سياحة «الربيع العربي».. أبرز ضحايا الثورات

تحسن طفيف في مصر ومخاوف في تونس.. وليبيا أكبر المتضررين

سياحة «الربيع العربي».. أبرز ضحايا الثورات
TT

سياحة «الربيع العربي».. أبرز ضحايا الثورات

سياحة «الربيع العربي».. أبرز ضحايا الثورات

على مدار أكثر من أربع سنوات، حملت ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي» في طياتها لطمة قوية لقطاع السياح بالبلدان التي شملتها الثورة، فتسببت في قطع أرزاق البعض، وهزت اقتصادات الدول التي كانت ترتكز على السياحة.. لكن مؤخرا بدأت هذه الدول تستعيد أمل الانتعاش على استحياء، بعد أن بدأت حركة السياحة في العودة إلى نشاطها مرة أخرى؛ على خجل.
«منذ 5 أعوام وأنا لا أعمل في وظيفة ثابتة.. كل يوم في حال»، كلمات قالها المرشد السياحي المصري مصطفى عبد الباسط الذي يتقن الألمانية، مستطردا «بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، أصبح عدد السياح قليلا جدا.. فنحن كنا نستقبل أكثر من 10 ملايين سائح؛ أما الآن فإذا جاء بضعة آلاف نحمد الله عليهم». وأضاف عبد الباسط لـ«الشرق الأوسط» أن بعض أصدقائه أنفقوا ما ادخروه طوال عملهم لنحو 20 عاما في مجال السياحة في 5 سنوات فقط، موضحا أن أحدهم اضطرته الظروف إلى أن يطلق زوجته بعدما أصبح غير قادر على الإنفاق عليها.
وأوضح عبد الباسط أن نقابة المرشدين السياحيين حاولت أن تساعد المرشدين الذين قرروا البقاء في هذه المهنة، بدعمهم بمبلغ 1000 جنيه فقط (نحو 140 دولارا) في نهاية عام 2013. وتابع عبد الباسط أن السياحة في مصر شهدت تحسنا ملحوظا في آخر 3 أشهر.
من جهته، قال عضو غرفة الفنادق في اتحاد الغرف السياحية ناجي عريان إن «ثورات الربيع العربي التي حدثت في كل من تونس ومصر وليبيا على الترتيب أثرت سلبيا على السياحة التي كانت مصدرا أساسيا للدخل في هذه البلاد، خاصة في مصر وتونس.. لكن هناك تحسنا طفيفا، حيث استقبلت مصر 9.9 مليون سائح في عام 2014 مقابل 9.5 مليون في 2013». وأضاف عريان لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حاول أن ينعش الاقتصاد المصري والسياحة من خلال رحلاته الخارجية بعد توليه مقاليد الحكم عقب الإطاحة الشعبية بتنظيم الإخوان في ثورة 30 يونيو (حزيران).. وسافر الرئيس إلى فرنسا وروسيا وإلى دول عربية وأفريقية، وهو الشيء الذي أثر إيجابا على السياحة، بحسب رأيه.
ونوه عريان بضرورة تضمين القمة العربية المزمع عقدها نهاية الشهر الحالي في مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء الحدودية خطة لمواجهة الإرهاب الموجود بدول الربيع العربي، خاصة بعد حادث قصر باردو في تونس، والذي خلف 20 قتيلا من السائحين الذين كانوا موجودين بمتحف القصر في مشهد سيضر السياحة بالبلاد.
وتراجعت نسبة السياحة في تونس بين عامي 2010 (عام قيام الثورة) و2014 بنسبة نحو 11.6 في المائة. ويأمل عريان إجراء انتخابات البرلمان المصري (ثالث الاستحقاقات في خارطة الطريق المصرية) في أقرب وقت، حتى تطمئن الدول وترسل مواطنيها إلى مصر لتتأكد أن مصر بها استقرار داخلي.
وربما يحسد الليبيون المصريين والتونسيين على الوضع في بلادهم، رغم كل هذه الخسائر، خاصة أن بعد تردت الأوضاع في ليبيا، وسيطر المتشددون على مدن مقابل سيطرة مجلس النواب (أعلى سلطة) في البلاد على مدن أخرى وسط ظهور تنظيم داعش في عدد من المدن.
من جانبه، صرح وزير السياحة المصري خالد رامي، خلال مقابلة مع «رويترز» على هامش المؤتمر الاقتصادي الذي أقيم بشرم الشيخ، بأن مصر تسعى لتعزيز إيرادات السياحة لتصل إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2020. وتعتزم الدولة إنفاق 120 مليون دولار لتنفيذ حملة عالمية للتسويق والترويج السياحي.



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.