الفقر ينهش شريحة كبيرة من اللبنانيين... والمساعدات الفردية خيط النجاة

لبنانيون ينتظرون للتزود بالوقود الأسبوع الماضي وسط شح كبير في بيروت (أ.ب)
لبنانيون ينتظرون للتزود بالوقود الأسبوع الماضي وسط شح كبير في بيروت (أ.ب)
TT

الفقر ينهش شريحة كبيرة من اللبنانيين... والمساعدات الفردية خيط النجاة

لبنانيون ينتظرون للتزود بالوقود الأسبوع الماضي وسط شح كبير في بيروت (أ.ب)
لبنانيون ينتظرون للتزود بالوقود الأسبوع الماضي وسط شح كبير في بيروت (أ.ب)

يرافق محمد (12 سنة) وعبد الله (10 سنوات) والدهما، سيراً على الأقدام، إلى مكان عمله كمساعد لدى صاحب مشروع تجاري صغير لبيع وجبات طعام صحية جاهزة ومعدة في المنزل، بعدما اضطرت الأم لمساعدة زوجها في إعالة الأسرة.
هي المرة الرابعة التي يرافقانه، من منزلهم الكائن في برج البراجنة (ضاحية بيروت) إلى مكان عمل الوالد في منطقة السوديكو (بيروت). يقول أبو محمد لـ«الشرق الأوسط»: «أين أتركهما؟ هذا العام لا مدارس ولا أمهما في البيت».
ويستعين صاحب المشروع بأبي محمد بين ثلاث وأربع مرات في الأسبوع، لمساعدته في تجهيز وتعليب الوجبات مقابل أجر 100 أو 150 ألف ليرة لبنانية (نحو ثمانية دولارات) في اليوم. أما زوجته فتعمل في أحد المنازل لمدة أربع ساعات يومياً براتب شهري مليون ليرة لبنانية (نحو خمسين دولاراً)، وفقاً لأبي محمد، ويضيف «كل ما نجنيه بالكاد يكفي إيجار البيت وبعض الطعام».
وتفاقم الفقر في لبنان إلى حد هائل في غضون عام واحد فقط وأصبح يطال خلال العام الحالي نسبة 82 في المائة من السكان، بحسب دراسة أعدتها منظمة «الإسكوا» تحت عنوان «الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة».
وتأتي الدراسة بعد عام من إصدار «الإسكوا» تقديراتها حول ارتفاع معدلات الفقر في لبنان في عام 2020، حين أشارت إلى أن الفقر طال 55 في المائة من السكان تقريباً بعد أن كان 28 في المائة منهم يعانون منه في عام 2019.
ويوضح أبو محمد أنه اضطر إلى سحب أولاده من المدرسة الرسمية «مؤقتاً» على حد تعبيره، بغض النظر عما إذا كان التعليم سيكون حضورياً أو عن بعد، بالنسبة له «الاثنان أسوأ من بعضهما». ويشرح أن «التعليم عن بعد يحتاج لكهرباء أو اشتراك مولد ونحن لا نحصل على الأولى ولا نشترك بالثاني».
ورغم تعهد وزير التربية والتعليم في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب بتأمين الكتب لطلاب المدرسية الرسمية مجاناً، فالأمر بحسب أبو محمد أبعد من ذلك، فالصفوف الحضورية «هي مصاريف إضافية من أكل وشرب ولباس للأولاد وهذا كله صعب في الظروف الحالية».
وكان لبنان في عداد أولى الدول التي فرضت إقفال المدارس في مارس (آذار) 2020 بعد نحو شهر من تسجيل أولى الإصابات بفيروس «كورونا». وتم اعتماد نظام التعلم عن بعد الذي تفاوتت فعاليته بين المدارس الخاصة والرسمية، لكن مع تفاقم أزمة شح المحروقات وانقطاع الكهرباء وانعكاس ذلك على خدمة الإنترنت، بات التعلم عن بعد بمثابة ترف لا يمكن للمدارس والأهالي توفيره.
ويروي أبو محمد: «لم تكن الأوضاع بهذا السوء في السابق، كنت أعمل في مطحنة بذورات في السابق وكنا الحمد لله مستورين»، لكن بعد شهرين من فترة الحجر «طردت من عملي ومنذ ذلك الحين وأحوالي تشبه حال البلد في تدهور مستمر»، يضيف ممازحاً.
وفي لبنان الذي يعيش تداعيات أزمة اقتصادية متمادية استنزفت سكانه وفاقمت معدلات التضخم والفقر والبطالة، فقدت الليرة قيمتها، فأصبحت رواتب شريحة كبيرة من المواطنين لا تتعدى 30 دولاراً كحد أقصى.
وإنعام (50 عاماً) واحدة من كثر تآكل راتبها الشهري الذي تجنيه من عملها في شركة محاسبة صغيرة، مليون وثلاثمائة ألف ليرة لبنانية، أي أقل من 70 دولاراً على سعر صرف السوق السوداء «لا تكفي مواصلات الطريق»، بحسبها.
هي امرأة وحيدة لا معيل لها، توفي والداها قبل الأزمات وقبل «كورونا»، وتخبر «الشرق الأوسط» أنها تشكر الله أنهما لم يعاصرا الأوضاع المزرية التي يمر بها اللبنانيون حالياً، وتقول: «كنت أدفع حوالي نصف راتبي مستلزمات طبية لأمي وأبي. أما اليوم لو كانا على قيد الحياة لكنا بمشكلة أكبر».
وتقول إنعام لـ«الشرق الأوسط» إنها اضطرت للتوقف عن أخذ بعض الأدوية التي وصفها لها الطبيب لتعويض نقص فيتامين (د) والماغنسيوم الذي يتسبب نقصه بتشنجات في جميع أرجاء جسدها، على اعتبار أنها «ليست أدوية أساسية»، ولتتمكن من تأمين أدوية الضغط والسيولة «خوفاً من الجلطات».
وفي حين تعتبر إنعام أنها لا تعد من الحالات الأسوأ في لبنان لناحية تأمين الرعاية الصحية، تشير إلى أنها تعرف الكثيرين ممن يعانون من أمراض مزمنة كالسرطان أو السكري لكنهم حرموا من الرعاية الصحية مع استفحال الأزمة وارتفاع أسعار الأدوية وأزمة المستشفيات والضمان الاجتماعي.
وتقول: «اللبنانيون هم من يسندون بعضهم البعض في هذا الليل الحالك السواد الذي يمر علينا، لا من قبل السياسيين. اللبناني اليوم هو من يقدم المساعدات الطبية وأحياناً المبالغ الصغيرة لمساعدة أخيه في الوطن. هناك الكثير من فاعلي الخير ولو بمبلغ قليل أو بعلبة دواء أو كيس مشتريات على قدر الاستطاعة».
وحرمت الأزمة الكثير من الأسر من الرعاية الصحية. ووفقاً لـ«الإسكوا»، ارتفعت هذه الفئة إلى 33 في المائة من اللبنانيين، كما ارتفعت نسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.