رشيد درباس: السيّاب جعلني أتوقف عن كتابة الشعر عشرين سنة

بعد رحلة عمر مع الأدب وفي دهاليز السياسة

رشيد درباس
سيرة في ديوان
رشيد درباس سيرة في ديوان
TT

رشيد درباس: السيّاب جعلني أتوقف عن كتابة الشعر عشرين سنة

رشيد درباس
سيرة في ديوان
رشيد درباس سيرة في ديوان

يقضي الشاعر والوزير اللبناني السابق رشيد درباس، وقته في مكتبه الزجاجي المطل على بحر مدينته الأثيرة «الميناء»، موزعاً نشاطاته بين كتابة الشعر والمقالات والقراءة، ومتابعة الأحداث السياسية وتحضير ملفاته القضائية. فقد كان نقيباً سابقاً للمحامين، ولا تزال المحاماة مهنته التي لن يتقاعد منها، كما أنه لن يعتزل الكتابة. وإذ يرى أن المرافعة حين تكون معجونة بالأدب ومستعينة بالتاريخ؛ فهي مما يسعد القاضي، ويسهل مهمة المحامي، وهو يستفيد من موهبته اللغوية في الدفاع عن آرائه السياسية تماماً كما عن موكليه.
وبعد ستة دواوين شعرية، ها هو يعدّ العدّة لإصدار سابع، وكلما قال إنه تاب عن الشعر عاد إليه طائعاً، وتحدث عنه عاشقاً، مستشهداً بأبيات يحفظها لكل مناسبة.
وُلد رشيد درباس عام 1941 في قرية عين يعقوب العكارية المعروفة بصنوبرها البري. يقول «كنا حين يمرض أحدنا يأخذوننا إلى الصنوبر للتداوي. لهذا كتبت (سيرة من صنوبر وملح)». في السابعة انتقل رشيد الصغير مع عائلته إلى مدينة والدته ميناء طرابلس، ولم يكن لقاء الطفل بالمدينة سهلاً. «حين دخلنا أنا وأخي مدرسة (مار إلياس) شعرنا بالخوف وأن الناس ستأكلنا. لم أتأقلم في المدرسة. كنت أجرّ أيامي بصعوبة فظيعة، لغاية أن أنهيت البكالوريا الأولى في القسم العلمي». يحاول الشاعر أن يبحث عن منابعه الأولى، يتتبعها «في الصف الثالث الابتدائي كان لمعلمة اللغة العربية أليس أيّا صوت أخاذ. ثم علمني العربية كامل درويش، الذي كان يأتي بنا إلى المدرسة، في أواخر مارس (آذار) بعد الدوام، حيث تكون طرابلس قارورة عطر بسبب رائحة بساتين الليمون. جلس يوماً على الطاولة، وأخذ يقول كلاماً لم أعرف منه سوى أنني كنت مسحوراً به وبلغته وإلقائه، كان شاعراً وكنت أتمنى أن أقلده». مع العائلة لم يكن حال رشيد مختلفاً «حين كان يعود أبي إلى البيت يقول له جدي يالله يا توفيق، إتينا بسيرة عنترة. يقرأ أبي وحين يصل إلى الشعر يغنيه، وكان ذا صوت لم أسمع مثيلاً له في حياتي».
ظن الصبي أن الدنيا شعر وغناء وصوت عود. لم يكن والداه متعلمين، إلا أنه لم يرهما ينامان إلا والكتاب في يديهما، وعنهما أخذ رشيد حب القراءة. «كنا أنا وأخي ثم جاءت أختي بعد 12 عاماً. تأثرت بوالدي وبتلك الأجواء الفنية. كان عمري 13 سنة، يوم قرأت قصيدة لأمين مشرق اسمها (الكمان). وحصل معي بعد أربعين سنة أن تعرفت على صديق عميد في الجيش، هو جوزيف بدوي، يعزف عزفاً خرافياً على العود، ولم أنتبه أنني مسكون بالكمان. وكتبت من وحي تلك القصيدة التي اكتشفت أنني اختزنها في بالي».
ذاكرة طازجة وعفية، يرجع بها رشيد درباس إلى طفولته وكأنه يعيشها اللحظة، يربط بين القصائد التي قرأها، وتلك التي عاد وكتبها بعد سنوات طوال، ليشعر بأنه إنما كان يكتنز المعاني والصور والإيقاعات، ويخرجها بحلة لم يعرفها أحد من قبل. «تغيرت نظرتي للشعر بمرور الوقت، أدركت كم من المهم أن يكون صادقاً، ومبتكراً. وصرت أتعمد في كتابتي التضمين، وبارز عندي تضمين التراث مع تغيير السياق».
لا يخفي أنه لم يحب المدرسة أبداً «كنت أشعر بعبء. اكتشفت متأخراً أنني لم أكن أفهم ما يدور. كانت الفرنسية صعبة. وكرهت الكيمياء ومعادلاتها بشكل فظيع. لم أشعر بالارتياح إلا حين وصلت إلى البكالوريا واخترت قسم الفلسفة. تلك كانت واحتي». بإمكان درباس اليوم أن يشرح لك ابن رشد والغزالي، والفارابي، وعلماء الكلام، المعتزلة والأشاعرة، بفضل قراءاته في تلك الفترة، خاصة ما كتبه الدكتور عبد الرحمن مرحبا.
لكن الوالد كان يريد لرشيد أن يتخصص في الزراعة ليدير عقارات جده في عكار، ورشيد في وادٍ آخر. صار مسحوراً بالناصرية، والقومية تشتعل في قلوب الشباب، فشد الرحال إلى مصر للدراسة هناك. درس في كلية الزراعة مع عادل أمام وصلاح السعدني عام 1961. «مكثت سنة لم أتعلم شيئاً، لكنني تعرفت على مصر، حضرت كل المسرحيات، وارتدت صالون نجيب محفوظ، وحضرت المهرجانات. وقررت الانتقال إلى كلية الحقوق، دون أن أخبر عائلتي».
تخرّج وعاد إلى لبنان ليتخصص في القانون اللبناني في الجامعة اليسوعية، ويتدرج في مكتب عمر مسقاوي.
لا يعرف رشيد درباس، متى بدأت علاقته مع الشعر، إلا أنه يصف المحاولات المبكرة بأنها «أنتجت شعراً من أسخف ما كتبت». شحذ موهبته بالقراءة والاطلاع، وقرر أنه لن يكون شاعراً بعد أن قرأ ديوان «أنشودة المطر» للسيّاب، وأدهش بقصيدته الشهيرة التي مطلعها: عيناك غابتا نخيل ساعة السحر - أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر. كان ذاك عام 1961 فبقي متوقفاً عن كتابة الشعر حتى 1981.
بعد صمت عشرين سنة، استفاق ذات ليلة مع طلوع الفجر، وهو ينسج قصيدة استلهمها من قصيدة السيّاب تلك، ومن جملة استخدمها يوم كان طالباً في القاهرة، ليصف بها طالبة أعجبته عيناها، فكتب: عيناك الشط الأفريقي. لتكون نواة ديوانه الأول «همزة وصل» وكرة السبحة فكتب «الرمل ديوان نخيل»، «من... إلى حبيبة»، «هبة لحن يضيء الحياة»، «شبابيك ليل»، وفي ديوان خاص أسماه «طفولتي شعر لا يشيب»، كتب سيرة حياته شعراً.
ما كان ربما لينطلق في كتابة الشعر لولا تشجيع صديقه الذي سيصبح وزيراً عمر مسقاوي وهو يسمعه «عيناك الشط الأفريقي»، ودعوة الشاعر عبد الفتاح عكاري له لينضم إلى «منتدى طرابلس الشعري». «مع هذه المجموعة شعرت نفسي أمياً باللغة والشعر. كبار من مثل عبد الكريم شنينه تعلمت منهم الفن والعروض والشعر».
انخرط رشيد درباس في «حركة القوميين العرب»، وبقي نشطاً ومنظماً معهم حتى عام 1964. كان عمره 17 عاماً يوم تعرف على غسان كنفاني الذي كان يأتي ليلتقي بالمجموعات القومية في مقهى عزيزة في طرابلس، تحت المكتب الحالي لرشيد درباس. ثم تحمس لحركة «فتح»، إلى أن خرجت من بيروت عام 1982. ويروي درباس، أنه فور عودة أبو عمار بقارب من قبرص بشكل سري إلى طرابلس، التقاه عند عودته، واختلف معه. «عادوا إلى طرابلس لإنتاج دولتهم. لم أكن موافقاً بالتأكيد». ليلتها، يقول درباس، إنه تعرض لمحاولة قتل ونجا بفضل سائقه.
«كان أول ما حصل بعد دخول السوريين إلى لبنان، أنهم بدأوا البحث عني. نصحني الأصدقاء بأن أتوارى». ويروي أن أحمد كرامي وكان مديراً لمرفأ طرابلس وصديقاً حميماً له، وضعه في سيارته، أدخله المرفأ وهرّبه على متن باخرة شحن إلى قبرص. و«بقيت حرقة عندي أن والدي توفي في غيابي عن 62 سنة ولم يكن مريضاً، ولم أمش في جنازته. وكي يمنعني من العودة في ذلك اليوم الصعب، جاءني أحمد إلى قبرص ومعه زوجتي وأولادي».
ذهب أنور السادات إلى القدس، وغيّر السوريون مواقفهم، وعاد رشيد درباس إلى طرابلس بعد غياب سنتين.
«أنا رضعت عروبة. لكنني حين رأيت ما فعلته العروبة بطرابلس كتبت (النار أخمدت القصيدة)، تحدثت عن السنونوات التي كانت تعيش بالفعل معنا، وفي بيوتنا وهجرتنا، لأنها أليفة ونحن متوحشون».
عرض درباس مجموعته الأولى «همزة الوصل» قبل نشرها على الشاعر والرسام والناقد رضوان الشهال الذي كان متأثراً بتقنياته. يومها قال له «الشعر أمران: تركيز وتكثيف. فحين سألوا رودان عن عمله قال: آتي بالحجر واخلصه من كل الزوائد».
يصف من يكتب على الإيقاع والقوافي بأنه «شاعر أما من يكتب شعراً نثرياً فهو يقترب من طبقة الأنبياء التي لا أدعيها لنفسي. الفرق بين الشعر الموزون والشعر النثري أن الأول له كثافته التي تحملك، بالإيقاع والروي، والآخر يحتاج إلى مهارة فائقة. أدونيس حين يكتب نثراً أو نزار قباني فهما يكتبان أرفع من الشعر. وكذلك محمود درويش».
ونسأل هذا الشاعر كيف أنه أصبح وزيراً وصديقاً للجميع، دون أن ينخرط في حزب، فيجيب «أنا حيوان سياسي، وعندي جرأة القول. اتُهمت بأنني شيوعي لأنني ترشحت على لائحة مع نقولا الشاوي وفاروق المقدم عام 1972على الانتخابات النيابية، كان عمري 30 عاماً ومجرد زيادة عدد، وبالطبع لم يفز أحد. وذات مرة، قرر الرئيس رفيق الحريري ترشيحي وضمي إلى لائحته. حدث ذلك قبل إغلاق باب التسجيل بيوم واحد، ولم نكن على معرفة مسبقة، رفض وجودي على اللائحة مرشحو الجماعة الإسلامية على اعتبار اني شيوعي، وما أنا بذلك».
درباس مدين بكثير من تفكيره للماركسية أو الديالكتيكية؛ «لأن الديالكتيك يخرجك من الخرافة. إنه علم، لكن الخطر أن يقع الإنسان بالدوغمائية كما حصل للحزب الشيوعي. نحن نعتبر البرغماتية عيباً، لكنني حالياً أرى فيها رقياً. تفكيري تغير بمرور الوقت، وفي ديواني الأخير نقد ذاتي في العمق».
حين أصرّ الرئيس سعد الحريري على توزيره في حكومة تمام سلام عام 2014، وزيراً للعدل، وعلى طريقة الحكومات اللبنانية التي يختلف فيها على الحصص، رفض أشرف ريفي دخول الحكومة بوزارة الشؤون الاجتماعية، فتنازل له عن العدل، وقرر عدم المشاركة. يروي درباس «لكنهم أصروا. اتصلوا بي وطلبوا مني الحضور لأن المراسيم صدرت والصورة الرسمية تؤخذ، في القصر الجمهوري وأنا في طرابلس. حين وصلت كان نبيه بري يغادر والصورة قد التقطت من دوني. لتدارك الوضع، أتوا بشخص اسمه أبو عقل أوقفوه مكان نبيه بري، والتقطت الصورة الرسمية مرة ثانية. وبواسطة الفوتوشوب تم استبدال رأس أبو عقل في الصورة برأس نبيه بري»... يضحك ويقول «هذه صورة رسمية مزورة».
تأثر كثيراً بشخصية جورج حبش «كان بالنسبة لي مثلاً أعلى». وأحب محسن إبراهيم. ومصطفى صيداوي الذي أدخله حركة القوميين العرب. «أما الشخص الذي غيّر مقارباتي السياسية فهو جان عبيد، ربطتنا عِشرة عميقة لدرجة غريبة، وكان يروج لي حيثما تواجد، وبسبب كلامه عني عرفني المرحوم رفيق الحريري، وأرادني أن اضم إلى لائحته الانتخابية دون سابق معرفة».
هذه الأيام يقرأ رشيد درباس «لسد الثغرات؛ لأن زمن امتصاص المعرفة انتهى». قرأ كثيراً عن الحرب العالمية الثانية، وكذلك كتاب «فلاحو سوريا» لحنا بطاطو، وحالياً يعكف على «الموحدون» لعباس الحلبي. القراءة صارت وسيلة لتسكير الفجوات، وتوضيح الرؤية.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.