لبنان يتلون باحتفالات «عيد الأم» من شماله إلى جنوبه

معارض الزهور والأشغال الحرفية و«لقمة أمي» أبرز عناوينها

«وردة بيبلوس» التي أطلقها سوق الأزهار في مدينة جبيل الأثرية بمناسبة عيد الأم
«وردة بيبلوس» التي أطلقها سوق الأزهار في مدينة جبيل الأثرية بمناسبة عيد الأم
TT

لبنان يتلون باحتفالات «عيد الأم» من شماله إلى جنوبه

«وردة بيبلوس» التي أطلقها سوق الأزهار في مدينة جبيل الأثرية بمناسبة عيد الأم
«وردة بيبلوس» التي أطلقها سوق الأزهار في مدينة جبيل الأثرية بمناسبة عيد الأم

احتلّ «عيد الأم» مساحة لا يستهان بها من الانشغالات اليومية لدى اللبنانيين، بحيث عمّت معالمه جميع المناطق دون استثناء. واستهلّت الاحتفالات بالمناسبة قبيل أسبوع من تاريخ موعدها الرسمي فانطلقت ترخي بظلالها على لبنان من شماله إلى جنوبه.
فكما في صيدا كذلك في زغرتا وجبيل وشارع الحمرا والكورة وغيرها، ازدانت الطرقات والشوارع بحلّة العيد، محتفية بمن تهزّ السرير بيمينها والعالم بيسارها، ما يليق بقيمتيها الإنسانية والمعنوية ويعبّر عن التقدير الكبير الذي نكنّه جميعا لأمهاتنا. ونبدأ من بيروت وبالتحديد من شارع الحمرا الذي أقامت فيه جمعية «سيدرز العناية» مهرجان «عيد الأمهات»، فاقفل لمدة يوم كامل أمام السيارات ليخصص لزوّار المهرجان الذين جاؤوا بالمئات للمشاركة فيه. أكثر من 120 فنانا ورساما ومؤسسة رعوية كانت هناك للاحتفال بالعيد، إن من خلال أشغالها الحرفية أو من خلال أساليب التسلية المنوعة المتاحة أمام الجميع. فالكشاف العربي مثلا أخذ على عاتقه تسلية الأطفال بألعاب مائية وغيرها استقدمتها خصيصا إلى شارع الحمرا في المناسبة. فيما تكفّل تلفزيون «المستقبل» بنقل وقائع هذا المهرجان في بعض فقرات برنامجه «عالم الصباح»، ناقلا بالصورة الحيّة فرحة الأمهات بعيدهنّ. أما سيدات جمعية «سيدرز العناية»، فقد آزرن الأمهات على طريقتهن، بحيث قدّمن الأرباح التي حصدنها من بيع قوالب الكيك المحضّرة من قبل ربات منازل عدة لجمعيات خيرية تهتم بالأمهات المحتاجات.
وفي بيروت أيضا استضافت أسواق العاصمة على مدى يومي الجمعة والأحد، واحتفاء بفصل الربيع سوقا للزهور، يحمل اسم «سوق الياسمين»، وذلك بالتعاون بين شركة «سوليدير»، ونقابة مزارعي الأزهار والشتول في لبنان، وتتخلل المناسبة عروض موسيقية، وورش عمل في تنسيق الزهور للأطفال، وعروض لمهارات عدة.
وأشارت سهيلة إدريس منظمة هذا المهرجان لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الهدف من إقامة هذا النشاط، يعود إلى تكريم الأمهات بطريقة مباشرة تشعرهن بأهميتهن في حياتنا. وأضافت: «هو عيد لا يشبه أيا من الأعياد الأخرى ويكفي أننا استطعنا أن نرسم البسمة على وجوه أمهات كثيرات، فلقد تجوّلن سعيدات وهنّ محمّلات بباقات الورد والصحون التذكارية وقوالب الكيك المعدّة خصيصا لهنّ». أما في مدينة صيدا الجنوبية فقد تشاركت كل من مؤسسة «الحريري للتنمية البشرية المستدامة»، بالتعاون مع جمعية تجار صيدا و«الشبكة المدرسية للمدينة» في تزيين شوارع المدينة تحت شعار «لأمي ووطني الأم». فرفعوا عند مدخل الأسواق التجارية قوس نصر ملوّن كتب عليه شعار المناسبة، كما تمّ طلي الجدران الممتدة على طول المدخل برسوم وجداريات مستوحاة من العيد. أما شارع «خان الإفرنج» في صيدا القديمة، فقد تحوّل إلى محترف فني تضمن كل ما يخطر عالبال من هدايا وأشغال يدوية خاصة في المناسبة.
وفي مدينة البترون شمال لبنان تنوّعت النشاطات التي نظّمت في مناسبة عيد «ستّ الحبايب» استهلّت بتقديم يوم طبي مجاني للأمهات والأطفال المرضى، شمل معاينات بإشراف أطباء واختصاصيين في مجالات ضعف النظر والسكري والأمراض الجلدية والتغذية والصحة العامة.
أما في منطقة «زغار» الواقعة قرب بلدة حبالين الشمالية فقد قرر أحد أصحاب المزارع الطبيعية، افتتاح موسمي الربيع والصيف في مطعم «بيولاند» ذي الوجبات المصنوعة من مكونات ومنتجات المزرعة. وسيقام في المناسبة حفل غداء بعنوان «لقمة أمي»، يعدّ أطباقه الشيف اللبناني الذائع الصيت عالميا جو برزا. وقد أكد الشيف برزا لـ«الشرق الأوسط» أن هذا النشاط هو بمثابة تحيّة تكريمية للأمهات جميعا، واللاتي تركن في ذاكرة أولادهن انطباعات ومشاعر عدّة لتفانيهنّ في القيام بالتضحيات تجاههم وأضاف: «من منّا لا يتذكّر الطعم اللذيذ للأطباق التي كانت تحضّرها لنا أمهاتنا، وهي واحدة من الأمور الكثيرة التي نستذكرهن فيها دائما، ولذلك فإن هذا الاحتفال سيتضمن وجبات معدّة على طريقة أمهاتنا ونابعة من المطبخ اللبناني الأصيل». أما في مدينة جبيل الأثرية وللسنة السادسة على التوالي، فقد انطلق مهرجان الزهور على الطريق الروماني فيها تحت عنوان «سوق الأزهار والعصافير والمنتجات المحلية التقليدية»، ويصار فيه إلى عرض أكبر عدد من أنواع الورود لمناسبة «عيد الأم». هذا العام سيتضمن السوق إطلاق وردة «بيبلوس» المؤلّفة من سبع زهور حمراء مكوّنة سويا، التي قدّمها كهدية عالم النبات الفرنسي مايلان ريشاردييه للمدينة الأثرية بيبلوس، وسيضمها إلى لائحة الزهور التي يذكرها كتابه الجديد، شارحا أهميتها النباتية التي في إمكانها معالجة بعض الأمراض المعدية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».