دور الميليشيات الشيعية وممارساتها الإرهابية في حق المدنيين، ولا يصفها بأنها تنظيمات «متطرفة». لا بل إنه يعتبر أن لدى الجمهورية الإسلامية، أي إيران، «نوايا لكبح الطائفية، وبناء شركاء متجاوبين، مع تخفيف وطأة التوترات مع المملكة العربية السعودية»، قبل أن يستدرك بشكل دبلوماسي ليسجل أن «أنشطة إيران لحماية وتعزيز المجتمعات الشيعية في المنطقة تغذّي المخاوف وردود الفعل الطائفية». ولتحديد أكثر للجهة التي يقصدها التقرير، فإنه يعتبر أن المشكلة الرئيسية تكمن في الجهاز الأمني الإيراني الذي يرى أن قيادته تتبنى «سياسات ذات تداعيات سلبية فرعية على أمن المنطقة، وربما على إيران». وهكذا، مع أن هذه السياسة واحدة من العوامل الرئيسية للتوتر الحالي في الشرق الأوسط يصر التقرير على الاستعانة باللغة الدبلوماسية مجددا، فيعتبر الاستراتيجية التوسعية الإيرانية المصاحبة باستعمال القوة، ونشر وتكوين الميليشيات غير الخاضعة للقانون، والمستقوية على الدولة في العراق واليمن وسوريا.. «مجرد تداعيات سلبية فرعية على المنطقة».
ثم في معرض الحديث عن السلاح النووي، يقول التقرير، إنه «من غير الواضح أن إيران ستقرّر في النهاية إنتاج السلاح النووي»، مضيفا أنه «إذا ما قررت الجمهورية الإسلامية ذلك فإنها ستواجه حواجز تقنية لا يمكن التغلب عليها لإنتاج أسلحة نووية».
وانسجاما مع رؤية واشنطن الجديدة، أولى ما قدمه كلابر اهتماما خاصا لما يعتبره تهديدات إيرانية في نواحي مكافحة التجسس والحرب الإلكترونية العالمية. وركز على قدرات إيران التسليحية وتطويرها للصناعة العسكرية المحلية، وسعيها للحصول على «صواريخ تكنولوجيا بالستية عابرة للقارات كنظام توصيل محتمل للسلاح النووي».
«العودة إلى الصفر».. وترسيم الشراكة
يتضح من التوجّهات الكبرى للتقرير أن سياسة واشنطن الجديدة دخلت فعليا في تنظيم «الشراكة» مع إيران. ومن ثم، فإن حذفها وحزب الله اللبناني من قائمة التهديدات الإرهابية يمثل منعطفا استراتيجيا في السياسة الأميركية ونظرتها إلى استقرار الشرق الأوسط المضطرب؛ وهذا، في حين تعتمد سياسة «الصبر الاستراتيجي» في مواجهة «داعش».
أن مثل هذه التوجّهات تجد من يدافع عنها بقوة في الأوساط الرسمية بالعاصمة الأميركية، كما يوجد لها أنصار ومنظّرون في أوساط النخبة الأكاديمية – ولا سيما الليبرالية منها – الموجّهة لصانع السياسة الخارجية الأميركية. وكان البروفسور ستيفن كينزر منذ عام 2010م من هذا التوجه ولقد حث في كتابه بعنوان «العودة إلى الصفر.. إيران. تركيا. ومستقبل أميركا» (Reset: Iran, Turkey, and America›s Future)، البيت الأبيض على إعادة النظر جذريا في التعامل مع إيران. ومن ذلك ما جاء في الصفحة 264 من كتابه، حيث يقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن «وثمة طائفة من الأسباب المجرّدة للتفاوض مع إيران توازي عدد أسباب اللا تفاوض التي ليس لأي منها أهمية حقيقية. وما يهم هو تعذر تحقيق أي من الأهداف الأميركية الرئيسية في الشرق الأوسط – تهدئة الوضع في العراق، واستقرار لبنان، وإنهاء المأزق الإسرائيلي - الفلسطيني، وإضعاف الأصولية الإسلامية، والقضاء على (القاعدة)، والحد من المنافسة النووية، وخفض خطر الحروب المستقبلية – من دون تعاون إيران. ولقد أثبتت الأعوام الثلاثون الماضية، بشكل واف أن إيران المعزولة عامل تخريب. في حين يمكن لإيران الهادئة والمزدهرة أن تصبح للشرق الأوسط ما هي عليه ألمانيا الهادئة والمزدهرة لأوروبا، أي قوة استقرار، وموفرًا للأمن ومحركا للتنمية الاقتصادية».
بصفة عامة، التقرير الاستخباراتي لا ينهي بالضرورة وضع إيران في «محور الشر» المهدد للمصالح الأميركية، لكنه يؤشّر لمولد حقبة جديدة لشراكة شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، عبر بناء شبكة من العلاقات تشمل الجانب الأمني. وبالتالي، فإن «عصر التسوية» بين الجانبين يجد من قضية الإرهاب جسرا للعبور نحو المستقبل وتطبيق «سياسة العودة للصفر» Reset، من خلال بناء تحالفات وشراكات جديدة في شرق أوسط جديد لا تعارض فيه بين المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإيران.
* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس - الرباط.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.