الحكومة اليمنية تحمّل الحوثيين مسؤولية تعقيد الوضع الإنساني

أكدت أنه «لا سلام» مع الانقلابيين إلا وفق المرجعيات الثلاث

وزير الخارجية اليمني لدى لقائه السفراء العرب المعتمدين لدى السويد أمس (سبأ)
وزير الخارجية اليمني لدى لقائه السفراء العرب المعتمدين لدى السويد أمس (سبأ)
TT

الحكومة اليمنية تحمّل الحوثيين مسؤولية تعقيد الوضع الإنساني

وزير الخارجية اليمني لدى لقائه السفراء العرب المعتمدين لدى السويد أمس (سبأ)
وزير الخارجية اليمني لدى لقائه السفراء العرب المعتمدين لدى السويد أمس (سبأ)

حملت الحكومة اليمنية الميليشيات الحوثية المسؤولية عن تعقيد الوضع الإنساني في البلاد، كما شددت على أنها تطمح إلى إحلال السلام مع الانقلابيين وفق المرجعيات الثلاث المتوافق عليها.
التصريحات اليمنية جاءت على لسان كل من وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، والمندوب اليمني لدى الأمم المتحدة عبد الله السعدي، وذلك بالتزامن مع أول إحاطة يقدمها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ أمام مجلس الأمن منذ تسلمه مهامه خلفاً لمارتن غريفيث.
وذكرت المصادر الرسمية أن بن مبارك استعرض، أمس (السبت)، في العاصمة السويدية استوكهولم، مع السفراء العرب المعتمدين لدى مملكة السويد، تطورات الأوضاع السياسية في بلاده، وآفاق الحل السياسي، ورؤية الحكومة لتحقيق سلام عادل شامل وفقاً للمرجعيات الثلاث.
وتعني الحكومة اليمنية بالمرجعيات الثلاث المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن الدولي، خاصة القرار (2216).
وبحسب ما نقلته المصادر الرسمية، أشار الوزير اليمني إلى أهمية تنسيق التحرك الدبلوماسي بين السفارات العربية في بلدان الاعتماد في مواجهة المشروع الإيراني التخريبي وأدواته الذي قال إنه «يهدف إلى نشر الفتن والفوضى، وزعزعة الأمن والاستقرار، وتمزيق النسيج الاجتماعي في المجتمعات العربية».
وفي السياق نفسه، اتهم المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة عبد الله السعدي الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران بتعقيد الوضع الإنساني من خلال فرض الجبايات والضرائب والجمارك المضاعفة على التجار والمستوردين، مما يتسبب في ارتفاع أسعار الغذاء، وخلق الأزمات، بما في ذلك أزمة المشتقات النفطية.
وقال السعدي، في كلمة له أمام مجلس الأمن، إن الميليشيات الحوثية تمنع رجال الأعمال في المناطق التي تحت سيطرتها من اتباع الإجراءات القانونية، كما قامت بإنشاء السوق السوداء على نطاق واسع لبيع الوقود بأسعار مضاعفة للتربح وتمويل عدوانها على اليمنيين.
وفي حين جدد السعدي ترحيب الحكومة الشرعية بتعيين المبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ إلى بلاده، قال إنها تأمل في أن تؤدي جهوده إلى التوصل إلى سلام مستدام عادل مبني على مرجعيات الحل السياسي، وهي: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذي، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى رأسها القرار (2216)، التي قال إنها تشكل الضامن الوحيد للوصول إلى تسوية سياسية.
واتهم المندوب اليمني الميليشيات الحوثية بأنها «مصرة على التمسك بخيار الحرب دون السلام، وإطالة أمد النزاع، واستهداف المدنيين، ورفض التعامل مع مبعوثي الأمم المتحدة، وجهود المجتمع الدولي».
ودعا السعدي مجلس الأمن لدعم غروندبرغ «لاتباع نهج أكثر صرامة مع الميليشيات الحوثية، وضمان التزامها الجدي بمسار السلام»، وقال إن الجماعة «تستغل الوقت لفتح الجبهات، واستمرار حربها الظالمة، وارتكاب الجرائم بحق المدنيين، واعتقال الصحافيين، وممارسة التعذيب بحق المعتقلين، والعنف الجنسي ضد النساء المعتقلات، وتجنيد آلاف الأطفال، والزج بهم في جبهات القتال، وتهديد خطوط الملاحة الدولية».
وأضاف أن «مواصلة الميليشيات الحوثية لهجماتها على مأرب، وإصدار التصريحات التصعيدية، بما في ذلك الإعلان عن نية الميليشيات مهاجمة المحافظات اليمنية كافة لإخضاعها بالقوة، ومهاجمة الأعيان المدنية داخل اليمن، وفي أراضي المملكة العربية السعودية، هي الطريقة التي تُجيدها تلك الميليشيات للترحيب بالمبعوث الجديد».
وندد السعدي بهجوم الميليشيات على مطار أبها الدولي، واستمرار استهداف نجران وجازان في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى التصعيد العسكري، بإيعاز من راعيها وداعمها النظام الإيراني الهادف لزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإحلال الميليشيات التابعة لها محل الجيوش النظامية.
وتابع قائلاً: «إن تقويض الميليشيات الحوثية لجهود التهدئة إنما يعكس موقفها من دعوات المجتمع الدولي للسلام»، مطالباً مجلس الأمن بإدانة هذه الجرائم، والضغط على الميليشيات، ومن خلفها النظام الإيراني، لوقف أنشطتها المزعزعة للأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة».
وأوضح المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة أن تصعيد الحوثيين الأخير جنوب مأرب في مديرية رحبة «نجم عنه إصابات في أوساط النازحين والمجتمع المضيف، وممتلكاتهم ومساكنهم، وأدى استمرار القصف إلى تهجير 505 أُسر، بإجمالي 3535 شخصاً، إلى مناطق أخرى في المحافظة هرباً من القصف بمختلف أنواع الأسلحة والصواريخ».
وأشار إلى أن الميليشيات تعيق «جهود إيصال المساعدات الإنسانية»، واتهمها بسرقتها أو تحويل مسارها بعيداً عن مستحقيها، مما يستوجب أهمية أن تكاشف المنظمات الإنسانية مجلس الأمن حول هذه الجرائم لممارسة الضغط على تلك الميليشيات لوقف تدخلها في الملف الإنساني.
وأكد السعدي أن الحكومة في بلاده تتطلع من المجتمع الدولي إلى تقديم دعمه السخي لبرنامج وخطط الحكومة لتحقيق الاستقرار والتعافي الاقتصادي، ودعم المشاريع التنموية، إلى جانب الدعم الإنساني، وبناء القدرات للمؤسسات الحكومية، لتعزيز دورها وتمكينها من تقديم الخدمات لفئات المجتمع، بما في ذلك من خلال إنشاء آلية لمصارفة الأموال المقدمة من المانحين للعمل الإغاثي في اليمن عبر البنك المركزي اليمني.
وشدد مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة على أهمية أن يتحمل مجلس الأمن مسؤولياته، ويمارس أعلى مستويات الضغط على الميليشيات الحوثية لإنهاء تعنتها، والسماح فوراً لفريق الأمم المتحدة بالوصول إلى الناقلة «صافر» دون شروط مسبقة لتفادي كارثة انفجارها في مياه البحر الأحمر.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.