صناعة البهجة... روائياً

عبد الوهاب داود في «متاهة العاشق»

صناعة البهجة... روائياً
TT

صناعة البهجة... روائياً

صناعة البهجة... روائياً

لعل أبرز ما يمكن ملاحظته في رواية «متاهة العاشق» التي صدرت حديثاً عن دار «كنوز» في القاهرة للكاتب عبد الوهاب داود، هو سعيه لإبراز شخصية الإنسان المصري المحب للحياة، القادر على تخطي صعابها، وتحويل ذكرياتها المؤلمة إلى مادة للفكاهة والسخرية من أجل تجاوزها، والاستمتاع بلحظاته التي يعيشها.
في الرواية، التي يقسمها داود إلى ثلاثة أقسام هي «البوابات» و«المتاهة» و«السكون»، يتذكر حامد عطية مبروك، الشخصية المحورية التي تسيطر على الأحداث، تفاصيل ما مر به من مآسٍ في حياته، وما عاش من أفراح وأيام سعيدة، وذلك خلال ساعات سفره على متن طائرة تقله من القاهرة إلى الإمارات في رحلة لم يعلن عن أهدافها ولا الغرض منها، يتجاهل حامد أن يبوح بالسبب وراء رحلته، لكنه رغم ذلك يكشف الكثير من التفاصيل في حياته، يحكي لرفيق رحلته، الذي تصادف وجوده إلى جواره، الدكتور كرم أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس، كثيراً من المواقف الصعبة التي تعرض لها، ويتذكر أمنياته التي كان يتمنى تحقيقها، ويذهب بعيداً، صوب سنوات طفولته، ليستعيد ما جرى له من مواقف، ويقفز على واقعه بمرارته وقسوته، «راح حامد يأتنس بماضي أيامه، ويستعرض تاريخه الشخصي، وهو يتأمل مستقبله الغامض، حيث لا شيء يسعى لتحقيقه، لا أهداف ولا طموحات، فبعد ما تجاوز الستين من عمره ما عاد لديه سوى رغبة جارفة في الاستمتاع بلحظته التي يعيشها، والاستغراق فيها حتى الثمالة».
تبدأ الرواية التي كتبها داود بلغة أقرب إلى البوح الهامس، بدعوة يتلقاها الدكتور كرم للسفر إلى الإمارات في مهمة علمية بدلاً من رئيس القسم، سعياً لوأد علاقة الأول بإحدى طالبات الماجستير، التي فاحت رائحتها، وخشي رئيس القسم أن تتسع وتنتشر خارج أسوار الجامعة، وتصل تفاصيلها للصحافة فتهدد مستقبله السياسي والوظيفي، لذا قرر أن يبعد زميله الدكتور كرم عن تلك الأجواء الملتهبة حتى تهدأ القصة. وقد وجد الأخير في رحلته فرصة ليرأب صدع ما بينه وبين زوجته حنان التي عرفت هي الأخرى تفاصيل علاقة زوجها بطالبة الماجستير.
ويربط داود، وهو يستخدم، في نسج تفاصيل روايته تقنية الراوي العليم الذي يقود الأحداث، بين حامد وبين كرم، ويشير إلى أنهما يشتركان في العديد من الصفات والتفاصيل الحياتية، ورغم أن داود جعل كرم هو الذي يحرك الأحداث ويربط بين تفاصيلها، إلا أنه لم يكن بوسعه أن يخفي تعاطفه مع أو استنكاره لما يقوم به حامد الذي يأخذ سمت وروح زوربا بطل رواية الكاتب اليوناني الأشهر كازنتزاكي، فهو لا يتوقف عن طرح رؤاه ووجهات نظره في الحياة، خصوصاً فيما يختص بعلاقته بالدين، وعلاقة الإنسان الفطرية به، وهو جانب بارز أيضاً في شخصية كرم أستاذ التاريخ المسيحي الذي يحب سماع القرآن بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ويبتهل كلما تناهت الآيات إلى مسامعه، ويرى أن ذلك لا يتعارض مع اعتبارات دينه وعقيدته المسيحية، التي يحرص على احترامها رغم أنه لم يذهب إلى الكنيسة إلا مرات قليلة.
في الطائرة يتابع كرم يقظة جاره ومنامه، وحين يتحدث ويصمت، ليعود هو بين فينة وأخرى يتذكر حياته في شوارع القاهرة وفي الجامعة، ويحكي عن أسباب اعتقاله زمن السادات، ثم اعتقال حنان حبيبته التي صارت زوجته فيما بعد، ثم يحكي عن توتر العلاقة فيما بينهما بعد معرفتها بقصته مع زميلته في الجامعة، ثم اضطراره للسفر بعيداً عن الأجواء المتوترة بينهما، أملاً في أن تهدأ الأمور وتعود إلى مجاريها. أما جاره في الطائرة، فقد راح، قبل أن يذهب في غفوته، يستعيد حياته منذ طفولته، ورحلته مع الأسماء المتعددة له، حيث قام والده بتسميته حامد في شهادة الميلاد، ثم قامت أمه التي لم يعجبها الاسم، بتسميته حسن، وفي الأخير قيامه هو نفسه باختيار اسم مصطفى لنفسه بعد أن رأى فتاته التي خلبت لبه تغني في المدرسة بين زميلاتها وترقص على أنغام أغنية «يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى»، فقد كان يريد بذلك أن يقنع نفسه بأنها تغني له هو وحده دون الجميع من زملائه.
وفي حديث حامد للدكتور كرم يواصل وجهات نظره ويقول لماذا لا نطلق الحرية لأبنائنا في كل شيء، حتى اختيار أسمائهم، التي يحبون أن يناديهم بها الناس، يقول: «لماذا لا ندعهم يختارون شكل الحياة التي يرغبون في معيشتها، والأعمال التي يودون القيام بها»، وهنا يظهر نوع من التناقض الواضح بين الشخصيتين، الذي بدا من اضطرار أسرة الدكتور كرم لتسميته اسماً حيادياً بعيداً عن أي إشارات مسيحية، زمن السادات، حتى لا يتعرض للاعتداء والتمييز بسبب اسمه، وقد فعلت ذلك ومعها كثير من الأسر، التي كانت ترى ما يجري في الواقع من أحداث طائفية، وخافت من استمرارها وامتدادها لأبنائهم. لكن رغم كل ذلك لم يفلت كرم باسمه من الظلم، حيث قام نظام السادات باعتقاله عامين كاملين بتهم ملفقة، وحين أفرجوا عنه بعد تولي مبارك الحكم قامت السلطات باعتقال حبيبته بسبب انضمامها لأحد الأحزاب المعارضة، ولم يستطيعا الزواج إلا بعد الإفراج عنها.
أما حامد فقد تعرض هو الآخر لكثير من الانكسارات، كان أولها اضطراره للهروب من القاهرة للسويس بعد ما قام بصفع حبيبته التي لم تتجاوب معه في مشاعره، وخشيته أن يتعرض للعقاب من والده، ثم نراه يهرب مرة أخرى إلى أسوان بعدما قام بالاعتداء على أحد الأشخاص، تاركاً حبيبته الإنجليزية في السويس، وهناك تدور به الدوائر، إلى أن يظهر في مطار القاهرة متجهاً إلى الإمارات، التي يصلها ليختفي مرة أخرى إلى غير رجعة.
وفي الإمارات لم تكن تحركات حامد أقل صخباً منها في القاهرة وغيرها من المدن المصرية، فقد كان قادراً على لفت الأنظار، وإشاعة البهجة أينما حل، وكان ظهوره في مشهد على كورنيش البحر هناك، وغنائه وعزفه على آلة السمسمية التي يعشقها، وما أشاعه من بهجة في أرواح من أحاطوا به في المكان تجلياً لمعنى محبته للحياة وقدرته على تجاوز آلام غربته مهما كانت قاسية ومبرحة، هناك التقاه كرم مرة أخرى وصاحبه عدة أيام حتى اختفى، ولم يعد يراه رغم سعيه الدؤوب للعثور عليه والاستمتاع برفقته.
يبقى أن نقول إن استخدام تقنية الراوي العليم التي اعتمدها داود، لم تقف حائلاً دون أن يعبر حامد عن نفسه، وما يعتمل في روحه من مشاعر، وقد عاد كثيراً لماضي أيامه عبر استخدام تقنية «الفلاش باك»، وذلك من خلال سعيه لإثبات ذاته أمام صاحبه المتخصص في التاريخ، وقد راح يحكي حكاياته مع الأرواح الطيبة والشريرة التي التقاها في مسيرته العامرة بالنجاحات والانكسارات ليقول له، «إن التاريخ الحقيقي هو تاريخ الإنسان الحي، لا ما يقرأه في الكتب والمجلدات».



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).