«كوفيد ـ 19» يزيد التنافس على الحد من «المعلومات المضللة»

دور أكبر للمواقع الإلكترونية التابعة للصحف

غوغل نيوز
غوغل نيوز
TT

«كوفيد ـ 19» يزيد التنافس على الحد من «المعلومات المضللة»

غوغل نيوز
غوغل نيوز

وسط استمرار أزمة جائحة «كوفيد - 19»، بل تفاقمها مع ظهور المتحورات الجديدة، لا سيما «دلتا»، بات الجميع يبحث عن وسيلة موثوقة للبحث عن الأخبار.
ومع الظهور الأول للفيروس، كانت وسائل التواصل الاجتماعي المقصد الأول للتعرف على الأخبار، إلا أن رواج «المعلومات المضللة» على بعض هذه الوسائل هدد مكانتها بصفتها وسيلة لنقل الأخبار. وحسب مراقبين، كان لشركات التكنولوجيا العملاقة، مثل «آبل» و«غوغل»، نظرة ثاقبة حول مستقبل علاقة القارئ بالخبر، إذ رأت أن وسائل التواصل لن تدوم بصفتها وسيلة لنقل الأخبار، ولذا حجزت مقعدها مبكراً من خلال منصات عالمية تقدم خدمة مطالعة أخبار من مصادر متنوعة.
كذلك الصحف العربية البارزة بات لها شأن في هذا التطور، فبادرت إلى المنافسة بمنصات تُقدم الخبر المهني من خلال ضغطة زر على الهواتف الذكية. كذلك حرصت الكيانات الصحافية البارزة على أن تصبح أقرب إلى القارئ من خلال حسابات رسمية على منصات التواصل. ومع أن منصات التواصل نجحت، بلا شك، في استقطاب القارئ، وتحقيق مكاسب من الصحافة المهنية -وأحياناً هددت الكيانات الصحافية الراسخة في مهمة نقل الأخبار- فإن شدة الجائحة غيرت شكل المنافسة بين منصات التواصل ومنصات مطالعة الأخبار، سواء المجمعة على شاكلة «آبل نيوز» و«غوغل نيوز» أو الفردية المستقلة من خلال تطبيقات ومواقع الصحف.
ومن ناحية ثانية، يرى خبراء أن الجائحة وتداعياتها رجحت كفة الصحافة، وأعادت القارئ إلى المنصات التابعة للصحف الموثوق فيها، وعدوا أن الصدقية والمهنية كانا الرهان الذي فازت بهما الصحف، وسقطت بسببهما بعض منصات التواصل الاجتماعي، لافتين إلى أن جميع الصحف العربية البارزة تخوض اليوم سباقاً محموماً لمواكبة التطورات بات ينعكس على المحتوى.

تصديق الأخبار الكاذبة
تقرير لمعهد «رويترز» لدراسة الصحافة بجامعة أكسفورد البريطانية الشهيرة أشار في يونيو (حزيران) 2020 إلى وضع الأخبار الرقمية حول العالم، فذكر أن «مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هم أكثر عرضة لتصديق الأخبار الكاذبة».
وهنا يقول مصطفى الريالات، رئيس تحرير صحيفة «الدستور» الأردنية، لـ«الشرق الأوسط» موافقاً إن أزمة «كوفيد - 19» دفعت إلى حقيقة تؤكد أن «منصات التواصل إحدى أهم أذرع الأخبار الكاذبة»، ويضيف: «لم تنجح هذه المنصات في تقديم ما يتوق له القارئ وسط أزمة عالمية لا مجال فيها للتأويل أو التهويل». وحسب الريالات، فإن «الجائحة أعادت القارئ نحو المنصات التابعة لصحف موثوق فيها، ولها تاريخ من المواقف مع القارئ. وعام 2020، كان العام الذهبي لصُناع الأخبار، سواء المرئية أو المكتوبة، بعدما تضاعفت المشاهدات».
وأرجع الإعلامي الأردني هذا التحول إلى أن «الصدقية والمهنية كانا الرهان الذي فازت به الصحف، وسقطت بسببه بعض منصات التواصل الاجتماعي».
أيضاً يؤمن الريالات بأن «الجائحة خدمت وسائل الإعلام التقليدية بشكل عام، والصحف بصفة خاصة، وعكست ثقة القارئ في صُحفه التقليدية، وحاجته إلى خبر قائم على المعلومة الموثقة. وبالتالي، اتضح الفارق الضخم بين مستخدم حساب على منصات التواصل يروج لأخبار مجهولة المصدر وصحافي ينشر خبراً من خلال عملية مهنية دقيقة».
وحقاً، يرجح الخبراء والمراقبون أن يكون المستقبل لصالح منصات مطالعة الأخبار، حيث يتوق القارئ لمعلومة مهنية موثقة، حتى إن كانت منصات التواصل ما زالت منافساً في نقل الأخبار. ومن جهة أخرى، يتساءل بعضهم عن سبب مطالعة قارئ ما موقعاً إلكترونياً واحداً بعينه، طالما أتيحت أمامه فرصة تصفح منصة حافلة بأخبار من مصادر متنوعة تغطي كل مناحي الحياة. وعندها، ما على المستخدم إلا تحديد اهتماماته، ومن ثم الدخول بسهولة على المنصة ليجد ما يبحث عنه. وهذه، تحديداً، هي الآلية التي اعتمدت عليها منصات جمع الأخبار، مثل «غوغل نيوز» و«آبل نيوز» و«فليب بورد» (Flipboard) وغيرها من المنصات العالمية.
جدير بالذكر أن منصة «غوغل نيوز» للأخبار ظهرت في يناير (كانون الثاني) 2006، وتصاعدت شعبيتها تدريجياً بالتوازي مع الاعتماد التدريجي على الإنترنت بصفتها مصدراً للمعلومات. ثم ظهرت منصة «فليب بورد» في يوليو (تموز) 2010. وفي هذه الأثناء، كانت شركة «آبل» تراقب الوضع تأهباً لاقتحام سوق المحتوى الصحافي في الوقت المناسب. وبالفعل، في سبتمبر (أيلول) 2015، خرجت منصة «آبل نيوز» التي أصبحت الأبرز عالمياً، حسب تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «آبل»، الذي ذكر في أغسطس (آب) 2020 أن «المنصة تضم 85 مليون مستخدم نشط شهرياً، مع قراءة أكثر من 5 مليارات مقال شهرياً أيضاً».

تنافس المنصات الإخبارية
ومن جانبها، لم توضح «غوغل» العدد الفعلي للمستخدمين، إلا أن خدمتها الإخبارية -وفق الخبراء- تعد المنافس الأول لخدمة «آبل» الإخبارية. وحسب هؤلاء، قدمت منصات الأخبار في البداية مجاناً، معتمدة على الإعلانات التي تستفيد منها المنصة والموقع أو الصحيفة. ولكن تدريجياً، أعلنت شركة «آبل» أن جزءاً من خدماتها الإخبارية سيُحجب في حال الامتناع عن الاشتراك مقابل نحو 10 دولارات شهرياً، بينما لا يزال تطبيقا «غوغل نيوز» و«فليب بورد» يقدمان خدماتهما مجاناً معتمدين على الإعلانات فقط.
وحول أسباب شعبية هذه المنصات، أوضح محمد جلال الريسي، مدير عام وكالة أنباء الإمارات (وام)، لـ«الشرق الأوسط»، شارحاً أن «منصات مطالعة الأخبار، على شاكلة (غوغل نيوز) و(آبل نيوز) لا تقدم خدمة إخبارية فحسب، بل تقدم خدمة تكنولوجية متكاملة، وهي بالفعل قدمت الأخبار بصفتها جزءاً من الرفاهية للمستخدم».
ويضيف أن «ثمة ملايين يستخدمون أجهزة آبل، وكذلك آندرويد المدعم بـ(غوغل)، ويحظون بخدمة تكنولوجية متكاملة. وجاءت الأخبار لمزيد من الاستقطاب، وربما الرفاهية»، مستدركاً أن «هذه المنصات لا تصنع الخبر، بل تعتمد على نقل الأخبار من مصادرها، كأنها مجرد لوحة عرض».
الريسي يؤكد أيضاً أن «هذه الشركات العملاقة لم -ولن- تدخل شريكاً في صناعة الأخبار، بل فقط تكتفي بالعرض والمطالعة، وتجمع الأخبار من خلال كلمات مفتاحية محددة، وربما لاحقاً تتزود ببعض المراسلين، لكن حتى الآن لم يحدث ذلك، ولا نعدها شريكاً».
غير أن الريالات كان له رأي مغاير، إذ قال: «صحيح منصات مطالعة الأخبار العالمية صعدت إلى الواجهة بسبب أزمة الجائحة، لكن ما زال أمامها الكثير حتى تتغلغل في الروتين اليومي للقارئ، بشرط خرق تعود القارئ على هذه المنصات التي تتيح له التفاعل والتعليق على الأحداث. ومن ثم، فإن منصات الأخبار، سواء المستقلة أو المجمعة، بحاجة إلى تطوير أدواتها من أجل خلق مساحة شخصية مع القارئ، وجعله جزءاً فعالاً في الأحدث، لا سيما أن عقلية المجتمعات العربية تميل إلى التفاعل».
وأردف أن «منصات مطالعة الأخبار، سواء من (آبل) أو من (غوغل) لها أهمية بارزة، لكن لا يمكن القول إن تلك المنصات باتت جزءاً من ثقافة القارئ العربي، في حين هي عنوان للمستقبل، وستصل إلى مرحلة أفضل فيما يتعلق بثقة القارئ».
ومن جهتها، ترى شيماء البرديني، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «الوطن» اليومية في مصر، في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «صعود المنصات، لا سيما بعد الجائحة، يعود إلى بعض العوامل، منها أن هذه المنصات راسخة إلكترونياً، كونها بالأساس إصدار تقني. ثم إنها تقدم خدمات ومميزات تحقق الرفاهية والتنوع أكثر، مقارنة بالمواقع الإلكترونية القائمة بذاتها، كذلك تنوع المحتوى جزء من تميزها». وتابعت البرديني أن «منصات مطالعة الأخبار ليست واجهة لآيديولوجيات واضحة، ما يمنحها نوعاً من الاستقلالية، ومن ثم تفوز بثقة القارئ».
وعن احتمال عزوف القارئ العربي عن صحفه لصالح منصات الأخبار العالمية، يرى الريسي أن «الإعلام مر بأزمات أرست تحولات جذرية، ودفعت نحو التطور، ومن ثم التحول نحو الرقمنة». ويضيف: «طبيعي أن كل متغير يُعد تحدياً لصناع الإعلام، وعلينا التكيف حتى نتطور ذاتياً. ووجود منصات عالمية تسمح بجمع ومطالعة الأخبار لا يشكل ضغطاً على الصحافة العربية، بينما الأزمة الحقيقية هي حاجة الصحافي العربي إلى التطور وتحديث أدواته».
ثم يتابع الريسي، فيقول إن «الشكل النمطي للخبر ما عاد يناسب جيل الألفية وتطلعاته، ولذا فإن السباق ما عاد في اللحاق بمنصات الأخبار المجمعة، بل في تطوير المحتوى أولاً، من خلال مزيد من الاعتماد على الأدوات المرئية، على شاكلة الصور والفيديو، ثم تأتي خطوة الوجود والمنافسة».
أما البرديني، فتؤكد أن «منصات مطالعة الأخبار تسارع في إتاحة حلول للأزمة المالية التي تواجهها الصحافة منذ بدء التحول نحو الرقمنة، واختلاف سياسة الإعلان بين المطبوع والرقمي. ولذلك شاهدنا بعض المنصات تتجه نحو الخدمات المدفوعة، ولو بشكل جزئي، ربما تمهيداً للتحول الكامل؛ لكن الحضور على منصات الأخبار لن يكون الحل السحري لأزمة الصحافة، حتى إن أصبح سبيلاً لجني أموال أتصور أنها محدودة، لأن التكلفة التي تتحملها الصحف لإنتاج مطبوعات ورقية أو حتى مواقع إلكترونية تتخطى هذا العائد المحدود. ومن ثم، لا أتصور أنها منقذ واقعي».

الحضور والمحتوى الخبري
وفي المقابل، بحسب الريسي، فإن «ثمة ضرورة لخروج منصات متخصصة في مطالعة الأخبار العربية على قدر من التطور يضعها في صفوف المنافسين، بصفتها نافذة للمحتوى العربي وشرطاً لاستمراره». قبل أن يضيف: «نحن بصدد خروج كيانات كهذه، لكن علينا الاعتراف أولاً أن ثمة كيانات تكنولوجية عملاقة سبقت بالفعل، وهذا ما يعد تحدياً، ومنافسته تحتاج إلى جهد مضاعف. وعليه، أتوقع أن نرى المؤسسات العربية البارزة ضمن هذه المنصات الفترة المقبلة».
والريالات يوافق الريسي رأيه، فيقول إن «الحضور على جميع المنصات المحلية والعالمية بات ضرورة، ولا يمكن غض الطرف عنه، في سبيل نشر اهتمامات وقضايا العالم العربي». ثم يشدد على أنه «حتى إن وفرت منصات مطالعة الأخبار مصدر دخل مالي للصحف، فهذا لا يعني الكثير، عندما يكون الحضور المهني والوظيفي هو الهدف الأصيل. والحاصل الآن أن الصحف العربية حققت حضوراً بارزاً في مجال الرقمنة، وغدا لها شأنها في الفضاء الإلكتروني، بل اتجهت بعض الصحف نحو الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى»، قبل أن ينهي تعليقه بالقول إن «جميع الصحف العربية البارزة تخوض سباقاً في مواكبة التطورات، ما ينعكس على المحتوى الذي بالفعل يتطور يوم بعد الآخر، وتحقق نجاحات ضخمة».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.