مؤتمر إقليمي في المغرب يسعى للنهوض بالجامعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

في وقت يشهد التعليم العالي في المنطقة كثيرا من التحديات المحلية والعالمية

جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقليمي حول النهوض بالجامعات في الرباط (تصوير : مصطفى حبيس)
جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقليمي حول النهوض بالجامعات في الرباط (تصوير : مصطفى حبيس)
TT

مؤتمر إقليمي في المغرب يسعى للنهوض بالجامعات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقليمي حول النهوض بالجامعات في الرباط (تصوير : مصطفى حبيس)
جانب من الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقليمي حول النهوض بالجامعات في الرباط (تصوير : مصطفى حبيس)

يسعى مؤتمر إقليمي بدأت أعماله أمس (الثلاثاء)، بالمقر الدائم للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» في الرباط، لوضع آليات عملية للنهوض بالجامعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحضور عدد كبير من رؤساء الجامعات والمسؤولين الحكوميين والباحثين وهيئات البحث في الدول الإسلامية، وعدد من البلدان الأوروبية والآسيوية.
وقال الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام لمنظمة «إيسيسكو» إن «عقد المؤتمر يأتي في وقت يشهد التعليم العالي في المنطقة كثيرا من التحديات المحلية والعالمية». وأضاف أن «المؤتمر يسعى للتوصل إلى نتائج حول آلية تحويل تسيير الجامعات من الطريقة التقليدية إلى طريق أكثر عصرنة، تعتمد على الحكامة والانفتاح».
وأوضح التويجري، الذي كان يتحدث في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أن هذا الأخير يهدف إلى تبادل الخبرات والاستفادة من التجارب الرائدة، للارتقاء بالتعليم العالي إلى مستوى الجودة اللازمة، أداء جيدا، وتسييرا ومساهمة فاعلة في تحقيق التنمية الشامة المستدامة، انطلاقا من النهوض بالتعليم العالي من كل النواحي. ويلقى المؤتمر، الذي ينظم تحت عنوان «وضع نموذج للانتقال من تسيير الجامعة إلى حكامة الجامعة»، دعما من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر المغربية، والبنك الأفريقي للتنمية، والمجلس الثقافي البريطاني في المغرب، ويشارك في تنظيمه «مركز مرسيليا للاندماج المتوسطي». وأشار التويجري إلى أن جميع جامعات دول المنطقة تعاني من نفس التحديات، وقال «قد تختلف في الشكل والمحتوى والأثر، لكنها تشترك في الأعباء الكثيرة التي تثقل كاهل الجامعات». وأكد أن الهدف من المؤتمر هو صياغة نموذج للانتقال من مفهوم التسيير إلى مفهوم «الحكامة» في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي.
وقال التويجري إن التحليل العلمي «القائم على الدراسة الميدانية والمقارنة الدقيقة» يؤكد أن ثمة علاقة بين الجامعات والسياسات العامة المتبعة في القطاعات الأخرى. وأضاف «ولذلك حين نقول بترشيد السياسة، أي ما يطلق عليه اليوم الحكم الرشيد، فإننا نقول أيضا بترشيد التعليم العالي»، مطالبا أن يوفر هذا «الحكم الرشيد» الأجواء للجامعات لتصبح «رشيدة» بالمفهوم الشامل، وبالمدلول العلمي البعيد المدى. قائلا إن «المملكة المغربية سوف تستضيف العام المقبل المؤتمر الإسلامي السابع لوزراء التعليم العالي والبحثي العلمي لتعزيز العمل الإسلامي المشترك في هذا المجال الحيوي».
من جهته، قال لحسن الداودي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المغربي، إن «دول المنطقة تعاني من مشكلات جمة في الجامعات، وأن (إيسيسكو) لا تبخل في محاولاتها للنهوض بالتعليم والثقافة في بلدان المنطقة». وأضاف الداودي أن «التعليم العالي يجب أن يتميز بنظام صارم للمحاسبة، لأجل مواجهة الزبونية المتفشية في مؤسساته، مستنكرا وجود الجامعة اليوم على هامش الاقتصاد»، مشيرا إلى أنه في هذه الحالة لا يمكن التحدث عن دور فاعل في قاطرة التطور.
وطالب الوزير المغربي بإعادة النظر في «تموقع الجامعة»، وفتح علاقات واسعة، مع المحيط الدولي، للاستفادة من تجاربه. ووعد في هذا الصدد أن يستضيف المغرب قريبا فروعا لمدرسة بريطانية عريقة، تعتمد التدريس باللغة الإنجليزية. وقال إن «بلاده منفتحة تجاه البلدان الغربية وتحديدا كندا وبريطانيا وفرنسا، للاستفادة من تجاربها في مجال التعليم العالي».
وقال الداودي «الوضع خطير جدا، ومستوى التعاون ضعيف، ولم يرق إلى التمكين من فك العزلة بيننا»، مطالبا بخروج المؤتمر بتوصيات عملية قابلة للتطبيق.
أما السفير البريطاني في المغرب كليف آلدرتون، فقد أكد أن بلاده تسعى لأن تتشارك تجربتها في مجال التعليم العالي، مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منوها بالطموحات الكبيرة التي تبديها «إيسيسكو» للنهوض بالجامعات. وطالب السفير الدرتون بأن تكون أولوية الجامعات في المرحلة المقبلة التركيز على حاجات سوق العمل، ومتطلبات المنظومة الاقتصادية الشاملة. وقال بخصوص موضوع المؤتمر، إن «حكامة الجامعات باتت أمرا ملحا ومطروحا بقوة في عالم اليوم». وتابع المشاركون في افتتاح المؤتمر عرضا حول التعليم العالي في بريطانيا، قدمه آندرو غيتينغ وهو صحافي وأستاذ جامعي، ومؤلف كتاب «الرهان الكبير للجامعة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.