موسوعة عربية عن «الفلسفة الفرنسية المعاصرة»

في عشرة أجزاء... أولها يتناول «البنيوية والتفكيك والاختلاف»

موسوعة عربية عن «الفلسفة الفرنسية المعاصرة»
TT

موسوعة عربية عن «الفلسفة الفرنسية المعاصرة»

موسوعة عربية عن «الفلسفة الفرنسية المعاصرة»

بعد ثلاث سنوات من الجهد المكثف أبصر النور المجلد الأول من موسوعة «الفلسفة الفرنسية المعاصرة» المخصص للبحث في موضوع «فلسفات البنيوية والتفكيك والاختلاف»، عن «دار صوفيا» في الكويت. وتتكون الموسوعة التي يعمل على إنجازها أكثر من 100 باحث من مختلف الأقطار العربية، من عشرة مجلدات، الأربعة الأولى منها باتت شبه جاهزة، بحيث يصدر الثاني منها قريباً عن نفس دار النشر ويدرس «الفِنومِنولوجيا وتفرّعاتها والفِسارة الفلسفيّة»، فيما يتم العمل على باقي الأجزاء لتصدر تباعاً. وتخصص الأجزاء اللاحقة لدراسة فلاسفة «التفكّريّة والشخصانية والوجودية»، وكذلك فلاسفة «الجمال»، و«الهيغليّة، الماركسيّة والفلسفات التاريخيّة التفكيكيّة»، إضافة إلى «الفلسفة المسيحية»، و«الفلسفات الاجتماعيّة والنفسيّة والتربويّة» وكذلك «التطبيقية العيادية» و«الأخلاقية» و«القانون» و«التقنية والإعلام»، وغيرها.
المشروع الذي يشرف عليه الدكتور مشير باسيل عون، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية يسير بوتيرة سريعة، حيث يتم تنسيق العمل ومتابعة الأبحاث مع عشرات الباحثين بعد أن اختار كل منهم فيلسوفاً فرنسياً من القرن العشرين، ليقيم دراسته حوله. وهي موسوعة بحسب باسيل لا مثيل لها في اللغة العربية ولا حتى بالفرنسية أو الإنجليزية والألمانية. لأنها تلقي الضوء على أكثر من مائة فيلسوف، تبعاً للمدرسة أو التيار الذي ينتمي إليه كل منهم.
وتتضمن الموسوعة أيضاً دراسات حول إسهامات عدد من الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين الذين لم يتهيّأ للعالم العربي حتّى الآن أن يحظى باستعراض علمي أمين لفكرهم وأثرهم. أما المعروفون من الفلاسفة، فإن وجودهم إلى جانب زملائهم الآخرين في مثل هذه الموسوعة العلمية يساعد القارئ العربي على الفوز بتصوّر أوضح للمشهد الفلسفي الفرنسي المعاصر برمّته.
وخصص المجلد الأول الذي أصبح بين أيدينا، للبنيويين والتفكيكيين، نظراً لأهميتهم، وللدور الرئيسي الذي لعبوه، في إعادة إثارة الاهتمام بمن سبقوهم. فقد كان لهؤلاء من أمثال رولان بارت، وجيل دلوز، وميشال فوكو، وجاك دريدا شجاعة إعادة قراءة كبارهم من أمثال هيغل ونيتشه وماركس وهايدغر، والإضاءة على ما بقي محجوباً من أفكارهم «فقد فكك دريدا هايدغر، الذي كان أسير الميتافيزيقية، وفكك مقولة اللوغس لديه».
وفي مقدمة الجزء الأول يشرح د. عون أن البنيوية الفرنسية التي «أعلنت منذ عام 1966 موت الإنسان الفردي والجماعي، وأخذت تبحث عن البنى المنحجبة التي تؤثر في اعتمادات الوعي الإنساني الفردي والجماعي، من جراء هذا الإعلان انقلبت البنيوية لفلسفة تشمل اللغة والمجتمع والتاريخ والإنسان، فتعنى بجميع اختبارات الوعي وتردها إلى منحجباتها الفاعلة».
وكما في كل مرة توضع فيها الكتابة عن الفلسفة على محك الاختبار، فالسؤال الذي يُطرح: هل ستكون الموسوعة في أسلوبها في متناول الجميع أم أنها وضعت للمختصين والأكاديميين، وحسبما يقول د. عون: «حاول البحاثة أن يتخذوا نهجاً وسطاً، فلم يبسّطوا حد السقوط في الابتذال كما أنهم لم يصعبّوا على القارئ العادي غير المتخصص مهمته. هي موسوعة للقارئ العادي الذي حتى، وإن فاتته بعض الأفكار أو المصطلحات، فهو سيجد ضالته، في النهاية، وسيتمكن بفعل مواصلة القراءة، من فهم غالبية النصوص».
مسألة تبسيط الفلسفة هي موضع نقاشات متواصلة في العالم، لما للفكر الفلسفي من أهمية، يمكنه أن يسبغها على حياة الناس اليومية، إذا ما أصبحت الأفكار الفلسفية في متناول الجميع. غير أن المجتمعات العربية لا تزال بعيدة عن طموح التعاطي مع الفلسفة كجزء من الثقافة العامة. لهذا يقول د. عون: «إن مصير الفكرة الفلسفية في مجتمعاتنا لا يزال مجهولاً لأنها أفكار لا تؤثر في واقعنا. فالإنسان عندنا قد يقرأ الفلسفة لكنها تبقى موضوعاً نظرياً بالنسبة له، ولا تؤثر في واقعه. كما يمكن أن نرى عالماً متعمقاً في اختصاصه، لا غرابة في أن يقبل على ارتكاب عملية إرهابية، وكأن ما تعلمه يبقى في منأى عن التأثير على سلوكه الذاتي».
وضع وتأليف الموسوعات، هي مهمة عادة ما تضطلع بها مؤسسات بحثية، لتتمكن من إكمال عمل يحتاج أعواماً وأعماراً، لكن دكتور عون أخذ على عاتقه موضوع الإعداد ووضع التصور والتحرير والمراجعة والنقاش مع الباحثين، إضافة إلى العثور على ناشر. وهو يصف المهمة بأنها «شاقة»، ولن يكررها منفرداً، مع أن مشروعه يتجاوز الفلسفة الفرنسية المعاصرة. فالهدف النهائي هو الانتقال إلى موسوعة «الفلسفات الأُوروبيّة الكبرى»، لكن دائماً الهدف هو الفلسفة المعاصرة. والمقصود هنا هم الفلاسفة المولودون في القرن العشرين الذين شيدوا صرحاً فلسفيّاً أصيلاً أثرى المشهد الفلسفي الكوني المعاصر. وعليه، بحسب د. عون فإن المشروع يستطلع توجّهات الفلسفات القاريّة المعاصرة: الفرنسيّة، الألمانيّة، البريطانية، الأميركيّة، الإيطاليّة، الإسبانيّة، الإسكندنافية، الأميركيّة اللاتينيّة، الأفريقيّة، الصينيّة، الهنديّة، اليابانيّة، وغيرها. لكن أستاذ الفلسفة اللبناني، الذي يعي صعوبة القيام بالمهمة يقول: «أبذل جهداً كبيراً لإنهاء الموسوعة الفرنسية، وأعي تماماً أن ما أصبو إليه يفترض أن تتبناه مؤسسة تأخذ على عاتقها هذا الجهد الكبير. لغاية اللحظة كل الباحثين من لبنانيين وعرب يقومون بالأبحاث تطوعاً، مشكورين، لكن سد هذه الثغرة في المكتبة العربية بموسوعات على هذا النحو يلزمه دعم لا يمكن أن يقوم به فرد».
ويجد القارئ في الجزء الأول، 14 فيلسوفاً فرنسياً عرفوا بمنهجهم البنيوي التفكيكي، بينهم جورج باتاي، موريس بلانشو، إميل سيوران، جان فرنسوا ليوتار، بيار بورديو، سارة كوفمان، وغيرهم، إضافة إلى مقدمة قيمة تؤكد أن «البنيويّة هي الشرارة الأصليّة التي أضرمت المسعى الفلسفي الفرنسي المعاصر بأسره في سياق تدبّر مسائل التفكيك والاختلاف. وما الفلسفات المتمردة العاصية الانتهاكيّة سوى الثمرة التي أنضجتها البنيويّة في الأذهان حين أدرك الفلاسفة الفرنسيّون في معظمهم أن الواقع هو بنية خفيّة، مرّكبة، معّقدة، متشابكة، بها تنتظم جميع تجليات المسلك الإنسانيّ، وفيها تلتئم رغبات التفّرد والتغرب والتمّرد».
يشرح الكتاب كيف ولدت البنيوية التي حمل لواءها كلود ليفي ستراوس ورولان بارت وجاك لاكان، بعد أن وضع لها فرديناند دسوسير مبادئها الأولى وأحكامها الأساسية في الألسنية البنيوية. ولم تبق الدراسات حبيسة الإشارات والدلالات فانتقلت مع ليفي ستراوس إلى حقل الإنتروبولوجيا، ليبين كيف أن كل أسطورة وعادة، تكاد تستند إلى بنية مكتومة لأوعية ينبغي الاستدلال عليها لكشف عمق النشاط الإنساني.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.