بنيت يتهم نتنياهو باستخدام الجيش لأغراض حزبية

فرض اليمين تقاليد جديدة تمس بالجيش

مظاهرة ضد الحكومة الإسرائيلية لمؤيدي نتنياهو في تل أبيب (أ.ف.ب)
مظاهرة ضد الحكومة الإسرائيلية لمؤيدي نتنياهو في تل أبيب (أ.ف.ب)
TT

بنيت يتهم نتنياهو باستخدام الجيش لأغراض حزبية

مظاهرة ضد الحكومة الإسرائيلية لمؤيدي نتنياهو في تل أبيب (أ.ف.ب)
مظاهرة ضد الحكومة الإسرائيلية لمؤيدي نتنياهو في تل أبيب (أ.ف.ب)

في أعقاب الحملة التي تشنها المعارضة الإسرائيلية، على خلفية مقتل القناص الإسرائيلي برصاص شاب من غزة على الحدود قبل أسبوعين، خرج رئيس الوزراء، نفتالي بنيت، أمس الأحد، بتصريحات يتهم فيها هذه الأحزاب وقائدها بنيامين نتنياهو، بمحاولة استخدام الجيش الإسرائيلي لأهداف سياسية وحزبية، فيما حذر قادة الجيش من الحملة السياسية ضده.
وقال رئيس أركان الجيش في رسالة داخلية إلى ضباطه، نشر مضمونها كاملا، إن «مجتمعا لا يدعم جنوده وضباطه حتى عندما يخطئون، سيكتشف أنه لن يكون هناك من سيحارب من أجله». وتابع كوخافي، بلهجة تدل على القلق من تبعات حملة المعارضة: «القرارات تتخذ غالبا أثناء القتال بانعدام يقين وخلال وقت قصير، ولذلك فإن الأخطاء محتملة دائما. واجبنا إجراء تحقيق ثاقب، لكن لا توجه اتهامات وعقوبات على أخطاء في ترجيح الرأي في ميدان القتال».
وكانت إسرائيل قد شهدت، طيلة عهد حكم نتنياهو (من 2009 - 2021)، توترا ملحوظا بين القيادة اليمينية الحاكمة والقيادات العسكرية.
وفي الوقت الذي نجح فيه الجيش في استقطاب أوسع وحدة صف من حوله في المجتمع الإسرائيلي، وحظي بشعبية أكثر من أي مؤسسة سياسية أو حزبية أو قضائية أو إعلامية، بادر اليمين إلى مهاجمة الجيش وشن حملات انتقادية واسعة على أدائه، واتهمه في بعض الأحيان بالجبن والتخلي عن الروح القتالية الصدامية.
وفرض اليمين تقاليد جديدة تمس بالجيش، وقبل أسبوعين، عندما قتل القناص في وحدة حرس الحدود، برئيل حداريا شموئيلي، بنيران أطلقها عليه متظاهر في قطاع غزة، خرج اليمين المعارض بحملة سياسية ضد الحكومة بدعوى أنها لم تأمر الجيش بشن حرب على «حماس».
وقال نتنياهو، خلال خطاب في الكنيست، الخميس الماضي، إن رئيس الحكومة، «لم يرد على مقتل مقاتلنا. وليس فقط لم يرد، إنما حول نصف مليار شيكل للسلطة الفلسطينية». وقال عضو الكنيست عن الليكود والوزير السابق، أوفير أكونيس، إن الحكومة «تقيد أيدي مقاتلينا من أجل الحفاظ على الائتلاف».
ثم أقدم قادة اليمين المعارض على استخدام عائلة الجندي القناص، التي تنتمي إلى حزب الليكود وتناصر نتنياهو، فطالبت باستقالة بنيت، وطال الهجوم قادة الجيش الذين عندما وصلوا للتعزية، طالبوهم بالاستقالة وخلع البزة العسكرية وأسمعوهم شتائم، وفي إحدى الحالات حاولوا الاعتداء عليهم. وقد أثارت هذه الأجواء قلقا شديدا في الجيش، ونقل المراسلون العسكريون أجواء الإحباط والغضب التي تنتاب قادة الجيش.
وحذر المحلل العسكري لموقع «هآرتس»، عاموس هرئيل، من أن هذه «العاصفة في الرأي العام تقوض الثقة بالجيش، ومن المحتمل أن تدفع الحكومة لخطوات لا تخدم سياساتها في قطاع غزة». وكتب بن كسبيت في صحيفة «معريب»: «المعارضة تدوس على المقدسات، ولا تتورع عن استخدام أساليب تقوض الروح القتالية في الجيش، فقط لكي تحقق مكاسب حزبية». وتجاوب الجيش في البداية مع الانتقادات وراح يدافع عن نفسه، فقال كوخافي، في كلمة خلال مراسم تسلم قائد سلاح البحرية الجديد منصبه، إن «الجنود والضباط مسلحون بكل الأدوات وبتعليمات فتح نار حادة وواضحة، كل ادعاء آخر ليس سوى كذب مطلق». وأضاف كوخافي، أن جيشه يجري «تحقيقاً شاملا يستند إلى المهنية والقيم فقط».
وقال إن الجيش الإسرائيلي رد على مقتل الجندي بقصف أربعة مواقع لحركة «حماس»، لأول مرة منذ انتهاء الحرب الأخيرة.
ومع تصاعد حملة المعارضة، خصوصا في الشبكات الاجتماعية، رد كوخافي وغيره من القادة العسكريين بأن هذه الحملة «يمكن أن تجعل إسرائيل بلا مقاتلين». وبالأمس، قال بنيت، في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية، إن «هناك من يحاول استخدام الجيش الإسرائيلي من أجل دفع أهداف سياسية مستهترة». وأضاف أن هجمة المعارضة تتجاوز الحدود وتمس بقدرة الجيش على القتال والصمود. «عندما يتم اتخاذ قرارات في عمليات عسكرية، تقع أخطاء أيضا تكون مؤلمة وقاسية أحيانا. ولكن ينبغي دعم الجنود والضباط، خاصة عندما تكون هناك أخطاء». وكشف أنه تكلم مع رئيس الأركان وأبلغه دعمه المطلق لضباط الجيش الإسرائيلي. مشددا على أن «كل شيء مسموح لعائلة القناص، ولكن ليس للسياسيين في المعارضة، فهؤلاء يحاولون كسب ربح سياسي على دماء أبنائنا الجنود، وأنا من دعاة عدم المس بالجيش الإسرائيلي وضباطه».
هذا وقد زار رئيس أركان الجيش، كوخافي، منزل عائلة القناص، أمس، وقال بحضور الصحافيين: «نحقق في الحادث لاستخلاص النتائج للمستقبل، لكن المعارك تكلف ثمنا، ولا يجوز المساس بهيبة الجيش وقدرات المقاتلين.
من يتطاول اليوم على هذا النحو قد يجد نفسه من دون جيش ومن دون مقاتلين مستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيل أمننا الوطني».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.