ترسانة عسكرية ضخمة باتت في أيدي «طالبان»

عربات مصفحة وناقلات جند وطائرات نقل وأسراب من طائرات الإسناد البري وعشرات المروحيات

عناصر من «قوة بدر» في «طالبان» أمام طائرة عسكرية في مطار كابل أمس (أ.ف.ب)
عناصر من «قوة بدر» في «طالبان» أمام طائرة عسكرية في مطار كابل أمس (أ.ف.ب)
TT

ترسانة عسكرية ضخمة باتت في أيدي «طالبان»

عناصر من «قوة بدر» في «طالبان» أمام طائرة عسكرية في مطار كابل أمس (أ.ف.ب)
عناصر من «قوة بدر» في «طالبان» أمام طائرة عسكرية في مطار كابل أمس (أ.ف.ب)

أدى الانهيار السريع للجيش الأفغاني المكون من 300 ألف عنصر وضابط خلال أسبوع واحد من الزمن أمام هجمات قوات «طالبان» إلى تداعيات كبيرة ستستمر حتى بعد الانسحاب المهين لأميركا وحلفائها في حلف «الناتو» من كابل خلال الشهر الماضي. ولقد أظهرت التقارير أن كثيراً من قادة الجيش الأفغاني الذي استثمرت فيه أميركا المليارات من الدولارات خلال السنوات العشرين الماضية، آثروا عدم القتال، وانسحب بعض المقاتلين، في حين فر أو استسلم البعض الآخر.
كانت أميركا زودت القوات الجوية والبرية الأفغانية بمعدات حديثة تمكنها من التعامل مع تهديدات «طالبان»، أقله لفترة أشهر من الزمن تسمح للحكومة الأفغانية بأن تتوصل إلى اتفاق مع الحركة على تقاسم الحكم. لكن هزيمة الجيش الأفغاني وسرعة استسلامه أجهضا الخطط الأولية وتوقعات بعض الأجهزة الاستخباراتية لواشنطن التي كانت دائماً تتوقع بأن «طالبان» ستنتصر في نهاية المطاف، وعليه كانت هناك تقديرات بأن جزءاً كبيراً من عتاد الجيش الأفغاني سيسقط في أيدي الحركة. ولذلك، لا يمكن وصف هذا العتاد بأنه يحتوي على تكنولوجيا متقدمة جداً أو سرية. لكنه سيعطي «طالبان» قدرة عسكرية لم تمتلكها سابقاً.
فيما يخص عتاد القوات البرية، فرغم أن غالبيته لأهداف لوجيستية، إلا أنه يتميز بكونه من عربات «هامفي» المصفحة وناقلات جند مدرعة طراز «إم – 113» والعربات القتالية المضادة للألغام «إم إكس برو وام 117» وآلاف السيارات الرباعية الدفع ونصف نقل والشاحنات العسكرية. وأهم ما استولى عليه مقاتلو «طالبان» هو ما يقارب نصف مليون بندقية قتالية ومدافع رشاشة متوسطة وثقيلة وحوالي 16 ألف منظار للرؤية الليلية و176 مدفع ميدان من مختلف الأعيرة. ويمكن لـ«طالبان» أن تستوعب معظم هذه المعدات بسرعة، وتستخدم غالبيتها بمساعدة بسيطة من عناصر الجيش الأفغاني المنهار. ولكن يبقى موضوع قطع الغيار لهذه الآليات، التي يمكن الحصول عليها، إما من السوق السوداء أو عبر دول صديقة مثل باكستان، أو عبر قطع موازية من جهات مثل إيران والصين. ومن غير المعروف حتى الآن ماذا تنوي أن تفعل «طالبان» بالجيش الأفغاني السابق. فهل تعيد تشكيله مع دمجه مع قواتها أو تحييه وتبقيه مستقلاً عن قواتها التي ستتحول إلى ما يشبه الحرس الثوري الإيراني تكون مهمته حماية النظام؟
أما فيما يخص القوات الجوية، فتحدي إبقاء هذه الطائرات في الخدمة سيكون أكبر لـ«طالبان». ويضم سلاح الجو الأفغاني أربع طائرات نقل عسكرية طراز «سي – 130» وسربين من طائرات الإسناد البري الخفيفة طراز «سوبر توكانو» و38 طائرة استطلاع وإسناد بري خفيف طراز «سيسنا 208» وهي جميعها غير نفاثة. أما طائرات الهليكوبتر فهي من 33 طائرة نقل متوسطة طراز «بلاك هوك» أميركية الصنع و33 طائرة «مي – 17» روسية الصنع و43 طائرة هجوم خفيفة طراز «إم دي – 530». التحدي لـ«طالبان» هو تأمين طيارين وطواقم صيانة لتشغيل هذه الطائرات، بالإضافة إلى توفير قطع الغيار لها. ولن تقوم «طالبان» بإعادة أي من هذه الطائرات إلى أميركا، بل ستحاول أن تشغلها عبر تقديم مغريات لطواقم سلاح الجو الأفغاني بالعودة للخدمة، أو عبر تدريب طيارين وطواقم عمل في دول مجاورة أو الحصول على خدمات من طيارين وتقنيين سابقين من دول مجاورة مثل إيران وباكستان وحتى روسيا.
وتأمين قطع غيار أصلية أو بديلة للطائرات الأميركية لن يكون تحدياً مستحيلاً. فلقد تمكنت إيران من تحقيق ذلك عبر إبقاء جزء كبير من الطائرات الأميركية التي كانت حصلت عليها خلال عهد الشاه في الخدمة حتى هذا اليوم، إما عبر شراء القطع من السوق السوداء، أو عبر تصنيعها محلياً بمساعدة تقنية من دول مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية التي أتقنت وسيلة نسخ التكنولوجيا وتصنيعها محلياً. لذلك، ستشكل إيران وباكستان وحتى الصين مصادر مهمة لـ«طالبان» لخبرات وقطع غيار وبرامج تدريب تمكنها من إبقاء معظم هذه الترسانة الكبيرة من الطائرات في الخدمة.
لكن هناك مجموعة أسئلة تفرض نفسها، وهي لماذا لم تقم القوات الأميركية قبل انسحابها الأخير بتدمير هذه الطائرات الموجودة على مدارج وداخل هنغارات القواعد الجوية في أفغانستان؟ فهذا أمر يمكن تحقيقه خلال يوم أو يومين من الغارات الجوية الدقيقة. ورداً على هذا التساؤل، قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي، خلال مؤتمر صحافي، أول من أمس، إن قواته «نزعت سلاح» حوالي 73 طائرة، أي أعطبتها وجعلتها غير قابلة للتشغيل مرة أخرى. وأكد أن «هذه الطائرات لن تحلق مرة أخرى»، مضيفاً: «لن يتمكن أحد من استخدامها».
ويبدو أن أميركا تأمل بأن تتمكن من إنشاء علاقات دبلوماسية جيدة مع أفغانستان تحت قيادة «طالبان» خلال المستقبل القريب، خصوصاً إذا ما تمكنت هذه الحركة من فرض سلطتها على كامل الأراضي الأفغانية، وتشكيل حكومة تضم شخصيات من الحكومات السابقة لها صدقية على الساحة الدولية، وإعادة عدد من ضباط الجيش الأفغاني من الذين تدربوا في أميركا، ويملكون علاقات جيدة مع قيادات عسكرية في البنتاغون.
وإذا تمكنت «طالبان» من إقناع الغرب بأنها تغيرت ولن تسمح بعودة «القاعدة» لأراضيها، وبأنها ستكون شريكاً في الحرب ضد منظمات إرهابية مثل «داعش»، وشكلت حكومة تضم حلفاء لأميركا، فسيكون في أفغانستان حينها حكومة تملك علاقات دبلوماسية مع واشنطن وغير معادية لها تملك جيشاً مجهزاً بعتاد حديث ومهم مرتبط معها عضوياً لحاجته لقطع غيار وصيانة لن تستطيع أن توفرها أي جهة بالجودة المطلوبة مثل بلد المنشأ.
وستكشف الأسابيع والأشهر المقبلة ما إذا كان انسحاب أميركا من أفغانستان جزءاً من خطة متقدمة لتوريث السلطة لحكومة «طالبان» بذهنية مختلفة تكون صديقة أو حليفة للغرب ومجهزة عسكرياً بشكل جيد يخدم مصالحه، أم أن الانسحاب هو فشل ذريع لواشنطن أدى إلى عودة حكومة متطرفة تدعمها جماعات إرهابية ومجهزة بعتاد عسكري يجعلها أكثر خطورة من قبل، وفي هذه الحالة تكون مصدر تهديد لجيرانها والمجتمع الدولي أيضاً، وهو أمر تنفيه قيادات «طالبان».
- باحث في الشؤون العسكرية



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».