القنوات التلفزيونية اللبنانية تتجه لإنشاء تحالف لمواجهة أزماتها المالية المتفاقمة

تراجع سوق الإعلانات مستمر منذ عام 2011 والمال السياسي محدود بغياب الانتخابات

أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية محمود طربيه  -  رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» طلال المقدسي
أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية محمود طربيه - رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» طلال المقدسي
TT

القنوات التلفزيونية اللبنانية تتجه لإنشاء تحالف لمواجهة أزماتها المالية المتفاقمة

أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية محمود طربيه  -  رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» طلال المقدسي
أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية محمود طربيه - رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» طلال المقدسي

ليست القنوات التلفزيونية اللبنانية الثماني بصدد الإعداد لأي عملية دمج راج الحديث عنها في الفترة الماضية، فلا القانون الذي ينظم قطاع الإعلام في لبنان يسمح بذلك ولا التوجهات السياسية لكل محطة قد تتيح اللجوء إلى خيار مماثل تتخلى بموجبه عن هويتها وانتمائها.
ينشغل حاليا رؤساء مجالس إدارة هذه القنوات بالسعي إلى إنشاء تحالف يواجهون من خلاله موحدين أزماتهم المالية المتفاقمة نتيجة التراجع المدوّي والمستمر في سوق الإعلانات منذ عام 2011 مع اندلاع الأزمة السورية، ومحدودية المال السياسي، خاصة بعد تأجيل الانتخابات النيابية لمرتين على التوالي والدخول في مراوحة سياسية قاتلة لا دور أساسيا فيها للدعاية السياسية.
وكان رئيس مجلس إدارة «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» بيار الضاهر أول من تحرك باتجاه وضع خطوط عريضة لخطة إنقاذية لقطاع الإعلام المرئي الذي يخسر سنويا مبلغا يفوق 60 مليون دولار.
ويؤكد وزير الإعلام رمزي جريج أن الحراك الحاصل «لا يهدف لا من قريب أو من بعيد لدمج القنوات التلفزيونية اللبنانية، باعتباره أصلا طرحا مخالفا لقانون الإعلام»، لافتا إلى أن ما تسعى إليه المحطات الثماني هو إقرار خطة لمواجهة أزماتها المالية الناتجة عن تقلص سوق الإعلانات. وقال جريج لـ«الشرق الأوسط»: «لقد اجتمعت برؤساء مجالس إدارة القنوات وقد حملوا مجموعة من المطالب المحقة التي نؤيدهم فيها تماما، وأبرزها سعيهم لدى وزارة الاتصالات لتخفيض الرسوم المفروضة عليهم أسوة بالقنوات الأجنبية التي تمتلك مكاتب تمثيلية لها في لبنان لكنّها تبث من خلالها».
وأشار جريج إلى مطلب ثان تحمله القنوات المحلية لجهة دعوتها لفرض بدل مادي على حقوق البثّ على أصحاب الكابلات باعتبار أن هؤلاء يدفعون للقنوات الأجنبية ولكنّهم لا يعاملون القنوات المحلية بالمثل. وأضاف: «لقد وعدتهم بدعم مطالبهم سعيا لتحقيقها وسيتم عقد سلسلة اجتماعات تنسيقية لهذا الغرض».
وقد عرض رؤساء مجالس إدارة القنوات المحلية أخيرا مشروع عمل موحدا يضم 10 نقاط يعملون عليه للحفاظ على استمرارية قنواتهم بعد غزو الإنترنت المجال، مما يضعهم أمام مخاطر كبرى في المرحلة المقبلة. وسبق أن عرض هؤلاء لوزير الاتصالات بطرس حرب مطالبهم التي ذكرها جريج إضافة إلى حثّه على تحسين سرعة خدمة الإنترنت، وإلغاء الرسوم عن سيّارات البثّ المباشر SNG.
وأشار رئيس مجلس إدارة «تلفزيون لبنان» طلال المقدسي والناطق الرسمي باسم رؤساء مجالس إدارة القنوات المحلية الثماني إلى أن الأزمة المالية الحادة التي تتخبط فيها المحطات هي نتيجة تقلص الميزانية والمداخيل الإعلانية التي ترتبط بحجم العمل في لبنان الذي تأثر تلقائيا بالأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة ما أدّى لشح بالاستثمارات الإعلانية.
وقال المقدسي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نتناول الموضوع من خلال شقين رئيسيين، شق مالي بحت وشق إعلامي، أما كل ما يُحكى عن عملية دمج أو توحيد في تغطيات إخبارية أو غيره فمجرد استنتاجات لا تمت للحقيقة بصلة».
وأوضح المقدسي أنّه في ثمانينات العام الماضي كان حجم الإنتاج القومي اللبناني 5 مليارات دولار وكان حجم الإنتاج الإعلامي منه ما بين 60 و80 مليون دولار، أما اليوم فقد أصبح حجم الإنتاج القومي 45 مليارا فيما أصبح حجم الإنتاج الإعلامي أقل من 60 مليون دولار. وأضاف: «نحن نسعى حاليا لوضع حد للمضاربة غير المشروعة ولعدم احترام التعريفة المفروضة، خاصة أن حجم الاستثمار بالإعلام حاليا نحو مليار و62 مليون دولار فيما أنّه لا يُترجم فعليا بأكثر من 90 مليون دولار».
ولطالما اعتبر سوق الإعلانات في لبنان من أكبر الأسواق في المنطقة، وقد صنّفت شركة Mart Point المتخصصة في بحوث السوق في عام 2013 لبنان بوصفه ثالث أكبر مستقطب للإعلانات التلفزيونية الجديدة على المحطات التلفزيونية المحلية بين 14 سوقا عربية. وتركّز الشركات الكبرى إعلاناتها حاليا على الفضائيات العربية الضخمة وعلى رأسها MBC، خاصة مع تراجع الدورة الاقتصادية في لبنان مع اندلاع الأزمة السورية في عام 2011.
وأشار أستاذ الإعلام في الجامعة اللبنانية محمود طربيه إلى أنّه وبالتزامن مع تراجع سوق الإعلانات للأسباب السابق ذكرها، «تقلص حجم المال السياسي الذي يُخصص للقنوات اللبنانية خاصة مع تفاقم أزمات تيار المستقبل المالية، ما انعكس تلقائيا على تلفزيون المستقبل، وخلاف المؤسسة اللبنانية للإرسال مع الأمير الوليد بن طلال». وقال طربيه لـ«الشرق الأوسط»: «أضف إلى كل ذلك أن الأزمة الاقتصادية انعكست سلبا على أصحاب المحطات الذين قلصوا كذلك من حجم الأموال المدفوعة للاستثمار بمؤسساتهم». واستبعد طربيه كليا أن ينتهي التحالف القائم حاليا بين القنوات اللبنانية الثماني إلى دمجها، «باعتبار أن لكل منها لونها السياسي وجمهورها ومشروعها السياسي الذي ليست بصدد التنازل عنه». وأضاف: «رغم كل المصاعب التي تعانيها والضائقة المالية الكبرى، ليست أي من هذه القنوات، أكانت صغيرة أو كبيرة، بصدد الإقفال أو التخلي عن هويتها لصالح عملية دمج، كون القادة السياسيين القيمين عليها مقتنعين بوجوب استمراريتها ولو كانت مؤسسات خاسرة ماديا خدمة لمشاريعهم السياسية». ولطالما صُنّفت القنوات التلفزيونية اللبنانية المحلية وبمعظمها، حزبية، أو مرتبطة بأجندات سياسية معينة. وتُعتبر محطتا «MTV» و«تلفزيون المستقبل» محسوبتين تماما على قوى 14 آذار، فيما تُعتبر قنوات «الجديد» و«NBN» و«OTV» و«المنار» محسوبة على قوى 8 آذار. وقد حاولت المؤسسة اللبنانية للإرسال التي كانت محسوبة على حزب القوات اللبنانية أن تُنشئ حالة خاصة في الفترة الماضية باعتبارها لم تعد ناطقة باسم أي من الأحزاب أو القوى اللبنانية.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.