واشنطن تندد بـ«الأحكام المخزية» ضد معارضين بيلاروسيين

طالبت نظام لوكاشينكو بإنهاء حملة القمع ضد شعبه وبإطلاق السجناء

TT

واشنطن تندد بـ«الأحكام المخزية» ضد معارضين بيلاروسيين

ندد وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن بما سماه «الأحكام المخزية»، التي أصدرتها سلطات بيلاروسيا ضد زعيمة المعارضة ماريا كاليسنيكافا والمعارض الآخر مكسيم زناك، مطالباً نظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بـ«إنهاء حملة القمع ضد شعبه وبإطلاق جميع السجناء السياسيين في البلاد «فوراً ومن دون شروط”. وأصدرت محكمة في مينسك حكماً يدين كاليسنيكافا بـ«التآمر للاستيلاء على السلطة وإنشاء جماعة متطرفة والدعوة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها الإضرار بالأمن القومي» ويقضي بحبسها 11 عاماً. وحكمت على زناك بالسجن لمدة عشر سنين تحت حراسة مشددة. وعمل كلاهما في مجلس التنسيق الوطني، وهي لجنة شكلها زعماء المعارضة العام الماضي للمساعدة في نقل السلطة إلى حكومة جديدة بعد انتخابات رئاسية متنازع عليها. وادعى لوكاشينكو أنه فاز في التصويت. لكن المعارضة أكدت أن التصويت كان مزوراً ونزل مئات الآلاف من البيلاروسيين إلى الشوارع للمطالبة بتغيير في الحكومة. وأدت حملة القمع إلى اعتقال آلاف المتظاهرين. وأفادت منظمة «فياسنا» غير الحكومية لحقوق الإنسان في مينسك أن أكثر من 650 سجيناً سياسياً كانوا محتجزين حتى 6 سبتمبر (أيلول). وفرت المرشحة المعارضة سفيتلانا تيكانوفسكايا، التي ترشحت بدلاً من زوجها الناشط المسجون، من الجمهورية السوفياتية السابقة إلى ليتوانيا بعد التصويت. وانضم إليها عدد من النساء، وبينهن فيرونيكا تسيبكالو التي فر زوجها، وهو سفير سابق لدى الولايات المتحدة، من البلاد خوفاً من تعرضه للاعتقال أيضاً. وقال بلينكن في بيان إن بلاده «تندد بالإدانة ذات الدوافع السياسية والأحكام المخزية الصادرة ضد شخصيتي المعارضة البيلاروسية ماريا كاليسنيكافا ومكسيم زناك». ولاحظ أن كاليسنيكافا الحائزة على جائزة المرأة الشجاعة الدولية لهذا العام حكم عليها بالسجن لمدة 11 عاماً بسبب «دعمها الشجاع» للمرشحين الذين تحدوا حكم ألكسندر لوكاشينكو الذي يستمر منذ 26 عاماً. وحُكم على زناك بسبب مشاركته سلمياً في الحملة السياسية، علماً بأن كليهما «عانيا بالفعل نحو عام في الحبس الاحتياطي». وأسف لأن «هذه الأحكام تشكل دليلاً آخر على تجاهل النظام التام لحقوق الإنسان والحريات الأساسية لشعب بيلاروسيا». وأكد أن كاليسنيكافا وزناك «يستحقان قراراً قضائياً شفافاً في شأن التهم الزائفة الموجهة إليهما»، مذكراً بأن بيلاروسيا التزمت بصفتها دولة مشاركة في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا «احترام الحق في محاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة ومحايدة، فضلاً عن الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي».
وشدد على أنه «مثل كل مواطن في بيلاروسيا، يحق للسيدة كاليسنيكافا والسيد زناك التمتع بالحقوق المنصوص عليها في الدستور البيلاروسي وفي محاكمة عادلة وعلنية من قبل محكمة مختصة ومستقلة وحيادية منشأة بموجب القانون، وفقاً لالتزامات بيلاروسيا بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان». وقال بلينكن: «نقف مع شركاء متشابهين في التفكير لدعم تطلعات الشعب البيلاروسي إلى مستقبل ديمقراطي مزدهر في بلد حر ومستقل»، مذكراً بالقرار الأميركي الذي صدر في 9 أغسطس (آب) الماضي لـ«محاسبة نظام لوكاشينكو على هجماته على الديمقراطية وحقوق الإنسان والقمع العابر للحدود الوطنية والفساد».
وكرر الدعوة إلى «إنهاء حملة القمع ضد شعب بيلاروس لممارسته حقوق الإنسان داخل بيلاروس وخارجها، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع السجناء السياسيين - وبينهم كاليسنيكافا وزناك». وحض السلطات البيلاروسية على بدء «حوار حقيقي» مع المعارضة الديمقراطية وأعضاء المجتمع المدني بما يؤدي إلى «انتخابات حرة ونزيهة تحت الرقابة الدولية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟