«فينيسيا السينمائي» ينطلق اليوم بدورته الـ 78

سينما تبحث عن استمرار بين مخرجين كبار ومواهب جديدة

أوسكار آيزاك في «ذا كارد كاونتر»
أوسكار آيزاك في «ذا كارد كاونتر»
TT

«فينيسيا السينمائي» ينطلق اليوم بدورته الـ 78

أوسكار آيزاك في «ذا كارد كاونتر»
أوسكار آيزاك في «ذا كارد كاونتر»

اليوم، الأول من سبتمبر (أيلول)، الافتتاح الرسمي للدورة 78 من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي. كلمة «الدولي» لم تعد تذكر كتعريف للمهرجان، لكنها كلمة رائعة المفعول تصف أعمال مهرجان يواصل الصعود، سنة بعد سنة، متجاوزاً أترابه على أكثر من صعيد.
إذا شئنا التواضع، هو بمستوى وشهرة ونجاح مهرجان «كان». إذا عمدنا إلى التخصيص والتمحيص، ما يوفره مهرجان فينيسيا يختلف - وفي بعض مجالاته يعلو - عما يوفره مهرجان «كان».
يكفي حرية تداول الأفلام المعروضة في المسابقة عوض اختيارها القائم على ترشيح شركات الإنتاج والتوزيع الفرنسية لأفلام المسابقة وسواها كما الحال في «كان»، كما لو أن «كان» ملعب كرة قدم لفريق محلي. طبعاً تختلف اللغات وتختلف المصادر والمواضيع، لكن الأفلام المعروضة على شاشة المهرجان الفرنسي، وعلى نحو غالب، مبيع سلفاً للتسويق الفرنسي والأوروبي.

أمومة حائرة
فيلم الافتتاح اليوم سيكون، كما أُعلن سابقاً، «أمهات موازيات» (Parallel Mothers) لكنه ليس الفيلم الأول في برامج العروض.
قبله، أمس الثلاثاء، تم عرض فيلمين فيما يُعرف بـ«حدث ما قبل الافتتاح» وهما «بيانل فينيسيا: السينما في زمن الكوفيد» لأندريا سيرج (ومن إنتاج المهرجان نفسه)، و«بين الأعجوبات» (Per Grazia Ricevuta) الذي حققه، سنة 1971، وقام ببطولته نينو مانفريدي، وذلك بمناسبة مرور 100 سنة على مولده.
يشرح عنوان فيلم «بيانل فينيسيا: السينما في زمن الكوفيد» نفسه بنفسه. في العام الماضي انبرى مهرجان فينيسيا كوحيد المهرجانات الكبيرة الثلاثة (برلين وكان في الجوار) الذي واجه الوباء بتحد مقرراً أن ينهض بأعبائه وأفلامه من دون تراجع أو استسلام، مكتفياً بحفنة من التدابير الضرورية.
هذه التدابير ما زالت في مكانها هذا العام، لكن هناك تدابير أخرى لازمة من بينها إلزام بالحجز الطوعي لعشرة أيام لبعض القادمين، بحسب الدول التي جاءوا منها، كذلك القيام بإجراء الفحوصات المعمول بها كل يومين أو ثلاثة (وهو ما اتبعه مهرجان «كان» كذلك).
من حسن الحظ أن «أمهات موازيات» هو فيلم الافتتاح الفعلي. ليس لأنه يبعد عن الأذهان أوضاع البشر الصحية وعن الأعين متاعبها، بل لأنه يمضي بعيداً عن الواقع الذي يحاصر الناس اليوم ليتبنى نظرة مختلفة تخص وضعاً يعالجه المخرج الإسباني بدرو ألمادوار بدرايته الميلودرامية الذكية.
بطلتا الفيلم هما جانيس (بينيلوبي كروز) وآنا (ميلينا سميت) تلتقيان في المستشفى من دون معرفة سابقة أو موعد. هما امرأتان في الأيام الأخيرة من الحمل. جانيس قلقة وآنا متحفزة. قلق جانيس يعود إلى أن الرجل الذي حبلت منه لا يود الزواج ويرفض تحمل المسؤولية المناطة به كأب. آنا لديها وضع مشابه من حيث إن مولودها لن يكون شرعياً، لكنها لا تخشى ذلك. تحاول طمأنة جانيس خلال حديثهما (الحوار قليل بينهما لكن ما فيه كاف).
النبرة التي يعتمدها ألمادوفار داكنة والتصوير يميل للأسود والأزرق بين الألوان. هو عتمة ودفء في وقت واحد، كما تشي مشاهد منتخبة للعرض قبل العرض الفعلي الكامل.

شرادر ولاران
هو الفيلم الثاني والعشرون للمخرج الإسباني، وأفلامه الأخيرة توجهت أكثر وأكثر صوب العلاقات العائلية وتأثيرها المتجاذب بين رجال يبحثون عن ماضيهم في كنف الأسرة أو بين نساء يجدن وحدة مصير فيما بينهن.
الأميركي بول شرادر هو أحد الأسماء الكبيرة الأخرى في محفل فينيسيا. الاختلاف هو أن بدرو ألمادوفار أشهر وقعاً حول العالم وأفلامه، عموماً، أسهل منالاً من قِبل مستويات متعددة من المشاهدين. شرادر اسم معروف لكنه محدود الانتشار، نظراً لأن أفلامه تتطرق إلى مواضيع ليست، غالباً، محط اهتمام أكثر من فئة قاصدة لأعماله.
‫مثل «فيرست ريفورمد»، الذي قدمه شرادر في مسابقة مهرجان فينيسيا سنة 2017، هناك طرح للدين والخطيئة والمغفرة في فيلمه الجديد «ذا كارد كاونتر». بطله (أوسكار أيزاك) خريج حرب من الحروب الأميركية. ارتكب فعلاً شنيعاً يطارده اليوم وقد عاد إلى الولايات المتحدة. يعيش الفعل ويعايشه ويحاول إيجاد وضع يخفف عنه آلامه الداخلية عبر اللعب على طاولات القمار. ‬
الأقل شهرة بين الكبار، على صعيد انتشار أفلامه أساساً، هو المخرج بابلور لاران. في السنوات التي تبعت فيلمه الجيد «بعد الوفاة» (Post Mortem) الذي قدمه على شاشة مهرجان برلين سنة 2010 استدار المخرج التشيلي صوب أفلام عن شخصيات حقيقية عالجها بمزج الواقعي مع المؤلف من المواقف. وجدناه يوفر الأحداث التي قادت لمصير الشاعر التشيلي بابلو نيرودا في «نيرودا» سنة 2016، وهو العام ذاته الذي قدم فيه كذلك «جاكي» عن أرملة الرئيس الراحل جون ف. كيندي. الآن يقدم رؤيته للأحداث التي سبقت مقتل الأميرة ديانا (تؤديها كرستين ستيوارت المنتظر وصولها لمصاحبة العرض وإجراء المقابلات).
يضع المخرج لاران حكايته في ليلة الكريسماس سنة 1991، وتتمحور حول إدراك الأميرة الراحلة أن زواجها من الأمير تشارلز ليس ما تتمنى المضي فيه.

أسماء شابة
هذه الأسماء، بالإضافة إلى المخرجة الأسترالية جين كامبيون التي توفر هنا فيلمها الجديد «قوة الكلب»، هي الأسماء التي تشكل القطب للباحثين عن أعمال مخرجين سبق وأن أكدوا جدارتهم عبر تاريخ حافل.
معظم الآخرين هم جدد في المهنة قياساً.
الحاصل منذ سنوات ليست بالقريبة، أن الرحيل الشامل لعمالقة السينما مثل الإيطالي فديريكو فيلليني، والروسي أندريه تاركوفسكي، والبرتغالي مانويل أوليفييرا، واليوناني ثيو أنجيلوبولوس، وعدد كبير من المخرجين الأميركيين، خلق فاصلاً بين الماضي والحاضر ما لبث أن تحول إلى فجوة. هذا بالإضافة إلى مخرجين قدامى ما زالوا أحياء يرزقون لكنهم غير معنيين بالعمل إما لكبر السن أو بسبب فقدانهم الشهية للعمل.
طبيعياً، أن تحاول المهرجانات البحث عن أسماء جديدة يمكن لها أن تحتل المكانات ذاتها، لكن هذا ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض. فالمسألة ليست تغيير طاقم من الموظفين مثلاً، بل البحث عمن تتوفر فيهم الشروط الفنية والفكرية التي تؤهلهم للقيادة في سنوات اليوم أو الغد.
والوضع هكذا سنقرأ أسماء جديدة كثيرة من بينها فالنتين فاسيناوفيتش المخرج الأوكراني الذي ربح الجائزة الأولى في مسابقة قسم «أفق» سنة 2019 بفيلمه «أتلانتيس». يعود هذا العام بفيلمه الجديد «انعكاس». هذا الفيلم هو الروائي الأول الذي يتعامل والوضع الأوكراني - الروسي ولو في خلفية قصة طبيب أوكراني يلقي الروس القبض عليه في المنطقة المتنازع عليها. بعد إطلاق سراحه يبدأ بمراجعة حياته والتفكير بتغيير ما باحثاً عن معنى لما يعيش من أجله.
كذلك هناك آنا ليلي أميربور، وهي أميركية ذات أصل إيراني قدمت قبل خمس سنوات فيلماً لم يحدث الأثر الذي توخته هو «مجموعة سيئة». الآن تعود إلى المهرجان الذي استقبل فيلمها السابق بدراما حول امرأة تعاني اضطراباً عصبياً وتبحث عن حياة جديدة. الفيلم بعنوان «Mona Lisa and the Blood Moon».
على صعيد آخر، تتمثل إيطالياً بثلاثة أفلام يتصدرها فيلم «يد الله» لباولو سورنتينو. لا معلومات مسبقة كثيرة حول هذا الفيلم، لكن البعض في الصحف الإيطالية يردد بأن الحكاية تدور حول صبي في السادسة عشرة معجب لحد مفرط بشخصية لاعب الكرة دييغو مارادونا. هذا الإعجاب يقود إلى كارثة يُقال إنها مستخلصة من تجربة شخصية.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».