روسيا وبيلاروسيا تواجهان الضغوط الغربية بتعزيز مسار «التكامل المعمّق»

استعدادات لتوقيع 28 «خريطة طريق» في إطار اتفاق دولة الاتحاد

الرئيسان بوتين ولوكاشينكو خلال اجتماعهما في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
الرئيسان بوتين ولوكاشينكو خلال اجتماعهما في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
TT

روسيا وبيلاروسيا تواجهان الضغوط الغربية بتعزيز مسار «التكامل المعمّق»

الرئيسان بوتين ولوكاشينكو خلال اجتماعهما في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (إ.ب.أ)
الرئيسان بوتين ولوكاشينكو خلال اجتماعهما في سانت بطرسبورغ بروسيا في يوليو الماضي (إ.ب.أ)

بدأت موسكو ومينسك بوضع اللمسات الأخيرة، تحضيراً لتوقيع رزمة من الوثائق في إطار تعزيز مسار «التكامل العميق» بين عمل المؤسسات في البلدين في مختلف المجالات. وتزامن الإعلان عن تحديد التاسع من الشهر الحالي لتوقيع 28 «خريطة طريق» تم التوافق بشأنها خلال مفاوضات استمرت لسنوات بين الجانبين، مع تصاعد المواجهة بين بيلاروسيا والغرب، فقد أعلنت واشنطن، أمس، تقليصاً جديداً للعلاقات الدبلوماسية مع مينسك، فيما رأى خبراء روس أن الضغوط المتزايدة على نظام الرئيس ألكسندر لوكاشينكو تدفعه أكثر نحو ترسيخ التحالف مع الكرملين.
وأعلن سفير بيلاروسيا في موسكو، فلاديمير سيماشكو، أن الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والبيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، سيوقعان في 9 سبتمبر (أيلول) الحالي على كل «خرائط الطريق» التي تم وضعها في إطار برنامج واسع لـ«التكامل» بين طرفي اتفاقية الاتحاد الروسي - البيلاروسي.
وقال خلال لقاء مع مسؤولين روس أمس: «لقد وصلنا إلى نقطة النهاية بعد 3 سنوات من المفاوضات، وبقي من أصل 28 خريطة طريق واحدة فقط. وأعتقد أننا سننجز التوصل إلى تفاهم بشأنها في السابع من سبتمبر (أيلول) الحالي، وسوف يجتمع الرئيسان في موسكو بعد ذلك بيومين، حيث سيتم التوقيع على جميع خرائط الطريق وخرائط تطوير التكامل العميق».
وكان الكرملين والرئاسة البيلاروسية قد أعلنا في وقت سابق أن الرئيسين «سوف يناقشان البرامج التي أعدتها حكومتا البلدين، والقضايا الدولية، بالإضافة إلى قضايا الساعة على جدول الأعمال الثنائي». ومع الإعلان عن قرب توقيع الوثائق، تغدو للقمة الثنائية أهمية خاصة لأنها ستضع أساساً للشروع في برامج التكامل التي تشمل إطلاق عمل مجموعات مشتركة في كل المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، في إطار اتفاق «الاتحاد» بين البلدين الذي وقع في عام 1996، لكن الطرفين فشلا منذ ذلك الوقت في إطلاق مسار التكامل وتنفيذ بنوده بسبب مخاوف بيلاروسية من قيام الشركات الكبرى الروسية بـ«التهام الاقتصاد البيلاروسي»، وفقاً لتعبير لوكاشينكو في أكثر من مناسبة في السابق.
ومع اقتراب موعد الاستحقاق الكبير، لفت خبراء روس إلى أن تصاعد التوتر في علاقات مينسك مع العواصم الغربية، دفع لوكاشينكو إلى تسريع عملية التوصل إلى اتفاقات لإطلاق مسار التكامل. وكانت علاقات مينسك قد تعرضت لهزة قوية مع الغرب على خلفية قمع الاحتجاجات الداخلية التي تواصلت لشهور، ما دفع إلى فرض عدة رزم من العقوبات الأوروبية والأميركية على السلطات البيلاروسية.
وشهدت الأزمة المتصاعدة تطوراً لافتاً مع تنشيط موسكو ومينسك تحركاتهما العسكرية على طول الحدود البيلاروسية مع أوروبا، رداً على التحركات التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي في الجانب الأوروبي من الحدود. وأسفرت الأزمة عن تدهور واسع أسفر عن إغلاق الحدود البيلاروسية مع عدد من البلدان الأوروبية، والشروع بإقامة جدار عازل أوروبي على المناطق الحدودية لمنع تسلل اللاجئين من بيلاروسيا إلى أوروبا.
وقال نائب وزير الداخلية والإدارة في بولندا، ماتشي فاشيك، إن السلطات البولندية نشرت ألف جندي على حدود البلاد مع بيلاروسيا بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين. وزاد فاشيك أنه «تم تعزيز الحدود. وبولندا تعتزم بناء أسوار إضافية على الحدود».
وكانت الخارجية البولندية قد أعلنت قبل أيام أنه «حتى الآن، تم تجهيز نحو 100 كيلومتر من الحدود بسياج من الأسلاك الشائكة في المنطقة التي تحرسها الوحدة الإقليمية لحرس الحدود في بودلاسكي». ومن المخطط كذلك تجهيز 50 كيلومتر أخرى بسياج في المنطقة الخاضعة للحراسة عن طريق قوات الجيش.
وكانت بولندا وليتوانيا المجاورة قد اتهمتا بيلاروسيا بالسماح للمهاجرين بعبور الحدود لدخول الاتحاد الأوروبي انتقاماً من فرض عقوبات اقتصادية شاملة على مينسك. وفي تطور جديد على العلاقة مع واشنطن، أعلنت السفارة الأميركية في بيلاروسيا، أمس، في بيان، أنها خفضت عدد الموظفين العاملين في البعثة الدبلوماسية في مينسك. وذكرت السفارة أنها فعلت ذلك بطلب من الجانب البيلاروسي.
وأضاف البيان أنه «للمرة الثانية خلال 3 أشهر، اضطر دبلوماسيون أميركيون لمغادرة بيلاروسيا بسبب القرار المؤسف من جانب النظام بخصوص تقليص التعاون والحوار. نحن نودعهم (الدبلوماسيون)، وهم يودعون الشعب البيلاروسي الذي عملوا بتفاني لدعم تطلعاته الديمقراطية».
وأكدت السفارة أن «الدبلوماسيين الأميركيين سيواصلون هذا العمل الحيوي، سواء في مينسك أو من أي مكان آخر».
وكانت الخارجية البيلاروسية قد دعت، في وقت سابق، الجانب الأميركي لخفض عدد العاملين في سفارة الولايات المتحدة في مينسك إلى 5 أشخاص بحلول الأول من سبتمبر (أيلول)، رداً على فرض واشنطن قبل أسابيع رزمة عقوبات إضافية على أكثر من 40 فرداً وكياناً في بيلاروسيا.
وعلى الرغم من هذه الأجواء المحيطة بعلاقات بيلاروسيا مع الغرب، برز الجدل مجدداً لدى الأوساط الروسية فور الإعلان عن اقتراب الطرفين الروسي والبيلاروسي من توقيع رزمة الوثائق حول التكامل، وكان لافتاً أن تعليقات خبراء روس حملت تساؤلاً حول «ما إذا كان يمكن الوثوق بوعود لوكاشينكو بالسير بنشاط في مسار تكامل بيلاروسيا مع روسيا».
وشكك خبراء في نيات لوكاشينكو الذي كان قد أعلن في الجلسة العامة للمنتدى الثامن لأقاليم بيلاروسيا وروسيا أخيراً عن تطوير «استراتيجية طويلة الأجل للتكامل في دولة اتحادية»، مع إشارة إلى أنه في عام 2022 سوف يتم، وفقاً لكلامه «الانتهاء من تحقيق الاتجاهات ذات الأولوية، والمهمات الأساسية لتطوير دولة اتحادية، سيتم المصادقة على تمديد الاتفاق بشأنها دورياً كل 4 سنوات».
لكن المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، رأى أن «استراتيجية لوكاشينكو الجديدة للتكامل مع روسيا نجمت عن الضغط الخارجي على البلاد. وفي السابق، كانت بيلاروسيا تتمسك دائماً بمفهوم سياسة خارجية مستقلة وتجارة متعددة النواقل».
وزاد أن أوساطاً روسية لا تراهن كثيراً على التحول في مواقف الزعيم البيلاروسي بشأن التقارب مع موسكو، وأنه «إذا ما ظهرت لديه فرصة لاستعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، فإنه بالتأكيد سيستغلها، ويحاول العودة إلى السياسة متعددة النواقل».
ورأى الخبير أنه «بمعنى ما، تم حشر لوكاشينكو في الزاوية. والسؤال الآن هو: إلى أي مدى تريد موسكو الإفادة من مأزق شريكها؟ هل ستحث لوكاشينكو بإصرار على إلغاء القرارات الاقتصادية السابقة التي تشكل حتى الآن عقبة أمام التكامل؟».
وبحسب كورتونوف، فإنه إذا نجحت الاستراتيجية الجديدة، فقد يطال التكامل بين روسيا وبيلاروسيا مجالات مثل الصناعة والتكنولوجيا العالية.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».