المستشارة الألمانية تودع المشهد السياسي بعد 16 عاماً

شكّلت مع ماكرون ثقلاً ثنائياً خاصاً... وأوروبا تستعد لمرحلة ما بعد ميركل

ميركل تودع المشهد السياسي بزيارة لبلدة تمبلين في ألمانيا الشرقية سابقاً حيث ترعرت (أ.ف.ب)
ميركل تودع المشهد السياسي بزيارة لبلدة تمبلين في ألمانيا الشرقية سابقاً حيث ترعرت (أ.ف.ب)
TT

المستشارة الألمانية تودع المشهد السياسي بعد 16 عاماً

ميركل تودع المشهد السياسي بزيارة لبلدة تمبلين في ألمانيا الشرقية سابقاً حيث ترعرت (أ.ف.ب)
ميركل تودع المشهد السياسي بزيارة لبلدة تمبلين في ألمانيا الشرقية سابقاً حيث ترعرت (أ.ف.ب)

منذ أسابيع، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تقوم بـ«جولات وداع» لعواصم عدة في العالم، قبل أن تنتهي ولايتها في 26 من الشهر الجاري بعد 16 عاماً أمضتها في حكم ألمانيا. قبل ثلاثة أسابيع كانت في روسيا لوداع الرئيس فلاديمير بوتين الذي تجمعها به علاقة ودّ وعداء في الوقت نفسه. وكلاهما يتحدث لغة الآخر بطلاقة. هي كبرت في ألمانيا الشرقية أيام حكم السوفيات وقبل الوحدة الألمانية وتعلمت الروسية، وهو خدم في المخابرات الروسية في ألمانيا الشرقية في الفترة نفسها وتعلم الألمانية كذلك.
وفي زيارتها الأخيرة إلى موسكو كمستشارة لألمانيا، استقبلها بوتين بباقة زهور بيضاء وزهرية اللون، بعد أن كان يلعب لعبة «الترهيب» معها بإدخال كلبه إلى اجتماعهما، وهو يعلم أنها تخاف الكلاب. توجهت بعد ذلك إلى أوكرانيا لتقديم رسائل تطمين لرئيسها بأن برلين لن تسمح لموسكو بأن تفرض أجندتها السياسية عليها بعد إكمال خط أنابيب «نورد ستريم 2» الذي سينقل الغاز الطبيعي مباشرة من روسيا إلى ألمانيا متجاوزاً خطوط المرور في أوكرانيا. المشروع الذي عرّض ألمانيا لعقوبات أميركية، يثير أيضاً مخاوف أوكرانيا من ضياع الملايين من عائدات النفط لها، ولكن أيضاً من زيادة التأثير الروسي على القرار الأوروبي والتخلي بالتالي عن أوكرانيا ما يعرّض أمنها للخطر. ورغم مخاوف أوكرانيا التي حاولت ميركل تهدئتها، ومعارضة واشنطن، فقد اكتمل العمل بالمشروع، بحسب ما أعلنت موسكو، أمس.
جولات ميركل أخذتها أيضاً قبل ذلك إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن الذي ستكون قد عملت معه لشهور قليلة فقط قبل مغادرتها رغم أنها تعرفه معرفة جيدة منذ سنوات مضت، خاصة أيام عمله كنائب للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. هناك أيضاً كان حاضراً مشروع «نورد ستريم 2» الذي اعترف بايدن بأن الطرفين مختلفان حوله ليضيف أنه ستكون هناك صيغة تسمح بإتمامه مقابلة تعهدات بالحفاظ على أمن أوكرانيا وعدم زيادة التأثير الروسي.
والأسبوع المقبل، ستتوجه ميركل إلى باريس لوداع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي عملت معه عن قرب في السنوات الماضية منذ توليه الرئاسة الفرنسية، رغم الخلافات بينهما خاصة حول مستقبل أوروبا. ولكن باريس التي تشكل إلى جانب برلين، الثنائي الأوروبي الأقوى والأكثر تأثيراً داخل الكتلة الأوروبية الموحدة، بدأت تستعد لمرحلة ما بعد ميركل.
وقد استقبل ماكرون، قبل أيام، في قصر الإليزيه المرشحين الرئيسيين لخلافة ميركل، بدءاً بمرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز ثم أرمين لاشيت مرشح الاتحاد المسيحي الديمقراطي الذي تنتمي إليه ميركل. وترجم البعض استقبال ماكرون لشولتز قبل لاشيت وعلى مدى يومين، نوعاً من التأييد للمرشح الاشتراكي الذي يشغل حالياً منصب وزير المالية ونائب المستشارة، والمتقدم في استطلاعات الرأي.
ويقدم المرشحان نفسيهما على أنهما سيشكلان استمرارية لميركل وإرثها، رغم أن شولتز ينتمي لحزب يساري ولكنه يخدم في حكومة ميركل ويشغل منصب نائبها. ويرى محللون أن سبب تقديم المرشحين لنفسيهما على أنهما سيشكلان استمرارية لحكم ميركل، هي الشعبية الكبيرة التي ما زالت تتمتع بها السيدة الأولى التي شغلت منصب المستشار في ألمانيا، والتي تغادر منصبها بإرادتها وبشعبية لا تضاهى.
والواقع أن ميركل تتمتع بـ«شعبية» أبعد من الداخل الألماني. فهي تحوّلت خلال سنوات حكمها الـ16 إلى أشبه بـ«مرجع» داخل الاتحاد الأوروبي وأبعد لحل الأزمات التي تطرق باب القارة العجوز. ورغم أن الكثيرين ينتقدون أسلوبها في الحكم وطريقة إدارتها للأزمات، فهي مع ذلك تحوّلت إلى رمز للاستقرار الأوروبي طوال السنوات الماضية. ويقول منتقدوها إن أسلوب حكمها يعتمد على الإبقاء على واقع الحال لأطول فترة ممكنة، وتجنب اتخاذ قرارات مصيرية إلا عندما تضطر.
ويعطون أمثلة تتعلق بإدارتها لملف الأزمات المالية في أوروبا وتجنبها اتخاذ قرار حتى اللحظات الأخيرة، وأيضاً تجاهلها لملف الهجرة بعيد الحرب السورية وعدم الرد إلا بعد أن بدأت أفواج ضخمة من اللاجئين بدخول أوروبا، ما دفعها حينها لفتح أبواب ألمانيا أمامهم.
ولكن رغم كل ذلك، فإن مستقبل ألمانيا من دون ميركل التي تعرف في ألمانيا بـ«موتي» أو «الوالدة» هو بالنسبة للألمان على الأقل، مستقبل أقل أمناً. وهو ما دفع بالمرشحين لخلافتها إلى تسويق نفسيهما على أنهما سيكونان نسخة منها. والمستقبل من دون ميركل بالنسبة لأوروبا سيكون من دون شك مستقبلاً مختلفاً بسبب شبكة العلاقات التي بنتها طوال السنوات الماضية وتحكمها ومعرفتها بتفاصيل الملفات عن قرب، خاصة الملف الروسي الأوكراني الذي قد لا يجد مستشاراً ألمانياً آخر يوليه الاهتمام نفسه الذي أولته له ميركل.
وبالنسبة إلى ميركل، فإن المستقبل خارج حدود مقر المستشارية، ما زال غير واضح بعد. قبل يومين سُئلت عن مشاريعها بعد التقاعد، فردت بالقول: «عقدت العزم على ألا أفعل شيئاً في الوقت الحالي، وأن أنتظر وأرى ما سيحدث». على أي حال، هي قد تضطر للبقاء على رأس الحكومة الانتقالية لأشهر بعد الانتخابات في حال تأخرت مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، والتي على الأرجح ستكون معقدة وتشمل 3 أحزاب تتفاوض لدخول الحكومة.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.