«المدينة الأوروبية» في تونس تراث مهمل ومهدد بالاندثار

مبانٍ مهددة بالسقوط بسبب الإهمال في ما يعرف بالمدينة الأوروبية في تونس (أ.ف.ب)
مبانٍ مهددة بالسقوط بسبب الإهمال في ما يعرف بالمدينة الأوروبية في تونس (أ.ف.ب)
TT

«المدينة الأوروبية» في تونس تراث مهمل ومهدد بالاندثار

مبانٍ مهددة بالسقوط بسبب الإهمال في ما يعرف بالمدينة الأوروبية في تونس (أ.ف.ب)
مبانٍ مهددة بالسقوط بسبب الإهمال في ما يعرف بالمدينة الأوروبية في تونس (أ.ف.ب)

يدقّ معماريون ومنظمات في المجتمع المدني ناقوس الخطر، محذّرين من خراب «المدينة الأوروبية» في تونس التي تعد تراثاً ثرياً ومُتنوّعاً شاهداً على الماضي الاستعماري، وذلك مع تحوّل مبانٍ فيها إلى رُكام وتآكل جدرانها بسبب الإهمال، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويطلق نشطاء في المجتمع المدني اسم «المدينة الأوروبية» على الأحياء التي شُيّدت خارج أسوار المدينة العربية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، مع بداية فترة خضوع تونس للحماية الفرنسية.
وتتميّز المباني في هذه الأحياء بفنون معمارية مثل «الكلاسيكي» أو «آرت ديكو» أو «الفن الجديد» الذي انتشر في أوروبا خلال عشرينات القرن التاسع عشر وثلاثيناته، وشيّدت بأكثريتها على أيدي إيطاليين وفرنسيين.
بعد 65 عاماً على الاستقلال، بات قسم كبير من هذه المباني مهدداً بالسقوط بسبب غياب استراتيجية واضحة من الدولة التي وضعت يدها على قسم من هذه العمارات، بينما يدير أخرى وكلاء عقاريون بالنيابة عن مالكيها.

وأقرّت السلطات التونسية بأن 160 مبنى مهدداً بالسقوط، حسب آخر عملية جرد أجرتها في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
ونفّذ بعض السكان عمليات ترميم من دون مراعاة الطابع المعماري، فطمسوا هوية المبنى، وأزالوا نقوشاً، فيما تحولت مبانٍ مهجورة إلى مكبات نفايات منزلية أو فضاءات لبيع المخدرات.
وتقول رئيسة جمعية صيانة مدينة تونس آمال المؤدب، لوكالة الصحافة الفرنسية: «نطلق اليوم صيحة فزع وندق ناقوس الخطر من أجل إنقاذ المدينة الأوروبية التي تعد جزءاً من تراثنا ونموذجاً فريداً من الهندسة المعمارية»، مضيفة: «هي تبدو يتيمة ومهمّشة وتشكو الإهمال منذ عقود».
وكان الأوروبيون يشكّلون نصف عدد سكان تونس، وسمح لهم دستور «عهد الأمان» عام 1857 على اختلاف دياناتهم، بامتلاك أراضٍ وتشييد منازل، فانتشرت المساكن الفخمة في أحياء حملت تسميات أوروبية على غرار منطقة «لافاييت» و«نوتردام» و«مونفلوري» وشارع «جول فيري» الذي أصبح فيما بعد شارع الحبيب بورقيبة، أبي استقلال تونس.
لكنّ كثيراً من مُلاّكها الأصليين، وبينهم أيضاً يهود، غادروا البلاد نحو أوروبا غداة الإعلان عن الاستقلال، وفي ظل الصراع العربي - الإسرائيلي. وتم تأجير المساكن إلى عائلات تونسية.

وتتسم المباني بالأقواس والأرضيات الرخامية والخزف في كساء بعض الجدران والمرمر على السلالم الحلزونية، فضلاً عن مساحات شاسعة وأسقف عالية.
منذ مدة، بدأ نشطاء في المجتمع المدني ينشرون على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً للحالة السيئة التي أصبحت عليها هذه المباني، مطالبين المعنيين بصيانتها لحفظها من الخراب.
في المقابل، تشهد المدينة العتيقة المدرجة ضمن لائحة التراث العالمي للإنسانية منذ عام 1979 عمليات ترميم وصيانة مستمرة، منذ تسعينات القرن الماضي، حسبما تفيد المؤدب التي تنتقد من يصفون «المدينة الأوروبية» بـ«التراث الاستعماري».
وتتساءل المهندسة المعمارية ضحى الجلاصي بدورها: «هل يمكن الحديث عن المدينة العربية بمعزل عن المدينة الأوروبية؟»، قبل أن تجيب: «لا أعتقد، تونس كالقلب ببطينيه الأيمن والأيسر».

ويقول بشير الرياحي العضو في جمعية «مباني وذكريات»، وهي هيئة غير حكومية: «نحن صوت وقارب النجاة» لهذه المدينة التي كان يصعب التطرّق إلى مشكلتها قبل ثورة 2011 بوصفها من المواضيع «الحساسة».
وتوضح منسقة برامج «إكسبرتيز فرنس» في تونس بولين لوكوانت، أن «العقبة الرئيسية أمام الحفاظ على التراث قانونية وعقارية وقضية ميراث»، بسبب «صعوبة تحديد هوية المالك الأصلي فضلاً عن الإجراءات الإدارية المعقدة».
وزاد مشروع قانون «البنايات المتداعية للسقوط» الذي تقدمت به الحكومة للمناقشة في البرلمان عام 2018، من تعقيد الأمور، علماً بأن النظر فيه أرجئ بعد ضغط من المجتمع المدني.
وينص المشروع على عمليات إخلاء وهدم تشمل نحو خمسة آلاف مبنى متداعٍ وآيل للسقوط في عدد من المدن التونسية، من بينها 2500 في العاصمة تونس.
وأطلقت جمعية «مباني وذكريات» عريضة تطالب بمراجعة المشروع لأنه «ينص على تدمير متسارع وشامل لتراث معماري وعمراني تزخر به تونس ويعود للقرنين الماضيين».
وأبدت مديرة وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، وهي هيئة حكومية، آمال الزريبي، مخاوف حيال المشروع الذي وصفته «بالجريمة إذا لم يأخذ بالاعتبار الأماكن المحمّلة بالذاكرة الجماعية».
من جهة أخرى، تشكّل مشاريع بناء المجمعات التجارية والسكنية تهديداً آخر للمنطقة.
فعماد التاهنتي الستيني، وهو أحد سكان عمارة في «المدينة الأوروبية»، يرى نفسه «ضحية المضاربة». ويقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «أقاوم ضغوطاً أتعرض لها منذ مدة طويلة لإخلاء الشقة التي تسكنها عائلتي منذ ما قبل عام 1965 وفق عقد إيجار قديم مع يهودي غابت أخباره منذ زمن طويل».
ويدفع التاهنتي 100 دينار (30 يورو) في الشهر لوكيل عقاري قال إنه «باع العمارة من دون سابق إبلاغ»، معبراً عن خشيته من هدمها.

ويستثمر المروجون العقاريون مبالغ مغرية في سبيل استبدال مبانٍ سكنية عصرية بالعمارات القديمة.
وتطالب جمعية «الدفاع عن حقوق شاغلي أملاك الأجانب» بـ«جلاء عقاري» أسوةً بالجلاء الزراعي الذي أتاح عام 1964 تأميم كلّ الأراضي الفلاحيّة التي كانت تحت ذمّة المستعمرين.
وتدعو جمعية «مباني وذكريات» إلى إشراك «جميع الأطراف الفاعلة من أجل التفكير الجاد في وضع استراتيجية بناءة ومُستدامة للتصدي للأضرار الناجمة عن التوسّع الحضري والحفاظ على المشهد المعماري التاريخي».
ويقول مدير مساعد الوكالة الفرنسية للتنمية في تونس برتران فيسيني: «بالنظر إلى التمويلات الضعيفة نسبياً التي حصلنا عليها خلال السنوات الأخيرة، يظهر أن صيانة التراث لا سيما الأوروبي ليست من أولويات شركائنا».
لكن الوكالة الفرنسية تعهدت في نهاية 2020 بتخصيص 12 مليون يورو لمشروع يهدف إلى تجديد المدن القديمة وتشبيبها بما فيها أحياء المدينة الأوروبية.


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.