اليمين الأميركي يتهم الإعلام الليبرالي بـ«تسييس» ملف الاحتباس الحراري

بعد تقرير أممي يُظهر «خطأ توقّعات سابقة» عن تغيّر المناخ

يايدن في لويزيانا لتفقد أضرار ما بعد «أيدا»
يايدن في لويزيانا لتفقد أضرار ما بعد «أيدا»
TT

اليمين الأميركي يتهم الإعلام الليبرالي بـ«تسييس» ملف الاحتباس الحراري

يايدن في لويزيانا لتفقد أضرار ما بعد «أيدا»
يايدن في لويزيانا لتفقد أضرار ما بعد «أيدا»

تسببت العاصفة «أيدا» التي ضربت أخيراً ولاية لويزيانا بجنوب الولايات المتحدة، وسواحل ولايتي نيويورك ونيوجيرزي بشمال شرقها، في تجدد الجدل حول تغير المناخ، خصوصاً تعامل الإعلام الأميركي مع هذه القضية. بيد أن الجدل أخذ هذه المرة أبعاداً تجاوزت النقاش حول صحة المخاوف من تأثيرات هذه الظاهرة على مناخ الولايات المتحدة وكوكب الأرض عموماً، إذ طال «الدور السياسي» الذي يلعبه الإعلام في مناقشة هذه الظاهرة، بما يتجاوز مهمته في التحذير من أخطارها وتغطيتها.
ومع أن المدافعين عن نظرية تغيّر المناخ لم يدلوا بدلوهم بعد في مواجهة تلك الانتقادات التي صدرت بأقلام «محافظة»، على ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن اللافت في هذا النقاش، هو تزامنه مع تقرير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، الذي صدر قبل بضعة أسابيع، ووصفته الصحيفة الأميركية المحافظة بأنه «يسدّد ضربة لادعاءات الإعلام الأميركي ومبالغاته» في هذا المجال.
يقول المنتقدون إن ظاهرة التغير المناخي ليست وهماً بالتأكيد. إلا أنهم يرون أيضاً أن التغاضي عن الحقائق العلمية وتضخيم الأرقام، يأخذ منحى مقلقاً يجري استغلاله سياسياً في أجندات الانقسام السياسي الذي يخترق الولايات المتحدة اليوم. وأشار هؤلاء إلى ما عدّوه «تواطؤ خبراء المناخ والإعلام والساعات الطويلة من التغطية الإخبارية. وأن هذه التغطية المكثفة سعت إلى تأكيد وجهة نظر لا تحظى بإجماع، في جدل بين: مَن يحاول توظيف الكوارث الناجمة عن المناخ في معركة قد تكون لها تأثيرات سياسية واقتصادية واجتماعية. ومَن يدعو إلى التأني في إطلاق أحكام مطلقة لا تستند إلى أرقام واقعية».
وهكذا حظيت جولة الرئيس الأميركي جو بايدن وأعضاء من حزبه الديمقراطي لتفقد الأضرار الناجمة عن الإعصار، بتغطية مكثفة اتهم المحافظون الإعلام فيها بأنه يسعى لمساعدة الرئيس على الترويج لخطته لإصلاح البنية التحتية، عبر التحذير من «التهديد الوجودي» لتغير المناخ. وكان بايدن قد قال: «إن الأمة والعالم في خطر بسبب تغير المناخ... هذه ليست مبالغة، هذه حقيقة». وأردف: «الأدلة واضحة. يشكل تغير المناخ تهديداً وجودياً لحياتنا واقتصادنا»، مؤكداً أن حزمة الإصلاح البالغة 3.4 تريليون دولار، ستشمل ضخ استثمارات لإصلاح الطرق والجسور والأنابيب، بقيمة 1 تريليون دولار.
في المقابل، يقول المنتقدون -وجلّهم من اليمين المحافظ- إنه بعد 41 سنة من الترويج «لتقدير غامض وغير مُرضٍ» لمقدار الاحترار الذي قد ينتج عن مضاعفة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، جاء التقرير ليقدم للمرة الأولى تقديراً علمياً عن تاريخ المناخ الحديث. ويضيف المنتقدون أن الإعلام الأميركي، خصوصاً الإعلام «الليبرالي» المهيمن، «لطالما تجاهل التقارير العلمية التي كانت تشير إلى ضرورة عدم المبالغة، وبنى خلاصات كانت لها تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية لا يستهان بها». ويضيف هؤلاء أنه في الوقت الذي غطى فيه الإعلام الأميركي 5 تقييمات سابقة للأمم المتحدة وغيرها من التقارير، تجاهل الإشارة إلى التقرير الأخير الذي يثبت أن التقييمات السابقة كانت خاطئة. كذلك يقول هؤلاء إن التقارير السابقة اعتمدت على حسابات متوسطة نتيجة عمليات محاكاة مناخية حاسوبية غير متسقة، كانت تشير إلى أن حرارة الأرض سترتفع خلال عقدين 4.5 درجات مئوية، لكن تبين أنها «إن لم تكن كلها صائبة، ربما أي منها لم يكن على حق».
الواقع أن تقرير الأمم المتحدة الأخير خلص إلى أن أسوأ حالة هي الارتفاع بمقدار 4 درجات. والأهم من ذلك، أنه مع وجود ثقة أكبر بكثير من ذي قبل، فإن النتائج الكارثية التي تزيد على 5 درجات أصبحت الآن غير مرجحة مطلقاً. ثم إن سيناريو «الانبعاثات الرهيبة» الذي رُوج له على مدى عقدين من الزمن، «يجب أن يُنظر إليه على أنه بعيد الاحتمال إلى حد كبير، مع توقعات معقولة بدرجة أقل بمقدار الثلث عن التقديرات السابقة حول درجات الحرارة المتوقعة». وهو ما أغفلته الصحافة الليبرالية، وفق المنتقدين اليمينيين، لأنها لم تشر إلى أن التأثير الكامل لهذه الانبعاثات لن يظهر إلا بعد عقود أو حتى قرن من الزمان. ويشدّد هؤلاء على أن التقرير يشير إلى أن التأثير الأسوأ المحتمل لمضاعفة ثاني أكسيد الكربون هو 4 درجات، لكن أفضل تقدير «للاستجابة المناخية العابرة» لهذا القرن، هو نحو 2.7 درجة، أو 1.6 درجة فوق الاحترار الذي حدث منذ بداية الصناعة.
بعدها، يناقش المنتقدون تغطية الإعلام الأميركي للتقييم الوطني للمناخ في الولايات المتحدة، الذي صدر عام 2018. والذي أشير إليه على أنه نتيجة شبه حتمية لزيادة درجة الحرارة بمقدار 6.1 درجة مئوية. وهنا يقول هؤلاء إن الإعلام استخدم هذا التقييم «لمهاجمة سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، بعدما انسحب من اتفاقية المناخ، ورفضه فرض قيود جديدة على الصناعات الأميركية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، وتوظيف تلك الهجمات ضده في المعركة السياسية التي كان يخوضها في مواجهة الديمقراطيين». ويضيفون: «بيد أن تقرير الأمم المتحدة الأخير، أظهر خطأ تلك التقييمات، عندما نفى علمياً احتمال ارتفاع درجات الحرارة، بالمقدار أعلاه، وهو ما جرى إغفاله على أي حال، حسب المنتقدين».
ومن ثم، يتهم المنتقدون ما يصفونهما بـ«الإعلام الليبرالي» والحكومة الأميركية الحالية، بأنهما يبالغان في وصف العاصفة الأخيرة بأنها نتيجة مباشرة للاحتباس الحراري، كما بالغا في تصوير شهر يوليو (تموز) بأنه كان أكثر الشهور حرارة على الإطلاق. فالتسجيلات الحكومية تؤكد أن تلك العواصف غالباً ما تكررت، على الأقل في السنوات المائة الأخيرة، بينما هامش الخطأ في قياس درجة الحرارة يُظهر مبالغة بأكثر من عشرة أضعاف من الفارق المزعوم عن الشهر الأكثر سخونة الذي ادُّعي بشأنه في يوليو 2016.


مقالات ذات صلة

تهجير 40 مليون شخص بسبب كوارث مناخية في 2024

يوميات الشرق الفيضانات المدمرة في البرازيل تسببت في مقتل أكثر من 80 شخصاً خلال مايو 2024 (رويترز)

تهجير 40 مليون شخص بسبب كوارث مناخية في 2024

أفادت دراسة دولية بأن عام 2024 شهد درجات حرارة قياسية تسببت في تغييرات جذرية بدورة المياه العالمية، مما أدى إلى فيضانات مدمرة وجفاف شديد في العديد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال فعالية في فينيكس بولاية أريزونا الأميركية... 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

لماذا يطالب ترمب بجزيرة غرينلاند وقناة بنما؟

يسعى ترمب من خلال مطالبته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة للولايات المتحدة، لا سيما على حساب الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
بيئة تغير المناخ جعل ارتفاع درجات الحرارة أكثر ترجيحاً بمختلف أنحاء العالم (رويترز)

تغيّر المناخ أضاف 41 يوماً من الحرارة الخطيرة بمختلف أنحاء العالم عام 2024

ذكرت مجموعة من العلماء أن البشر في جميع أنحاء العالم عانوا من متوسط 41 يوماً إضافياً من الحرارة الخطيرة، هذا العام؛ بسبب تغير المناخ الناجم عن الإنسان.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.