روسيا تسعى للهيمنة التجارية على القطب الشمالي بواسطة كاسحات الجليد (صور)

كاسحة الجليد الروسية «50 ليت بوبيدي» (أ.ف.ب)
كاسحة الجليد الروسية «50 ليت بوبيدي» (أ.ف.ب)
TT

روسيا تسعى للهيمنة التجارية على القطب الشمالي بواسطة كاسحات الجليد (صور)

كاسحة الجليد الروسية «50 ليت بوبيدي» (أ.ف.ب)
كاسحة الجليد الروسية «50 ليت بوبيدي» (أ.ف.ب)

تعتبر روسيا القطب الشمالي منطقة مخزونات من المواد الخام والفرص التجارية أكثر مما تراها مساحة هشة معرضة لتداعيات الاحترار المناخي. ومن أجل ضمان تفوقها في هذه المنطقة، أطلقت أسطولاً من كاسحات الجليد النووية فيها.
غادرت سفينة «50 ليت بوبيدي» (50 عاماً من النصر) مرفأ مورمانسك متّجهة إلى القطب الشمالي هذا الصيف. ويؤكد قائدها ديمتري لوبوسوف لصحافي في وكالة الصحافة الفرنسية موجود على متن السفينة إن لروسيا دورا مميزا في القطب الشمالي. ويقول: «ثلث أراضينا يقع وراء الدائرة القطبية. كان أسلافنا يتقنون الإبحار في المياه المتجمّدة. ونواصل نحن ذلك بنجاح»، مشيراً إلى الأهمية المتزايدة لمهمّته مع «تطوّر الموارد» الطبيعية.

وقد جعلت روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين من استخراج ثروات القطب الشمالي من نفط وغاز ومواد خام، أولوية استراتيجية. كما تشكل المنطقة مصدراً رئيسياً للصادرات الروسية من الغاز الطبيعي المسال الذي تنتجه شركة «نوفاتيك» الروسية ومجموعة «توتال» الفرنسية في شبه جزيرة يامال.
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك قبل أيام إن في «منطقة القطب الشمالي إمكانات هائلة. من حيث الموارد، نتحدث عن 15 مليار طن من النفط ومئة ألف مليار متر مكعّب من الغاز. ما يكفي لعشرات بل مئات السنين».
ويعتمد مردود المنطقة جزئياً على الطريق البحري الشمالي أو على الممر الشمالي الشرقي. ويُفترض أن يسهّل هذا الطريق الذي يعبر القطب الشمالي ويبلغ طوله نصف مسافة الطريق عبر قناة السويس، نقل الهيدروكربونات إلى جنوب شرق آسيا، عبر المرور في المحيطات المتجمّد الشمالي والهادئ والأطلسي.
في السابق، كان هذا الطريق صالحاً للملاحة فقط في فصل الصيف، إلا أنه أصبح بالإمكان سلوكه أكثر فأكثر مع تراجع الكتل الجليدية بسبب الاحترار المناخي.
لكن نشر كاسحات الجليد الروسية التي تعمل بالطاقة النووية في المنطقة هو أمر أساسي أيضاً.
يوضح الخبير لدى معهد الطاقة والتمويل الروسي سيرغي كوندراتييف أن هذا الأسطول، تحت إشراف عملاق الطاقة الذرية «روساتوم»، فريد من نوعه في العالم لأن «وحدها روسيا تملك مثل هذه الطريق - الطريق البحرية الشمالية - حيث كاسحات الجليد هذه مطلوبة».

في مارس (آذار) 2021 عندما علقت سفينة حاويات عملاقة في قناة السويس وعطّلت حركة الملاحة، استغلت موسكو الفرصة للقول إن الطريق القطبي الشمالي لم يعد حلماً بعيداً بل أصبح واقعاً يتطوّر.
يُتوقع أن تزيد شركة "روساتوم" في السنوات الخمس المقبلة عدد كاسحات الجليد النووية التي تملكها، من خمس إلى تسع. والهدف من ذلك، أن تبلغ كميات البضائع التي تُنقل عبر القطب الشمالي 80 مليون طن بحلول عام 2024 و160 مليوناً عام 2035، في مقابل نحو 33 مليوناً في 2020.
رغم أن هذا الرقم لا يزال بعيداً جداً عن المليار طنّ من البضائع التي تعبر قناة السويس، إلا أن سيرغي كوندراتييف يشير إلى أن عمالقة الاقتصاد الروسي على غرار مجموعات «غازبرومنفت» و«نوريلسك نيكل» و«روسنفت» تحتاج كلها إلى القطب الشمالي وبالتالي «ستكون كلها بحاجة إلى أسطول من كاسحات الجليد».
في هذا السياق، تطوّر شركة «روسنفت» مشروعاً نفطياً ضخماً باسم «فوستوك أويل» في شبه جزيرة تايمير، مع أرباح مذهلة متوقعة.
يشرح القائد لوبوسوف: «إذا كنّا في فترة الثمانينات والتسعينات نرافق سفينةً ثمّ نتوقف لانتظار السفينة التالية، فالآن لا نتوقف دقيقة واحدة».
ويُتوقع بدء الإبحار في القطب الشمالي على مدار العام، في العام 2030، وليس فقط للروس. إذ تشير شركة «روساتوم» إلى أن مالكَي السفن الدنماركي «مايرسك» والصيني «كوسكو» يسلكان طريق القطب الشمالي. وقد رحّب بوتين باهتمام الجهات الفاعلة الدولية بهذا المسار البحري وأكد أنه «لا يريد استبعاد أحد».

تقدّر المجموعة النووية الروسية «روساتوم» كلفة تطوير هذه الطريق التجارية بـ735 مليار روبل (8,5 مليار يورو بسعر الصرف الحالي) حتى عام 2024، بينها 274 مليار ضخّتها الدولة.
في المقابل، تندّد المنظمات البيئية بهذا السباق إلى الهيدروكربونات الذي سبب عدة كوارث بيئية، وبالوجود المتزايد للمفاعلات الذرية في القطب الشمالي.
وتقرّ «روساتوم» بأن «المشاريع التنموية في نظام بيئي هشّ إلى هذه الدرجة تنطوي على أخطار يجب أن تساهم البنى التحتية في تخفيفها»، مشيرةً إلى أن الدفع النووي أنظف من الوقود التقليدي. لكنّها تؤكد أنه «مع وجود فرص اقتصادية كبيرة إلى هذا الحدّ للسكان المحليين كما للاقتصاد العالمي، سيكون من الصعب عدم الاستفادة من هذه الاحتياطات».


مقالات ذات صلة

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

الاقتصاد منصة نفط بحرية قبالة ساحل هنتنغتون بيتش بكاليفورنيا 14 نوفمبر 2024 (رويترز)

مسؤول بـ«إكسون موبيل»: منتجو النفط والغاز الأميركيون لن يزيدوا الإنتاج في ظل رئاسة ترمب

قال مسؤول تنفيذي في شركة إكسون موبيل إن منتجي النفط والغاز الأميركيين من غير المرجح أن يزيدوا إنتاجهم بشكل جذري في ظل رئاسة الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي (رويترز)

عقوبات بريطانية على 30 سفينة إضافية تابعة للأسطول «الشبح» الروسي

أعلنت الحكومة البريطانية اليوم الاثنين فرض عقوبات على 30 سفينة إضافية من «الأسطول الشبح» الذي يسمح لموسكو بتصدير النفط والغاز الروسي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

ترمب يعد حزمة دعم واسعة النطاق لقطاع الطاقة الأميركي

يعمل الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على إعداد حزمة واسعة النطاق في مجال الطاقة، لطرحها خلال أيام من توليه المنصب.

الاقتصاد وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

قال وزير البترول المصري كريم بدوي إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد أسلاك كهربائية معلقة بين المباني في أحد شوارع العاصمة العراقية بغداد (أ.ف.ب)

العراق: نفقد 5.5 غيغاواط من الكهرباء بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية عن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوماً؛ ما تسبب في فقدان 5.5 غيغاواط من الطاقة الكهربائية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كازاخستان، الأربعاء، في زيارة تستمر يومين تهدف لتوطيد العلاقات مع حليفة بلاده الواقعة في وسط آسيا في ظل تفاقم التوتر على خلفية حرب أوكرانيا.

ورغم انضوائها في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي تقودها موسكو، فإن كازاخستان أعربت عن قلقها حيال النزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات مع رفض رئيسها قاسم جومارت توكاييف التغاضي عنه.

وفي مقال نشرته صحيفة «إسفيستيا» الروسية قبيل زيارة بوتين، أكد توكاييف دعم بلاده «الحوار السلمي» من دون أن يأتي على ذكر أوكرانيا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

من جانبه، أشاد بوتين بـ«التقارب الثقافي والروحي والقيمي» بين كازاخستان وروسيا، وذلك في مقال نشر في صحيفة «كازاخ» الرسمية، قائلا إنه يساعد في تطوير «العلاقات الودية والقائمة على التحالف» مع أستانا بشكل أكبر.

وبث الإعلام الرسمي الروسي مقطعا مصورا لطائرة بوتين لدى هبوطها في أستانا الأربعاء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل الاستقبال في مقر الرئاسة أكوردا في أستانا بكازاخستان... 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

تدهورت العلاقات التجارية بين البلدين في الأشهر الأخيرة مع منع موسكو بعض الصادرات الزراعية من كازاخستان غداة رفض الأخيرة الانضمام إلى مجموعة «بريكس».

وجعل بوتين توسيع تحالف الاقتصادات الناشئة أساسا لسياسة روسيا الخارجية، مسوّقا لمجموعة «بريكس» على أنها قوة موازية لما يعتبرها «هيمنة» الغرب على العالم.

تأتي زيارة بوتين على وقع تصاعد التوتر بين موسكو والغرب بسبب حرب أوكرانيا، إذ أطلقت روسيا صاروخا تجريبيا فرط صوتي باتّجاه جارتها الأسبوع الماضي، بينما أطلقت كييف صواريخ بعيدة المدى زودتها بها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على روسيا لأول مرة.

وفي سبتمبر (أيلول)، دعا توكاييف إلى حل سلمي للنزاع، محذرا من أن التصعيد يمكن أن يؤدي إلى «تداعيات لا يمكن إصلاحها بالنسبة للبشرية بأكملها».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف يلتقطان صورة مع أطفال في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا على جدول الأعمال

ورغم أن رحلات بوتين الدولية بقيت محدودة منذ العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا عام 2022، فإنه زار الدولة الواقعة في وسط آسيا بشكل متكرر.

تعد كازاخستان حليفا عسكريا واقتصاديا تاريخيا لروسيا وتمتد الحدود بين البلدين على مسافة 7500 كيلومتر.

ويتوقع أن يناقش الزعيمان العلاقات التجارية وملف الطاقة، إضافة إلى بناء أول محطة في كازاخستان للطاقة النووية، علما بأن شركة «روساتوم» الروسية من بين الشركات المرشحة لبنائها.

تسهم كازاخستان بنحو 43 في المائة من إنتاج اليورانيوم العالمي لكنها لا تملك مفاعلات نووية.

وأكد بوتين الأربعاء أن «(روساتوم) مستعدة لمشاريع كبيرة جديدة مع كازاخستان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يرسمان على لوحة قبل لقائهما في أستانا في 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

سيوقّع البلدان أيضا عدة وثائق الأربعاء وسيصدران بيانا للإعلام، بحسب مستشار الكرملين يوري أوشاكوف.

ويجتمع بوتين الخميس وقادة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في أستانا في إطار قمة أمنية.

وستتصدر أوكرانيا جدول الأعمال، إذ يتوقع أن يناقش القادة «الإذن الغربي (لكييف) بإطلاق صواريخ بعيدة المدى باتّجاه عمق أراضي روسيا الاتحادية»، وفق ما أكدت وكالة «تاس» الإخبارية نقلا عن مصدر.

وفي خطوة لافتة، ستتغيب أرمينيا عن الاجتماع بعدما علّقت عضويتها في المنظمة احتجاجا على عدم وقوف موسكو إلى جانبها في نزاعها مع أذربيجان.

وقال أوشاكوف الثلاثاء إن أرمينيا ما زالت عضوا كاملا في التحالف ويمكن أن تعود في أي لحظة.