بعد عامين تقريباً على ظهور جائحة «كوفيد - 19» التي أوقعت حتى الآن ما يزيد على 4.5 مليون ضحية موثقة، وتسببت بأكثر من 223 مليون إصابة في جميع أنحاء العالم، وبعد الإنجاز العلمي غير المسبوق بتطوير لقاحات ضد الفيروس خلال فترة قياسية، ما زال الحل العلاجي بالدواء مستعصياً على الأوساط الطبية والباحثين في علوم الأدوية.
لذلك، فإن أي تطور، مهما كان متواضعاً، في هذا المجال يحظى باهتمام كبير وتعقد عليه آمال لتطوير علاج يشفي من هذا الفيروس الذي تزداد الاحتمالات يوماً بعد يوم في أن يتوطّن لسنوات وتقتصر مواجهته على التخفيف من إصاباته وقدرته على الفتك بضحاياه وتعطيل دورة الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
آخر هذه التطورات هي النتائج التي أسفرت عنها دراسة شملت 1500 مريض بـ«كوفيد - 19» في 12 دولة، وأشرف عليها المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض السارية والوقاية منها، بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، أظهرت أن دواء «باريسيتينيب» هو من العقاقير القليلة جداً التي تساعد في إنقاذ المصابين بالفيروس من الوفاة.
وقد أجريت هذه الدراسة، التي استخدم فيها الباحثون برنامجاً متطوراً للذكاء الصناعي، خلال الموجتين الثانية والثالثة من الوباء، وبيّنت أن استخدام هذا الدواء، المخصص أساساً لعلاج داء التهاب المفاصل، إلى جانب أدوية أخرى تستخدم حالياً لعلاج كورونا مثل «دكساميتازون» أو المضاد الفيروسي «ريمديسيفير»، من شأنه أن يخفّض الوفيات الناجمة عن الوباء بنسبة 5 في المائة.
ويقول أحد الأطباء الذين شاركوا في هذه الدراسة التي موّلتها شركة «ليلي» الأميركية التي تنتج هذا الدواء وتسوّقه تحت الاسم التجاري «أولوميانت»: «أجرينا هذا الدراسة في بدايات حملات التلقيح عندما كانت نسبة الوفيات الناجمة عن الفيروس أضعاف ما هي عليه حالياً، ومعظم الذين يلقون حتفهم اليوم بسبب كورونا هم من الذين يرفضون تناول اللقاح أو من المسنّين الذين ما زالت مناعتهم ضعيفة رغم تناوله. لكن رغم تحسّن الوضع ما زالت هناك وفيات، أحياناً بنسب مرتفعة، وهذا الدواء يمكن أن يساعد في الحد منها».
وتفيد الدراسة بأن نظام الذكاء الصناعي هو الذي اختار هذا الدواء لأنه يخفّف من كميّة المواد البروتينية التي ينتجها جهاز المناعة، والتي تسبّب «عاصفة الالتهابات» التي تؤدي إلى وفاة المريض. كما بيّنت الدراسة أن هذا الدواء يخفّف الوفيات بنسبة تصل إلى 10 في المائة بين المصابين الذين لم يتجاوزوا المرحلة الوسيطة من خطورة المرض، لكن ما زالت تظهر عليهم أعراض الالتهاب في الجهاز التنفسي، أي أنهم يحتاجون لجرعات معزّزة من الأكسجين تمنع انتقالهم إلى مرحلة العلاج في وحدات العناية الفائقة. ويقول الباحث ويسلي إيلي، من جامعة «فاندربيلت» الأميركية الذي أشرف على هذا الدراسة: «عند هذه النقطة بالذات يساعد دواء «بارتينيسيب» على كبح المسار الالتهابي الذي يؤدي عادة إلى الوفاة عندما يخرج عن السيطرة».
وتشير الدراسة المنشورة في العدد الأخير من مجلة «لانسيت»، إلى أن نسبة انخفاض الوفيات الناجمة عن «كوفيد - 19» بعد تناول بارتينيسيب هي الأعلى حتى الآن بين الأدوية المستخدمة، ويذكر أن دراسة بيّنت في العام الماضي أن دواء «دكساميتازون» يخفّض الوفيات بنسبة 3 في المائة، وأن إضافة «توسيليزوماب» إليه تخفضّها بنسبة 4 في المائة، فيما لا توجد أي أدلة بعد على أن المضاد الفيروسي «ريمديسيفير» يؤدي إلى خفض الوفيات.
ويقول خبراء منظمة الصحة العالمية إن أهمية هذه الدراسة تكمن أيضاً في أنها بيّنت تكامل «دكساميتازون» مع هذا الدواء، بحيث يمكن اللجوء إليه في علاج المصابين بـ«كوفيد - 19» الذين لا يستطيعون تناول أدوية كورتيزونية مثل «دكساميتازون». وينصح الباحثون الذين أجروا الدراسة بوصف هذا الدواء لجميع المصابين في المرحلة الوسيطة من الالتهابات التنفسيّة، أي قبل الاضطرار إلى معالجتهم بالتنفس الصناعي المكثف.
وتجدر الإشارة إلى أن الهيئة الأميركية الناظمة للدواء سمحت مؤخراً باستخدام «بارتينيسيب» لمعالجة المرضى الذين لم يبلغوا بعد مرحلة الخطورة القصوى، أي قبل دخولهم وحدات العناية الفائقة. وتفيد الدراسة بأن نسبة الوفيات بين المرضى من غير تناول الأدوية يمكن أن تصل إلى 16 في المائة، وأنها تنخفض إلى 13 في المائة باستخدام «دكساميتازون»، وإلى 8 في المائة بإضافة «بارتينيسيب».
ويقول ويسلي إيلي: «ندرك جيداً أن هذا التطور الإيجابي ليس سوى خطوة في مسيرة صعبة وطويلة للقضاء على الالتهاب في الحالات الأكثر خطورة، لكننا متفائلون بالدراسات السريرية الجارية حالياً التي يمكن أن تحمل أنباء سارة في الأشهر المقبل». وكشف أن فريقه يجري حالياً دراسة معمّقة على دواء المضاد الفيروسي «بليتيدبسين» الذي أظهر فاعلية تضاعف مائة مرة فاعلية «ريمديسيفير».
عقار تجريبي ينقذ مرضى «كوفيد ـ 19» بنسب مشجعة
اختُبر علاج «باريسيتينيب» على 1500 شخص في 12 دولة
عقار تجريبي ينقذ مرضى «كوفيد ـ 19» بنسب مشجعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة