معاوية الصياصنة... أحد الذين كتبوا «لافتات مدرسة» درعا بات مهجّراً في ريف حلب

روى لـ«الشرق الأوسط» قصته خلال العقد الماضي ونيته تعليم أبنائه {العمل على إسقاط النظام»

الفتى معاوية الصياصنة (الشرق الاوسط)
الفتى معاوية الصياصنة (الشرق الاوسط)
TT

معاوية الصياصنة... أحد الذين كتبوا «لافتات مدرسة» درعا بات مهجّراً في ريف حلب

الفتى معاوية الصياصنة (الشرق الاوسط)
الفتى معاوية الصياصنة (الشرق الاوسط)

«لست نادماً، ولدي استعداد أن أعيدها مرة واثنتين وثلاثاً، على أن أعيش تحت كنف نظام لم يترك وسيلة قتل وتدمير بحق أهلنا إلا مارسها واتبعها. وإن مغادرتي بلدي درعا التي أوقدت شعلة الحرية في سوريا، بداية مرحلة جديدة من النضال ضد هذا النظام، على طريق الحرية»،
بهذه الكلمات أجاب معاوية الصياصنة عن سؤال «الشرق الأوسط»، عن نظرته إلى سوريا بعد عشر سنوات. معاوية، هو أحد الأطفال الذين اعتقلهم أجهزة الأمن في درعا البلد، على خلفية كتابات مناهضة للنظام على أحد جدران مدرسة في درعا قبيل اندلاع الاحتجاجات، جنوب سوريا في مارس (آذار) 2011. وهو كان بين الدفعة الثانية التي هجّرت برعاية روسية من درعا البلد إلى الشمال السوري.

البدايات
مع اندلاع ما يسمى بـ«الربيع العربي» في عدد من الدول العربية بداية العقد، وصل الصدى إلى سوريا وذهب كثيرون إلى الجلوس أمام شاشات القنوات والمحطات الإخبارية لمتابعة ما يجري في تلك البلدان وسط ترقب في الشارع. وكانت مدينة درعا واحدة من المناطق التي شهدت أول الاحتجاجات في سوريا، بعد اعتقال الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، 20 طفلاً، لا تتجاوز عمر كل منهم 15 عاماً، كتبوا شعارات على جدران مدرسة «الأربعين» في أحد أحياء مدينة درعا البلد، ومن بين هؤلاء الأطفال معاوية الصياصنة.
معاوية من أسرة متوسطة الحال في درعا البلد، له أختان وأخ ووالدة. يقول لدى وصوله إلى ريف حلب «كنا مع مطلع عام 2011 أطفالاً، وسقف أحلامنا اللعب والسمر والسهر في الأزقة والحارات كأبناء حي واحد في درعا البلد. تابعنا الأحداث وعلى المحطات الإخبارية التي كانت تشهدها بلدان عربية. كان هناك شك ضمني من أهلنا بأنه يمكن للسوريين القيام بالفعل ذاته أمام نظام يعتمد في حكمة للبلاد على شبكة من الأجهزة الأمنية وجيش مسلح. أمور دفعتنا من دون إدراك إلى التفكير بكتابة عبارات منددة ومناهضة للنظام على جدران مدرسة الأربعين في درعا».
ويتابع «في منتصف فبراير (شباط) 2011 ونحو الساعة الثالثة ليلاً، قمت أنا، وسامر الصياصنة، وعمار رشيدات، وأحمد رشيدات، ومعتز رشيدات، وعيسى حسن أبو الهياص، وأطفال آخرون بكتابة عبارات (اجاك الدور يا دكتور) و(حرية) و(يسقط النظام) على جدران مدرسة حي الأربعين في درعا البلد، ومن ثم غادرنا المكان على الفور. وفي صباح اليوم التالي، شاهد الجميع العبارات المكتوبة، بما فيهم مدير المدرسة، في مشهد مذهل. وبدأت سيارات الأجهزة الأمنية والشرطة بالتوافد إلى المدرسة، وسط استنفار أمني كبير، والبدء بجمع المعلومات والتحقيقات، وخلال التحقيقات وجمع المعلومات من قبل عملاء ومخبرين للنظام بدأت تتكشف أسماؤنا وبدأت الأجهزة الأمنية بمداهمة منازلنا، وتم إلقاء القبض على 6 أطفال من أصدقائي حينها، بينما أنا كنت متوارياً عن الأنظار لمدة 3 أيام. وبعد أن بدأ المشهد يعود إلى الهدوء عدت إلى منزل أهلي نحو الساعة 4 فجراً لأفاجأ بوجود دورية تابعة لجهاز الأمن السياسي داخل المنزل، وأمسك بي عدد من العناصر وانهالوا عليّ بالضرب والشتائم، بعد أن قاموا بوضع كيس أسود على رأسي، واقتيادي إلى مخفر شرطة درع البلد، ومن ثم إلى مبنى فرع الأمن السياسي في مدينة درعا وسط تعذيب وضرب شديد».

رعب وتعذيب
يصف معاوية ظروف الاعتقال والتعذيب بأنه «جحيم ومرعب»؛ إذ إنه «تم اعتقالي في جهاز الأمن السياسي في درعا لمدة أسبوع تقريباً وسط تعذيب يومي لمدة 4 ساعات يجري فيها التحقيق معي وسط سباب وشتائم وتهديد بالقتل وترهيب، وكانت أسئلتهم عن هي الجهة التي دفعننا للقيام بهذه الكتابات، ومن وراءنا، وهل هناك من أعطى لكم المال لتكتبوا ذلك، وجرى بعدها تحويلي إلى فرع الأمن السياسي بالسويداء، وثم بعدها إلى فرع فلسطين بدمشق، وهناك صادفت عدداً من الأطفال من درعا البلد أعرف البعض منهم، أيضاً متهمون بكتابة عبارات مناهضة للنظام على جدران دوائر حكومية ومدارس أخرى، وتعرضنا حينها كلنا للتعذيب عن طريق الضرب بالدولاب والشبح والضرب بالهراوات على أقدامنا، ذلك بشكل يومي لمدة 20 يوماً، إلى أننا بتنا نشعر أنه نهاية حياتنا في ذلك الفرع تحت الأرض، وبعدها وبشكل مفاجئ بدأ عناصر الفرع الأمني في تخفيف التعذيب وتغيير أسلوب التعامل معنا، وقام أحد المسؤولين في الفرع بجمعنا في أحد أروقة السجن وقال لنا «السيد الرئيس بشار الأسد أصدر قراراً بالعفو عنكم، وهذه مكرمة من سيادته لكم، وعليكم احترامها وتقديرها من خلال تعاونكم معنا لاحقاً بعد إخلاء سبيلكم، وإبلاغ الجهات الأمنية عن أي شخص يحاول المساس بأمن الدولة أو التشجيع على التظاهر والاحتجاجات) أي بمعنى أنهم يريدون منا العمل لصالحهم كمخبرين وعملاء، وحينها لا نعلم ما يجري في الخارج وكيف هي أحوال أهلنا».
ويمضي معاوية قائلاً، إنه «بعد قرابة 40 يوماً أخلي سبيل نحو 20 طفلاً وأنا من بينهم من فرع الشرطة العسكرية بدمشق كآخر محطة أمنية لاستجوابنا كباقي الجهات الأمنية والعسكرية التابعة للنظام، وتم نقلنا بحافلة إلى مبنى فرع حزب البعث في مدينة درعا وقاموا بإجبارنا على البصم على أوراق نتعهد فيها بعدم العودة إلى ذلك الفعل. لكن كانت المفاجأة بانتشار عسكري وأمني واسع ومكثف على مداخل المدينة، وأعداد كبيرة من أهلنا في ساحة العمري ينتظرون وصولنا وسط حالة من الاستنفار، وتبين أن ثمة حراكاً ثورياً كبيراً تشهده المدينة وريفها، على خلفية اعتقالنا، وتطاول رئيس فرع الأمن السياسي التابع للنظام آنذاك عاطف نجيب (ابن خالة الأسد)، بالشتم والإساءة بحق أهلنا خلال مطالبتهم بإطلاق سراحنا عقب اعتقالنا بيومين، حيث قال حينها لأهلنا (إنسوا أنه لديكم أولاد معتقلين وإذا كنتم بحاجة إلى أولاد أرسلوا نساءكم لنضع فيهن حملاً من عناصرنا)؛ الأمر الذي أثار غضب أهالنا وباقي أبناء درعا البلد وبدأت المظاهرات تتوسع حتى طالت كل المدن والبلدات في جنوب سوريا المطالبة بإسقاط النظام».

حمل السلاح... والخيار الصعب
ويتابع معاوية، كنت «طفلاً لا أدرك ما يجري من أحداث متسارعة في محافظة درعا على صعيد الحراك الثوري من مظاهرات حاشدة عمت أرجاء المدينة وعدد كبير من قرى المحافظة، وسرعان ما بدأ النظام بإرسال أعداد كبيرة من قواته والميليشيات للسيطرة على الوضع، من خلال محاولات الاقتحام والقصف على درعا البلد وأحياء أخرى في المدينة، دون أن يتمكن من السيطرة على أي شبر داخل المدينة. وكانت تتسارع حينها الأحداث العسكرية وبدأ الثوار بتحرير عدد من المواقع والنقاط العسكرية من قوات النظام إلى شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2013، حيث تمكّن الثوار من تحرير الجمارك القديمة مع الأردن، وبدأ النظام بالانتقام من الأهالي بالقصف المدفعي والصاروخي المكثف، وقُتل والدي إثر ذلك أثناء ذهابه إلى صلاة الفجر حينها، وكنت بلغت الـ18 عاماً، وقررت حينها حمل السلاح والانضمام إلى أحد التشكيلات العسكرية التابعة للجيش السوري الحر والدفاع عن أهلي، وشاركت في الكثير من المعارك ضد النظام وميليشياته».
في عام 2018 تعرضت مدينة درعا لـ«حصار كامل من قبل قوات النظام والروس والميليشيات الإيرانية في محاولة للسيطرة مجدداً على المدينة والقرى المجاورة»، حسب معاوية. ويضيف، أنه خلال المفاوضات التي جرت آنذاك مع لجان التفاوض الأهلية وصلت الأطراف إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار والعدول عن اقتحام مدينة درعا شريط إجراء تسوية مع النظام برعاية روسية وعدم السماح لقوات النظام دخول أحياء درعا، وبقي الحال على ما هو كان عليه حتى شهر يوليو (تموز) الماضي، حيث عاد النظام إلى الحديث عن إعادة السيطرة على مدينة درعا مجدداً، وإرسال الأرتال العسكرية والميليشيات المحلية والأجنبية لذلك، وتدخل الفيلق الثامن المدعوم من روسيا كوسيط بين النظام ولجان التفاوض المركزية عن أهالي درعا، وأصر النظام على ترحيل الثوار ومن يرفض التسوية مجدداً معه إلى الشمال السوري، وكأن خياري الصعب هو القبول بالتهجير إلى مناطق المعارضة السورية (في الشمال) لحقن دماء أهلي».
ويختم معاوية قائلاً «سأكمل مسيرتي الثورية هنا في مناطق الشمال السوري على أمل أن نعود إلى ديارنا التي هجرنا منها منتصرين، كما وأفتخر كثيراً كوني أحد الشبان الذين كانوا سبباً رئيسياً في إشعال الثورة السورية ضد النظام الذي لم يوفر أي وسيلة لقتل أهلنا، ذلك بمثابة شرف بالنسبة لي، بعد عقد من الزمن وأصبح عمري 26 عاماً، وسأعلم أطفالي مناهضة النظام حتى إسقاطه ونيل الحرية والكرامة».



فرار مجندين من المعسكرات الحوثية في صنعاء وريفها

الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)
الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)
TT

فرار مجندين من المعسكرات الحوثية في صنعاء وريفها

الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)
الحوثيون أجبروا مدنيين على الالتحاق بدورات عسكرية (فيسبوك)

شهدت معسكرات تدريب تابعة للجماعة الحوثية في العاصمة المختطفة صنعاء وريفها خلال الأيام الأخيرة، فراراً لمئات المجندين ممن جرى استقطابهم تحت مزاعم إشراكهم فيما تسميه الجماعة «معركة الجهاد المقدس» لتحرير فلسطين.

وتركزت عمليات الفرار للمجندين الحوثيين، وجُلهم من الموظفين الحكوميين والشبان من معسكرات تدريب في مدينة صنعاء، وفي أماكن أخرى مفتوحة، في مناطق بلاد الروس وسنحان وبني مطر وهمدان في ضواحي المدينة.

جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في صنعاء للتعبئة القتالية (فيسبوك)

وتحدّثت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، عن فرار العشرات من المجندين من معسكر تدريبي في منطقة جارف جنوب صنعاء، وهو ما دفع وحدات تتبع جهازي «الأمن الوقائي»، و«الأمن والمخابرات» التابعين للجماعة بشن حملات تعقب وملاحقة بحق المئات ممن قرروا الانسحاب من معسكرات التجنيد والعودة إلى مناطقهم.

وذكرت المصادر أن حملات التعقب الحالية تركّزت في أحياء متفرقة في مديريات صنعاء القديمة ومعين وآزال وبني الحارث، وفي قرى ومناطق أخرى بمحافظة ريف صنعاء.

وأفادت المصادر بقيام مجموعات حوثية مسلحة باعتقال نحو 18 عنصراً من أحياء متفرقة، منهم 9 مراهقين اختطفوا من داخل منازلهم في حي «السنينة» بمديرية معين في صنعاء.

وكان الانقلابيون الحوثيون قد دفعوا منذ مطلع الشهر الحالي بمئات المدنيين، بينهم شبان وأطفال وكبار في السن وموظفون في مديرية معين، للمشاركة في دورات تدريب على استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة استعداداً لإشراكهم فيما تُسميه الجماعة «معركة تحرير فلسطين».

ملاحقة الفارين

يتحدث خالد، وهو قريب موظف حكومي فرّ من معسكر تدريب حوثي، عن تعرُّض الحي الذي يقطنون فيه وسط صنعاء للدَّهم من قبل مسلحين على متن عربتين، لاعتقال ابن عمه الذي قرر الانسحاب من المعسكر.

ونقل أحمد عن قريبه، قوله إنه وعدداً من زملائه الموظفين في مكتب تنفيذي بمديرية معين، قرروا الانسحاب من الدورة العسكرية بمرحلتها الثانية، بعد أن اكتشفوا قيام الجماعة بالدفع بالعشرات من رفقائهم ممن شاركوا في الدورة الأولى بوصفهم تعزيزات بشرية إلى جبهتي الحديدة والضالع لمواجهة القوات اليمنية.

طلاب مدرسة حكومية في ريف صنعاء يخضعون لتدريبات قتالية (فيسبوك)

ويبرر صادق (40 عاماً)، وهو من سكان ريف صنعاء، الأسباب التي جعلته ينسحب من معسكر تدريبي حوثي أُقيم في منطقة جبلية، ويقول إنه يفضل التفرغ للبحث عن عمل يمكّنه من تأمين العيش لأفراد عائلته الذين يعانون شدة الحرمان والفاقة جراء تدهور وضعه المادي.

ويتّهم صادق الجماعة الحوثية بعدم الاكتراث لمعاناة السكان، بقدر ما تهتم فقط بإمكانية إنجاح حملات التعبئة والتحشيد التي تطلقها لإسناد جبهاتها الداخلية، مستغلة بذلك الأحداث المستمرة في قطاع غزة وجنوب لبنان.

وكان سكان في صنعاء وريفها قد اشتكوا من إلزام مشرفين حوثيين لهم خلال فترات سابقة بحضور دورات عسكرية مكثفة تحت عناوين «طوفان الأقصى»، في حين تقوم في أعقاب اختتام كل دورة بتعزيز جبهاتها في مأرب وتعز والضالع والحديدة وغيرها بدفعات منهم.

وكثّفت الجماعة الحوثية منذ مطلع العام الحالي من عمليات الحشد والتجنيد في أوساط السكان والعاملين في هيئات ومؤسسات حكومية بمناطق تحت سيطرتها، وادّعى زعيمها عبد الملك الحوثي التمكن من تعبئة أكثر من 500 ألف شخص.

عاجل «إف.بي.آي» يحبط خطة إيرانية لاستئجار قاتل لاغتيال ترمب (أسوشييتد برس)